ربطت خمسة أحزمة أمان جون - كريستوف باريسوت بمقعده في عربة تقله إلى ضاحية مهجورة في هذه المدينة الواقعة جنوب فرنسا. وقام مساعد رعاية منزلية بتثبيت رأسه بعناية ورفع هاتفا ليصل إلى مستوى أذنه.
ربما يكون قد بدا أشبه بمريض منقول إلى مستشفى، لكن بالنسبة لباريسوت (44 عاما)، أحد العاملين رفيعي المستوى في الشأن العام في منطقة لانغدوك روسييو، كان مجرد يوم آخر من أيام العمل. في سن العاشرة، تم تشخيص حالة باريسوت على أنه مصاب بمرض ضمور عضلات أحزمة الأطراف، وهو مرض جيني نادر تسبب، حتى الآن، في إصابته بشلل في جذعه ومعظم أطرافه. في المعتاد، يموت المصابون بهذا المرض في سن الثلاثين أو الأربعين. ومن ثم، فإن باريسوت، الذي تعاني أختاه من المرض نفسه، تعلم التعايش مع فكرة أنه ربما لم يتبق من عمره سوى سنوات معدودة، وقال: «عادة ما أقول لأطفالي إن الكيفية التي تقضي بها سنوات عمرك أهم بكثير من كمها».
في بلد لا يعمل فيه من المصابين بإعاقات جسدية سوى نسبة 35 في المائة فقط، كان باريسوت رائدا على مدار فترات حياته، وأصبح مؤخرا أول شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة يحمل لقب نائب محافظ عن جدارة. ومن خلال تلك الأهلية، يضطلع بمسؤولية ما تشير إليه فرنسا باسم «الترابط الاجتماعي»، من خلال سعيه الحثيث لتلبية احتياجات المسنين والمهاجرين والفقراء.
وجاء تعيينه في منصب نائب المحافظ مفاجئا في دولة تعتبر فيها قصص ناجحة على هذه الشاكلة أمرا نادرا. كانت «إشارة»، هكذا تحدث، ليظهر لذوي الاحتياجات الخاصة أن بإمكانهم بلوغ أكبر مطامحهم. وقال الرئيس نيكولا ساركوزي الكثير وقت تعيين باريسوت. ومن أبرز ما جاء على لسان ساركوزي: «سأقوم بتعيين رجل مصاب بشلل رباعي كنائب محافظ لا لإعاقته وإنما لكفاءته».
باريسوت لا يستطيع الكتابة بيديه أو على جهاز الكومبيوتر؛ ويتحمل أربع ساعات من العلاج الطبي يوميا، ولا يستطيع التنفس إلا بمساعدة أجهزة. لكنه يستطيع الكلام، ويتحدث ببطء وبفصاحة. كما يتمتع بذاكرة استثنائية، ويعمل 60 ساعة أسبوعيا. وتعد قدرته على الحديث عن إعاقته دون تحفظ وطموحه الذي لا حدود له على الرغم من حالته الجسدية الآخذة في الضعف بشكل مستمر، وعلاقاته السياسية التي وطدها بمعهد الدراسات السياسية في باريس الخاص بالنخبة، المعروف باسم «سيانس بو»، عوامل ساهمت جميعها في جعله متحدثا غير رسمي وقدوة بالنسبة للكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة.
إن حياة باريسوت، في دولة يرى أنه ما زال ينظر فيها إلى الإعاقات البدنية والذهنية بوصفها «كارثة بشرية»، كانت فريدة منها. في عام 1989، أصبح أول طالب معاق يتخرج في «سيانس بو»، ووقتها كان من الصعب إدخال مقعده المتحرك في المصعد العتيق بالبناية. (ونجح صديق في تضييق عرض المقعد بإزالة بعض البراغي، مجبرا باريسوت على الجلوس طيلة ثماني ساعات كل يوم دراسي على كرسي ضيق).
ومن خلال تنقله عبر هيكل الإدارة العامة في فرنسا بسرعة استثنائية، تم تعيينه في سن 41 عاما بمنصب المنسق الخاص بالمحافظ في إقليم لوت، في جنوب غربي فرنسا، ليصبح أول مسؤول إداري محلي قعيد. وقال باريسوت في مقابلة أجريت معه: «لست من النوع المعتاد للعاملين في مجال الخدمة المدنية المحبوسين في برج عاجي». وأضاف: «تربطني علاقة خاصة جدا بالناس. إنهم يعلمون أنني قد تحملت الكثير جدا، لدرجة أنهم أصبحوا يبدون احترامهم لي بمجرد رؤيتي».
بمعاونة أربعة مساعدين دائمين، يعمل باريسوت من أجل تخفيف عزلة كبار السن وتحسين ظروف المعيشة لواحد من أكبر تجمعات الغجر في فرنسا. وعادة ما يسافر إلى دور المسنين والسجون والأحياء المضطربة.
لقد تعلم أن يدير حياته بنفس السرعة والعزيمة التي يدير بها مقعده الذي يعمل بمحرك على طول الطرق الضيقة المؤدية إلى المقاطعة. وقد ألف ستة كتب، من بينها رواية ومقال عن اللاهوت - ويعتبر أصغر شماس في فرنسا – إضافة إلى سيرة ذاتية عن أحد أقربائه، وهو فريدريك شوبان، في الوقت الذي يربي فيه أربعة أطفال أصحاء مع زوجته كاتيا. ويقول باريسوت: «تساءلت أنا وزوجتي كثيرا عما إذا كان لنا الحق في أن يكون لدينا أطفال»، مضيفا أن الأطباء أخبروهما أن هناك احتمالا بنسبة 3.5 في المائة أن يرث أطفالهم المرض.
أمضى باريسوت، الذي ولد في عام 1967 في البلد المعروف الآن باسم «بوركينا فاسو» في غرب أفريقيا، حيث عمل والده مهندسا بالبحرية الفرنسية، معظم سنوات المراهقة في التعايش مع الإجهاد والعزلة والرثاء الذي تثيره حالته. وكتب يقول في كتابه: «قابلت أفرادا ينظرون بطريقة مغايرة، إحراج الأقرباء والنفاق المستتر. كان جسدي تجسيدا للغرابة ونمط حياتي تجسيدا لغرابة الأطوار». وفي حين كان زملاؤه في الدراسة يتلقون دروسا في السباحة أو كرة القدم، كان باريسوت يكتب لكل المنحدرين من سلالة جنرالات نابليون لسؤالهم عن المعارك التي خاضها أسلافهم.
لقد علم والداه أنهما كانا حاملين للمرض عندما كان طفلهما الأول في سن السابعة، وبعدها أخذا يراقبان ظهور أعراض المرض على ابنيهما الآخرين. وبالرجوع إلى سبعينات القرن العشرين، يقول باريسوت إنه لم يتم تحديد مرض ضمور عضلات أحزمة الأطراف بوصفه اضطرابا مرضيا منفصلا. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأقارب الثلاثة بنوا حياة إيجابية لأنفسهم؛ فواحدة من أخوات باريسوت تعمل مهندسة، والأخرى معاونة في البرلمان. وقالت والدة باريسوت مارتين: «أخبرت أطفالي أنه حتى إن لم يكن لديهم أرجل، فسيكون لديهم دائما عقول».
وبعد قضائه سنوات في الخدمة المدنية، بعضها في وزارة التعليم، أسس باريسوت في عام 2000 حزب الديمقراطيين ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو حزب يهدف للدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة البالغ عددهم ستة ملايين شخص في فرنسا. حاول التأهل لسباق الانتخابات الرئاسية في عامي 2002 و2007، لكنه لم يتمكن من جمع التوقيعات المطلوبة من خمسمائة مسؤول محلي من مختلف أنحاء الدولة. وقال باريسوت: «أردت أن أوضح أن المعاقين ليسوا مشاهدين، وإنما لاعبون فاعلون في الحياة السياسية». وشمل برنامج حزبه زيادة الميزانية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة ووضع إجراءات حماية قانونية ضد التحيز في معاملتهم وإثارة النقاش حول تقديم الدعم الجنسي للمصابين بإعاقات ذهنية وجسدية.
إن حالة باريسوت الجسدية وعزيمته الاستثنائية أحيانا ما تصعق بعض زملائه. وقال برنار أندريو، الذي عمل معه في إقليم لوت، إن كل رحلة من رحلاته خارج المكتب تتطلب لوجيستيات ضخمة وإن «إيقاع عمله أحيانا ما بهر هؤلاء الذين عملوا معه». غير أن باريسوت تعلم ألا يكون خجولا. ففي عام 2007، التقى بكلود غيان، الذي كان حينها رئيس هيئة العاملين في مكتب ساركوزي، الذي يشغل الآن منصب وزير الداخلية، وأخبره أنه يرغب في أن يشغل منصب المحافظ. وقال: «سألني غيان عما إذا كان بمقدوري عقد اجتماع مع 50 شخصا، فأجبته بنعم».
* خدمة «نيويورك تايمز»