تفاقم الأزمة السورية يثير المخاوف من وقوع حرب أهلية

الاضطرابات الأمنية والانشقاقات بين صفوف المعارضة تزيد من احتمالات الاقتتال الداخلي

لجنة المراقبين العرب في الزبداني بين الأهالي أمس
TT

تنزلق سوريا في صراع طويل الأمد، يتسم بالفوضى، وربما يصبح غير قابل للتفاوض، بعد فشل بعثة الجامعة العربية في وقف العنف في سوريا، وعجز المجتمع الدولي عن ممارسة ضغوط كبيرة على حكومة سوريا تتسم بالتحدي بقدر ما تتسم المعارضة السورية بالتشتت والتبعثر.

وقد أصبحت المعارضة تتحدث بشكل أقل عن احتمالات سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، بينما ازداد حديثها عن وقوع حرب أهلية، يجادل البعض بأنها قد بدأت بالفعل، خاصة مع كون الحكومة قد بدأت تفقد سيطرتها على بعض المناطق، وانحسار سلطتها في ضواحي العاصمة، وأجزاء من عدة مدن رئيسية، مثل حمص وحماة.

وحتى العاصمة، دمشق، التي ظلت هادئة لشهور، قد أصبحت مكتظة الآن بنقاط التفتيش، بينما أصبح سكانها خائفين من أصوات إطلاق النار.

ويؤكد ازدياد عمق المأزق المدى الذي بلغه خروج الأحداث عن نطاق السيطرة؛ حيث تم مؤخرا حرق مركز للشرطة، في بلدة تبعد نحو نصف ساعة بالسيارة من دمشق، وردت الحكومة على ذلك بقطع الكهرباء والمياه عن البلدة، وذلك وفقا لما ذكره مجموعة من الدبلوماسيون، مما دفع السكان لاستخراج الماء بالدلاء من بئر للمياه لبعض الوقت، كما أصبح البعض شديدي الخوف من قيادة سياراتهم على الطرق السريعة الرئيسية في الليل.

وقد كثرت الأخبار عن عمليات التطهير الطائفي الذي يحدث في الأحياء التي كانت مختلطة يوما ما في حمص، المدينة التي وصفها سياسي لبناني بأنها «ستالينغراد الثورة السورية»؛ حيث تحولت بعض الطرق إلى حدود خطرة للغاية بالنسبة لسيارات الأجرة التي تحاول عبورها. وقد أشار أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة، في مقابلة مع شبكة «سي بي إس»، التي تمت إذاعة مقتطفات منها أول من أمس قائلا: «إن القوات العربية يجب أن تتدخل في سوريا (لوقف أعمال القتل)»، وهو ما عكس شعور الأمير باليأس الشديد.

وقال دبلوماسي غربي موجود في دمشق، وهي المدينة التي كانت تسمى يوما ما «المنطقة الخضراء السورية» لشدة هدوئها: «ليس هناك أي أمل على الإطلاق، بل إن الأمور قد أصبحت أكثر قتامة من أي وقت مضى، وأنا لا أعرف إلامَ ستصير الأمور، ولا أستطيع أن أقول لكم ما سيحدث، ولا أعتقد أن أحدا بإمكانه أن يفعل ذلك».

وهذه اللوحة القاتمة التي يرسمها الدبلوماسيون، والأهالي، والشخصيات المعارضة، وحتى بعض مؤيدي الحكومة، تشير إلى وجود صورة أكثر تعقيدا بكثير من تلك التي يعرضها الرئيس الأسد، الذي ألقى خطابا مكونا من 15000 كلمة يوم الثلاثاء، معلنا فيه أنهم، بلا شك، سيهزمون «هذه المؤامرة». وقد ظهر بشكل علني في اليوم التالي، وهو أول ظهور له منذ اندلاع الانتفاضة في المناطق النائية المعزولة في سوريا في مارس (آذار) الماضي.

وربما كان من بين أحد الأدلة الأكثر وضوحا على تأزم الوضع في سوريا: وصول إحدى السفن الروسية، الأسبوع الماضي، إلى سوريا، قيل إنها كانت تحمل على متنها ذخيرة، يبدو أنها تشير إلى عزم الحكومة على مواصلة القتال حتى النهاية.

وقال عبد الرحمن، 30 عاما، وهو أحد الناشطين في مدينة عربين التي تقع بالقرب من العاصمة، الذي انضم إلى مسيرة احتجاجية هناك يوم الجمعة الماضي، شارك فيها نحو 1000 شخص: «يقترب السوريون، يوما بعد يوم، من قتال بعضهم البعض؛ حيث نجح بشار في تقسيم السوريين إلى مجموعتين - واحدة معه وواحدة ضده - والأيام المقبلة سوف تشهد سفك المزيد من الدماء في الشوارع».

وقد كان للدبلوماسية وللتدخل المسلح، كما في حالة ليبيا، دور حاسم في سير الأحداث في الثورات العربية الأخرى. وقد برزت سوريا باعتبارها البلد الذي يقابل المأزق الموجود به بالداخل طريقا مسدودا في الخارج.

ولا تزال سوريا تعول على دعم روسيا والصين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بينما يوجد لديها حلفاء في العالم العربي، مثل العراق والجزائر، التي قال وزير خارجيتها يوم الأربعاء إن سوريا «تبذل المزيد من الجهد في الوقت الحالي».

لكن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، حث الأسد، على وقف العنف ضد المتظاهرين، وقال إن عصر الأسر الحاكمة، وحكم الفرد الواحد، يقترب من نهايته في العالم العربي.

وعبر دبلوماسي آخر في دمشق عن رأيه الذي اتسم بالقدرية قائلا: «لم يعد هناك أي شيء أكثر من ذلك يستطيع أي شخص، على الصعيد الدولي، القيام به، كما لم يعد هناك أيضا أي شيء أكثر من ذلك تستطيع جامعة الدول العربية أن تقوم به».

وكان ينظر إلى موافقة سوريا في الشهر الماضي على السماح لـ165 مراقبا من جامعة الدول العربية بمراقبة تنفيذ الاتفاق، الذي بدا ميتا حتى بعد إعلانه، والذي تعهدت الحكومة السورية بمقتضاه بإنهاء العنف وإطلاق سراح المعتقلين وسحب قوات الجيش من المدن، على أنها آخر أداة من أدوات الدبلوماسية.

لكن في الأسبوع الماضي، استقال أحد المراقبين، الجزائري أنور مالك، معلنا عن اشمئزازه، قائلا إن البعثة لم تفلح فقط سوى في إعطاء الأسد غطاء لمواصلة حملته القمعية، كما يقول نشطاء المعارضة إن المئات لقوا حتفهم منذ وصول المراقبين.

وقال مالك، في إحدى المقابلات التي أجراها: «لقد كان بشار يبحث عن درع، وقد وجد هذه الدرع لدينا؛ حيث فشلت البعثة في تحقيق أي شيء حتى الآن»، مضيفا أن ثلاثة مراقبين آخرين، على الأقل، سوف ينسحبون هم أيضا.

وقد انتقد زعيم البعثة، الجنرال محمد أحمد الدابي، الذي كان يدير في السابق وكالة الاستخبارات العسكرية السودانية سيئة السمعة، مالك، قائلا إنه ظل قابعا في غرفته في الفندق، بدلا من القيام بعمله. لكن نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أقر بالمصير الذي ستنتهي إليه سوريا، سواء أكان بها مراقبون أم لا؛ حيث قال في مقابلة مع إحدى قنوات التلفزيون المصري: «نعم، أخشى وقوع حرب أهلية في سوريا؛ حيث إن الأحداث التي نراها ونسمع عنها الآن قد تؤدي إلى وقوع مثل هذه الحرب».

وقد عكس قوله هذا قلقا متزايدا في الكثير من العواصم، من احتمال تفاعل الأزمة السورية مع غيرها من الأزمات الأخرى التي توشك على الاندلاع في المنطقة. وقال بيتر هارلينغ، وهو محلل متخصص في الشؤون السورية لدى منظمة «مجموعة الأزمات الدولية»: «لم أر شيئا مشؤوما بهذا الشكل يتبلور في المنطقة منذ 15 عاما».

وإضافة إلى الخطابات السابقة، لم يكن خطاب الأسد الذي ألقاه يوم الثلاثاء موجها إلى المتظاهرين الذين يعملون على إسقاط نظامه الذي دام أحد عشر عاما، بل إلى مؤيديه الذين يدعمون إظهاره لثقته في ذاته ووعوده بإجراء إصلاحات منها الاستفتاء على الدستور وتشكيل حكومة وحدة وطنية، على حد قول محللين.

وقال أحد سكان دمشق، الذي يبلغ من العمر 28 عاما، رفض الكشف عن هويته: «لقد فهموا أخيرا.. هذا أول مؤشر إيجابي من جانبهم». كان الشاب قد حاول الاشتراك في المؤتمر الجماهيري يوم الأربعاء، لكنه تعطل بسبب الازدحام المروري. وأضاف: «لقد انتقلوا من وضع الدفاع إلى الهجوم». وما زال الأسد يقود حكومة موالية له إلى حد كبير، فعلى عكس ليبيا، لم تحدث حركة انشقاقات واسعة النطاق في صفوف القيادة أو حتى في السلك الدبلوماسي، إلى الحد الذي جعل تخلي رجل دين ذي مرتبة متوسطة من المؤسسة الدينية الرسمية مؤخرا حدثا جللا يستحق الإشادة ويعتبر نصرا في نظر المعارضة. ولم تتغير الحسابات بالنسبة لكثيرين عنها في بداية الثورة. وعلى الرغم من انشقاق بعض الجنود عن الجيش، لا تزال قوات الأمن، التي تهيمن عليها الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، متماسكة. ويعني ولاء هذه القوات مع دعم المسيحيين الخائفين، الذين يمثلون معا أكثر من خمس تعداد السكان، أن سقوط النظام لن يحدث في القريب العاجل أو ربما يكون غير مرجح.

ومع ذلك يتحدث المواطنون والدبلوماسيون السوريون عن تآكل سلطة الأسد باعتباره تراجعا لهيبة الدولة. وقد قللت السفارات عدد العاملين بها، ويتحدث سكان دمشق عن تنامي القلق بعد الانفجارين اللذين حدثا في منطقة محصنة من العاصمة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقالت موظفة في بنك تبلغ من العمر 29 عاما رفضت ذكر اسمها: «لا يحدث أي شيء حولنا، لكنه التوتر.. لا أعلم، إنه وصل إلى منزلنا الآن. لقد كانت الانفجارات الأخيرة قريبة منّا. إنه أمر مثير للقلق والتوتر».

في حمص المحاصرة التي يشتهر سكانها بحس الدعابة، سخر السكان من الحقيقة المرة. وانتشرت نكتة هذه الأيام تحكي عن زوج أحضر معه إلى المنزل دجاجة وطلب من زوجته طهيها في الفرن، لكن لم يكن هناك وقود. فأخبرته بعدم وجود كهرباء، فلتت الدجاجة وصاحت قائلة: «الله، سوريا، بشار وبس».

ويقر ناشطون بتزايد الفراغ في الشوارع المحاصرة؛ حيث لا يستطيع المعارضون في المنفى التواصل مع حركة الاحتجاجات داخل سوريا. وقال وسام طريف، الناشط في جمعية «أفاز» لحقوق الإنسان: «إنهم لا يدركون الموقف على الأرض، ويتحملون هم مسؤولية ذلك». وحذر وسام من تنامي وجود الأسلحة دون قيادة؛ حيث أوضح قائلا: «إن الوضع جد خطير. سوف يملأ أحدهم الفراغ في النهاية، لكننا لا نعرف من هو الذي سيقوم بذلك».

وينظر أحد سكان دمشق؛ حيث بات انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة أمرا معتادا هذه الأيام، إلى المستقبل بذهول. وقال: «كل طرف يحاول إقصاء أو الحط من شأن الآخر. يرفض كل طرف الاعتراف بالآخر. عندما تتحدث معهما، سيقنعك كل طرف أن الله يقف إلى جانبه».

(شاركت هويدا سعد في إعداد هذا التقرير من بيروت وشارك نيل ماك فاركوهار من الأمم المتحدة)

* خدمة «نيويورك تايمز»