نوشيروان مصطفى لـ «الشرق الأوسط»: تنامي سلطة المالكي سببه غياب السلطة الحقيقية للبرلمان

القيادي الكردي المعارض: أولوية حركتنا تغيير النظام السياسي لا الأوجه

نشيروان مصطفى («الشرق الأوسط»)
TT

يرى السياسي الكردي نوشيروان مصطفى، رئيس حركة التغيير الكردية المعارضة، أن التوسط الكردي لا يجدي نفعا لحل الأزمة السياسية في العراق، ويقول: «إن هذه الأزمة ليست وليدة التطورات الأخيرة، ولا هي أزمة ثقة بين المكونين الشيعي والسني فقط، بل هي أزمة ثقة بين جميع المكونات دون استثناء المكون الكردي». وأضاف في حواره مع «الشرق الأوسط»، أمس في السليمانية، أنه إذا كان البعض يعتبر الطرف الكردي بمثابة وسيط أو كما يشاع (بيضة قبان) لخلق التوازن بين العرب السنة والشيعة، فإن آخرين لهم رأي مغاير.

وفيما يلي نص الحوار:

* يمرّ العراق اليوم بأزمة سياسية حادة تتخوف القيادات الكردية من انتقال شظاياها إلى كردستان، لذلك فهي مهمومة بالتوسط لحلها قبل أن تؤدي إلى تفجر نزاع طائفي يدمر البلد؛ أين أنتم كحركة التغيير من هذه الأزمة؟ - تراقب حركة التغيير مستجدات الوضع في العراق عن كثب، ولنا رؤيتنا الخاصة التي قد تتبلور ضمن مشروع سياسي للمعارضة الكردستانية. نعم، هناك أزمة سياسية في العراق، لكنها ليست وليدة التطورات الأخيرة فحسب، وهي ليست أزمة ثقة بين المكونين الشيعي والسني فقط، بل هي أزمة ثقة بين جميع المكونات دون أن أستثني المكون الكردي. أعتقد أن التوسط الكردي لا يجدي نفعا ما لم يندرج حل مشكلة إقليم كردستان مع الدولة الاتحادية في صلب الحلول المطروحة لمعالجة المشكلة العراقية ككل، فالشعب الكردي له قضيته في العراق وهو جزء من المشكلة بقدر ما هو جزء من الحل، وإذا كان البعض يعتبر الطرف الكردي بمثابة وسيط أو كما يشاع «بيضة قبان» لخلق التوازن بين المكونين السني والشيعي، فإن آخرين لهم رأي مغاير، بل هناك من يتبنى موقفا سلبيا ويعتبر الكرد جسما طفيليا يقتات على الأزمة بين المكونين، نحن في حركة التغيير نرى في كلتا النظرتين إجحافا بحق الشعب الكردستاني وقضيته، فمشكلة الطرف الكردي في العراق لم تنته بعد حتى ينتفي دوره كطرف في النزاع، وفي المقابل، قضية الشعب الكردي عادلة بما لا يمكن إسباغ صفات عنصرية عليها. جانب من الأزمة، في اعتقادي، يتعلق بالتعامل الانتقائي مع العقد الدستوري، فالكل في العراق ينتقي من الدستور ما هو في صالحه ويهمل الالتزامات الدستورية التي تترتب عليه، وجانب آخر من الأزمة يتعلق بغياب الثقافة الديمقراطية بين الفرقاء، فلا أحد يرضى بدور خارج السلطة، ولا تقبل أي قوة سياسية التحول إلى معارضة سياسية، في حين أن الديمقراطية العملية لا تقوم إلا إذا كانت مبنية على دعامتي السلطة والمعارضة.

* هل تعتقدون أن هذه الأزمة سيكون لها تداعياتها على الوضع الكردي بإقليم كردستان؟

- لا أتصور انعكاسا مباشرا لها على الإقليم، فربما يكون هناك انعكاس سلبي على مكانة بعض القيادات في الإقليم ممن حاولوا إظهار أنفسهم أمام الرأي العام وكأنهم صمام أمان جميع العراقيين، ولكن تبين أن مكانتهم لم تكن بالشكل الذي كانوا يتصورونه أو يصورونه للآخرين. وفيما يتعلق بمشكلة الإقليم، كمشكلة شعب وكقضية شعب له حقوقه المشروعة، فهي مشكلة مستمرة وموجودة قبل الأزمة الأخيرة، وستبقى مستمرة إلى حين التطبيق الكامل لمواد الدستور المتعلقة بإقليم كردستان.

* تغيرت لهجة القيادة الكردية في الفترة الأخيرة، حيث كانت في السابق تقول إن الأكراد ليسوا جزءا من مشكلات العراق، ولكن اليوم يعتبرون العلاقة مع القوى السياسية الأخرى والمشكلات العالقة بين أربيل وبغداد جزءا من المشكلة، ويسعون إلى استغلال المؤتمر الوطني المقبل لطرح تلك المشكلات ضمن صفقة سياسية، فهل أنتم مع هذا الطرح؟

- لا أعتقد أن أحدا قال إن المشكلة الكردية ليست جزءا من مشكلات العراق، ربما هناك من يقول إن المشكلة بين الشيعة والسنة لا تهم الشعب الكردي بقدر ما تهمه مشكلاته الخاصة. ولكن نحن في حركة التغيير لا نرى ذلك، نحن نعتقد أن مشكلات العراق مترابطة بعضها ببعض، وحتى المشكلات الداخلية للإقليم لا تنفصم عن مشكلات العراق ككل، فلنا مشكلات عالقة مع المكونين السني والشيعي، ولنا خلافات مع الحزبين الحاكمين في الإقليم بشأن التعاطي مع المشكلات الداخلية والمشكلات مع الحكومة الاتحادية.

* هناك اتهامات لرئيس الوزراء العراقي بانتهاج سلوك ديكتاتوري في حكم العراق، هل تؤيدون هذا الموقف؟ وهل تشعرون بأن المالكي يقود العراق بشكل ديكتاتوري، خاصة أن لكم ممثلين في البرلمان العراقي، وهو المسؤول عن مراقبة أداء الحكومة؟

- مشكلة الديكتاتورية ليست مشكلة طائفية حتى نقول هناك طائفة ديكتاتورية وهناك طائفة ديمقراطية، السلطة مفسدة بطبيعتها وتتحول إلى مفسدة مطلقة وديكتاتوريات داخل كل الطوائف والقوميات ما لم تُلجم من قبل سلطات موازية. باعتقادي أن تنامي سلطة رئيس الوزراء يعود إلى غياب السلطة الحقيقية لمجلس النواب العراقي، وسبب غياب هذه السلطة يعود إلى أن كل الجهات السياسية، الممثلة في مجلس النواب، تشارك في السلطة التنفيذية، ولها وزراء في الحكومة، ولا تقبل أن تتحول إلى المعارضة في العملية السياسية، وعندما تخلو البرلمانات من المعارضة السياسية، تنتفي سلطتها الرقابية الحقيقية، وتتحول إلى ظلال للسلطة التنفيذية وتؤثر سلبا حتى على استقلالية السلطة القضائية، لأن البرلمان هو الجهة التي تشرف على تنفيذ القوانين وتُلزم الحكومة بتطبيقها، فإذا عجز البرلمان عن أداء هذه المهمة، يعجز القضاء أيضا عن إلزام السلطة التنفيذية بتنفيذ قراراتها. في غياب السلطة الحقيقية للقضاء والبرلمان من الطبيعي أن تتنامى هيمنة السلطة التنفيذية، وتتنامى أيضا سلطة رئيس الوزراء داخل السلطة التنفيذية، لأن مجلس الوزراء ليس له سلطة المراقبة على نفسه أو على رئيس الوزراء، ولا يمكن للإنسان أن يكون مراقِبا (بكسر القاف) ومراقَبا (بفتح القاف) في الوقت نفسه. وفيما يتعلق بممثلي كتلة التغيير البرلمانية، فهي الكتلة المعارضة الوحيدة في مجلس النواب العراقي، ولا يمكنها، بمقاعدها الثمانية، من أصل ثلاثمائة وخمسة وعشرين مقعدا، من تغيير هذه المعادلة السياسية المستعصية دون اتساع رقعة المعارضة بصورة تشمل جميع المكونات العراقية.

* تتهمون أحزاب السلطة بعدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه عدد من القرارات التي صدرت عن رئيس الإقليم لاحتواء الأزمة بين المعارضة وأحزاب السلطة، وأعلنتم قبل فترة تعليق المفاوضات الخماسية، هل تعتقدون أن هذا التعليق كاف لإرغام السلطة على الاستجابة لمطالبكم ومشروعكم الإصلاحي؟

- نحن لا نرغمهم على ذلك، لأننا لا نملك وسائل الإرغام، بل ندعوهم إلى تهيئة الأرضية باتجاه حلحلة الوضع السياسي المتأزم في إقليم كردستان، فهناك مشروع للمعارضة الكردستانية يتكون من ست رزم وقرارات للبرلمان وقرارات من رئاسة الإقليم تقضي باعتقال المتهمين بقتل المتظاهرين وتسليمهم إلى القضاء، ومن دون اتخاذ خطوات بهذا الاتجاه لا تكون المفاوضات مثمرة ولا تنتهي بنتائج تعيد الأمل إلى المواطن. المواطن في إقليم كردستان يئس من الاجتماعات المطولة غير المجدية، المفاوضات الحقيقية بحاجة إلى إرادة حقيقية، وبحاجة إلى علاقة متكافئة بين المفاوضين، من جانبنا لم نستشعر هذه الإرادة حتى الآن ولم نتلمس خطوات جادة باتجاه رفع التعسف عن المعارضة السياسية حتى يكون الحوار متكافئا بين المتحاورين.

* مع اقتراب تداول السلطة بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني أعلنتم موقفا رافضا لأي مشاركة بالحكومة المقبلة التي يتوقع أن يترأسها نيجيرفان بارزاني، ألا تعتقدون أن غيابكم هذه المرة أيضا عن المشاركة بالحكومة سيضر بمشروعكم الإصلاحي؟

- ما زالت أولوية حركة التغيير هي تغيير النظام السياسي لا التغيير في الأوجه أو في أعضاء تشكيلة الحكومة فقط، لقد أكدنا أكثر من مرة أننا لا نكترث بمن يحكم الإقليم بقدر ما يهمنا كيف يُحكم إقليمنا. الحكومة في الإقليم ما هي إلا جزء من السلطة التنفيذية إلى جانب رئاسة الإقليم، والسلطة التنفيذية في مجملها ما هي إلا جزء من السلطات الثلاث إلى جانب السلطتين التشريعية والقضائية، وهذا يعني أننا حتى لو شاركنا في الحكومة فستكون مشاركتنا صورية دون إصلاح حقيقي في السلطات الأخرى، ودون تغيير حقيقي لقواعد الصراع السياسي بحيث تتكافأ فرص المنافسة بين الأحزاب في ظل عقد دستوري بين السلطة والشعب من جهة، وبين المتنافسين على السلطة من جهة أخرى. ولذلك أعددنا مشروعنا كمعارضة كردستانية في «رزم الإصلاح السياسي»، سميناه بـ«رزم» بمعنى أنه مترابط بعضه ببعض ولا يمكن تطبيق جزء منها بمعزل عن الأجزاء الأخرى، هذه هي رؤيتنا للإصلاح، ولكننا مع ذلك ندعم أي خطوة يخطوها الحزبان الحاكمان باتجاه الإصلاح، وبإمكان التشكيلة المقبلة للحكومة صياغة برنامجها بالاستناد إلى رزم المعارضة، حينئذ ندعمها ونراقب تنفيذها وسيكون دعمنا للحكومة منوطا بمدى تطبيقها لتلك الرزم.