الأفق يكفهر في وجه ساركوزي قبل مائة يوم من انتخابات الرئاسة

مارين لوبن قد تخرجه من الدورة الثانية وخفض تصنيف فرنسا يؤشر لفشله اقتصاديا

المرشح الاشتراكي لانتخابات الرئاسة الفرنسية هولند يتحدث في مقر حملته بباريس أمس (أ.ف.ب)
TT

ينقل عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أنه قال يوما أمام عدد من وزرائه ومستشاريه إنه «إذا خسرنا المرتبة الأولى في التصنيف (A الثلاثية) فيمكن اعتباري رجلا ميتا». بالطبع، لم يكن ساركوزي يستشعر أنه سيكون ضحية عملية اغتيال أو سكتة قلبية ستضربه في اللحظة التي تصدر فيها إحدى وكالات التصنيف الأميركية حكمها المبرم بحق الاقتصاد الفرنسي، الأمر الذي حصل مساء يوم الجمعة بعد إغلاق البورصات العالمية على يد وكالة «ستاندرد أند بورز». ساركوزي كان يفكر، بالأحرى، في مستقبله السياسي وفي حظوظه في الفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى بعد أقل من مائة يوم.

الأرجح أن يكون الرئيس الفرنسي مصيبا في عبارته الشهيرة. ففي الأشهر القليلة الماضية ومنذ أن «نبهت» وكالات التصنيف إلى احتمال تخفيض مرتبة فرنسا، جعل ساركوزي من المحافظة على الموقع الأول هدفا استراتيجيا لسياسته الاقتصادية وهو ما ترجم بخطط تقشفية قاسية وبتعبئة قادة منطقة اليورو وعلى رأسهم ألمانيا لبلورة خطط تحافظ على مكانة العملة الأوروبية الموحدة وتوفر حلولا لمديونيات الدول الأوروبية. والأهم من ذلك أن ساركوزي أراد البقاء «ملتصقا» بألمانيا التي تتمتع بأكبر اقتصاد في أوروبا يليه الاقتصاد الفرنسي. والحال، أن كل القمم التي تلاحقت في الأشهر الأخيرة لم تكن كافية بينما ألمانيا «نجت» من المصير الذي ضرب فرنسا وبقيت متمتعة بالمرتبة الأولى. أما اليورو فإنه مستمر في التراجع إزاء العملات الدولية لا بل إن بعض أصوات الشؤم تدعي أن الأيام المتبقية له أضحت معدودة.

ومثلما كان متوقعا، اغتنم منافسو ساركوزي، يسارا ويمينا، التطور الأخير للانقضاض عليه وعلى سياسته. فالمرشح الاشتراكي فرنسوا هولند قال أمس إن ما حصل «أمر خطير» وفشل شخصي لساركوزي الذي «خسر المعركة» ولسياسته التي «فقدت كل مصداقية». ورأت مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبن في ذلك «نهاية لأسطورة» الرئيس الذي «يحمي» فرنسا من تقلبات العالم ومخاطره. واعتبر مرشح الوسط فرنسوا بايرو أن تخفيض تصنيف فرنسا «مؤشر على سنوات من الفشل» في قيادة الاقتصاد الفرنسي وعلامة على «التراجع السياسي» لموقع فرنسا في أوروبا.

والحقيقة أن الأيام الأخيرة، بما جاءت به من استطلاعات متلاحقة للرأي، حملت لساركوزي أكثر من «إنذار» أخطرها ما جاء به استطلاع لمعهد «IFOP» لصالح مجلة «باري ماتش». فقد بين الاستطلاع تقدما كبيرا لمرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبن التي جاءت في المرتبة الثالثة بعد الاشتراكي هولند (27 في المائة) وساركوزي (23.5 في المائة). وحصلت لوبن على 21.5 في المائة من الأصوات أي إنه لم يعد يفصلها عن ساركوزي سوى نقطتين. وفي الدورة الثانية، بين الاستطلاع أن هولند سيتغلب على ساركوزي بنسبة 54 في المائة فيما يحصل الرئيس المنتهية ولايته على 46 في المائة.

ويبين هذا الاستطلاع أن الهم الأول للرئيس الفرنسي هو أن ينجح في التأهل للدورة الثانية وتحاشي تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية للعام 2002 (ولكن بالمقلوب هذه المرة) عندما نجح جان ماري لوبن، والد مارين، في أن يسبق المرشح الاشتراكي وقتها ليونيل جوسبان ويتأهل للدورة الثانية. ووجه الخطورة بالنسبة لساركوزي أن هذه المرشحة المحامية نجحت في تغيير صورة اليمين المتطرف لدى الفرنسيين. ووفق استطلاع آخر للرأي، أعلنت نسبة 31 في المائة من الفرنسيين أنها قريبة من طروحات اليمين المتطرف المتشددة في موضوع الإسلام والهجرة والبطالة والأزمة المالية والاقتصادية. والأخطر من ذلك أن شرائح واسعة من طبقة العمال وصغار الموظفين فضلا عن الفئات التقليدية الداعمة لليمين المتطرف يرون في مارين لوبن أملهم الأول، وهو ما فهمته هذه الأخيرة التي أخذت تقدم نفسها على أنها مرشحة «اللامرئيين» بعكس الآخرين وخصوصا ساركوزي وهولند اللذين تعتبرهما مرشحي «المؤسسة».

وإلى جانب لوبن، أخذ نجم مرشح الوسط فرنسوا بايرو يلمع مجددا. وتتأرجح نسبة الأصوات التي تصب على اسمه ما بين 13 في المائة و16 في المائة وهي نسبة مرتفعة خصوصا أن الانتخابات ما زالت بعيدة. وثمة من يذهب إلى توقع أن تكون المنافسة في الدورة الثانية ما بين لوبن وبايرو وهو إن تحقق سيكون بمثابة «تسونامي سياسي» في الساحة الفرنسية.

حتى الآن، لم يعلن ساركوزي ترشحه رسميا. لكن «ماكينته» الانتخابية تعمل منذ أسابيع وبرنامجه أصبح جاهزا ومن المنتظر أن يعمد إلى إعلان ترشيحه أواسط أو أواخر الشهر القادم ليستفيد لأطول فترة ممكنة من وضعيته كرئيس للجمهورية. ومنذ شهرين على الأقل، كثف ساركوزي زياراته للمناطق الفرنسية واستفاد من بداية العام الجديد ليلقي شباكه في كل اتجاه ويبدأ في كشف بعض ما سيحمله برنامجه الانتخابي. لكن مشكلة ساركوزي أن الناخبين لن ينظروا إلى وعوده بقدر ما سيلتفتون إلى محصلة ما قام به في السنوات الخمس الأخيرة وبالتالي سيسألونه عما منعه من تحقيق ما يعد به الآن إبان السنوات السابقة. أما مشكلته الأخرى فتتناول تموضعه السياسي، إذ إن صعود نجم لوبن سيدفعه إلى المزايدة والتركيز على سياسة يمينية متشددة سعيا منه لاجتذاب نسبة من الأصوات التي ستنصب على اسم لوبن. لكن سلوك هذا الدرب سيبعد عنه ناخبي اليمين المعتدل والوسط الذين سيتوجهون إلى فرنسوا بايرو.

هكذا يجد ساركوزي نفسه في وضع حرج. فلا النتائج الاقتصادية تصب في صالحه ولا أسلوبه في الحكم يجتذب إليه الجماهير ولا الإصلاحات التي دفع إليها في السنوات الخمس أعطت ثمارها ولا الوعود التي أغدقها لجهة تحسين القدرة الشرائية ومحاربة البطالة وتوفير التنمية تحققت. وبالطبع، فإن تخفيض تصنيف فرنسا يشكل عامل ضغط إضافيا على الرئيس الذي فهم سلفا أن تطورا من هذا النوع يعني موته الحتمي.