أوروبا تتحدث بلغة تهديد غير مسبوقة مع المجر

أمهلتها حتى الثلاثاء لتعديل قوانين مثيرة للجدل أو مواجهة القضاء وقطع المساعدات

فيكتور أوربان
TT

في تحرك لمواجهة ما وصف بأنه عدول عن الديمقراطية في المجر، وجه الاتحاد الأوروبي آخر تحذير لهذا البلد العضو فيه، باتخاذ إجراء قانوني ضده يوم الثلاثاء المقبل ما لم يتراجع عن الخطوات التي تهدد توازن القوى في البلاد. وجاء هذا التحذير غير المسبوق من قبل المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، ردا على تمرير دستور جديد وعدد من القوانين في نهاية العام الماضي تلغي الرقابة على رئيس الوزراء فيكتور أوروبان في قطاعات مثل البنك المركزي والقضاء والإعلام. وإضافة إلى ذلك، حذر أولي رين، المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية، المجر من احتمال تعليق مساعدات الاتحاد الأوروبي في مجال التنمية إذا لم تتخذ مزيدا من الإجراءات الرامية إلى السيطرة على عجز الميزانية.

وقال تروبيون ياغلاند، الأمين العام لمجلس أوروبا، في محادثة هاتفية: «هناك خطر حقيقي يهدد المجر بسبب انحرافها عن جادة الصواب». ويتولى المجلس الذي يتخذ ستراسبورغ بفرنسا مقرا له مسؤولية تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ويأتي التصعيد السياسي مع المجر في وقت غير مناسب بالنسبة لأوروبا وكذلك لحكومة أوروبان، حيث تحاول دول منطقة اليورو جاهدة النجاة من أزمة الديون الأوروبية، في الوقت الذي تعاني فيه من تباطؤ في الاقتصاد.

ومع ذلك، لا تحتمل المجر عزلة من شركائها في الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تشرف فيه على فترة ركود اقتصادي وتتفاوض فيه على المساعدات المالية من صندوق النقد الدولي وتسعى لمساعدة الاتحاد الأوروبي لها في عدم التخلف عن سداد ديونها. وقال زولتان أروكزالسي، المحلل الاقتصادي في مصرف «است بنك هانغاري» في بودابست: «إن هذا يزيد الضغوط على المجر». وأضاف أروكزالسي أن حكومة أوروبان، التي تبنت نبرة تصالحية خلال الأيام الأخيرة، لن يكون أمامها خيار سوى تقديم تنازلات. وتابع قائلا: «من المرجح أن تتخذ الحكومة خطوات كافية. لا يوجد بديل آخر من وجهة النظر المالية».

وأكدت حكومة المجر في بيان التزامها بالقيم الأوروبية العالمية واستعدادها للتفاوض مع المفوضية الأوروبية من أجل التوصل إلى حلول بشأن أي أمور تعد مثار قلق بالنسبة إليها، بحسب ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس». وصرحت المفوضية الأوروبية بأنها قلقة بشأن عدم توافق هذه القوانين الجديدة مع قوانين الاتحاد الأوروبي وأنها تحتفظ بحقها في اتخاذ أي خطوات تراها مناسبة وبالتحديد إمكانية اتخاذ إجراءات خاصة بانتهاك حقوق الآخرين، وهو ما يعني اتخاذ إجراء قانوني. وقالت المفوضية إنها خططت لعمل تحليل قانوني كامل عن القوانين المجرية في غضون الأيام المقبلة وتحديد يوم الثلاثاء ما إذا كانت ستشرع في اتخاذ الإجراءات القانونية التي قد تؤدي في النهاية إلى دعوى قضائية.

ويتهم المنتقدون الأجانب والمحتجون في المجر أوروبان باتباع سياسة الشمولية الزاحفة باستخدام الأغلبية الساحقة في البرلمان من أجل إجراء تغييرات كبيرة وتقييد حرية الصحافة والقضاء. ومن أكثر الأمور المثيرة للقلق بالنسبة لبروكسل تهديد استقلال المصرف المركزي المجري والقوانين التي تجبر المواطنين على التقاعد المبكر مما يسمح للحكومة بإجبار القضاة وممثلي الادعاء العام على التقاعد وتعيين من ترشحه لشغل هذه المناصب. وقد عبرت بروكسل عن قلقها البالغ إزاء استقلال هيئة حماية البيانات القومية.

وتمكنت المجر، صاحبة التاريخ الطويل في عجز الميزانية الكبير، من الحفاظ على عجز الميزانية عند مستوى الـ3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي تماشيا مع قوانين الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك صرحت المفوضية الأوروبية بأن تلك النتيجة تحققت بفعل عوامل لا تتكرر، وأنه كانت هناك مشكلة في الحفاظ على مستوى عجز الميزانية العام الماضي، مشيرة إلى احتمال زيادة عجز الميزانية في المستقبل.

ولم تتخذ المجر أي «إجراء فعّال» للسيطرة على عجز الميزانية على حد قول المفوضية. ويأمل المسؤولون الأوروبيون أن يساعد احتمال خسارة المجر للمساعدات المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والتي هي في أمسّ الحاجة إليها لإنقاذ الاقتصاد في تراجع أوروبان وحكومته عن تلك الخطوات على الأقل تلك الخاصة بالمصرف المركزي.

لكن مع ذلك، استمرت حالة المراوحة والجمود، مما استدعى إصدار التحذير يوم الأربعاء الماضي، مهددا المجر باتخاذ إجراء قانوني في محاولة لتفادي ما يخشاه المنتقدون من العودة التدريجية إلى الدولة البوليسية المستبدة التي كانت سائدة خلال الحقبة الشيوعية منذ ما يزيد على عقدين.

وجاء في التحذير: «ترى المفوضية أن المناخ المستقر قانونيا والقائم على مبدأ سيادة القانون واحترام حرية الإعلام والقيم الديمقراطية والحقوق الأساسية هو أفضل ضمان للمواطنين وثقة الشركاء والمستثمرين. إن هذا ضروري خاصة في وقت الأزمات الاقتصادية. ويعود اختيار أسرع الطرق لتبديد المخاوف التي ذكرت آنفا للسلطات المجرية ذاتها».

ويمكن أن تستغرق إقامة دعوى قضائية عدة أشهر. وأشارت فيفيان ريدينغ، المفوضة الأوروبية لشؤون العدل، يوم الأربعاء إلى أن أوروبان يسيء استخدام الأغلبية البرلمانية في إعادة صياغة الدستور المجري لصالح حزب «فيدسيز» لا لصالح البلاد. وقالت فيفيان: «إن المنصب يأتي ومعه مسؤولية خاصة». وأوضحت أن على الحكومة المجرية الاستفادة من أغلبية الثلثين في البرلمان بطريقة مسؤولة تتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي.

وأرسل ياغلاند رسالة يوم الأربعاء الماضي إلى يانوس مارتوني، وزير الخارجية المجري، يدعوه فيها إلى التعاون في فحص بعض القوانين الخاصة بحرية الإعلام والعقيدة لمعرفة ما إذا كانت تتوافق مع اتفاقية الاتحاد الأوروبي أم لا والعمل على تعديلها إذا استدعى الأمر. وقال ياغلاند إن المجلس هو أفضل من ينظر في هذه القوانين، حيث ليس في مقدور الاتحاد الأوروبي القيام بالكثير من أجل فرض تغييرات من هذا النوع. وأوضح أنه في حال عدم تعديل المجر لتلك القوانين بحيث تتوافق مع قوانين مجلس أوروبا، فإنه يحق للمواطنين الذين تعرضوا للظلم رفع دعاوى قضائية ضد المجر أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ. وقال ياغلاند: «نشعر بالقلق تجاه عناصر أساسية من عناصر أي مجتمع ديمقراطي».

وأمام التحذير الأوروبي، دعا اليمين المتشدد في المجر، إلى تنظيم استفتاء عام في البلاد حول موضوع خروج المجر من الاتحاد الأوروبي. وقال جابور فونتا زعيم حزب جوبيك اليميني المتشدد وعضو البرلمان: «لا بد أن تخرج المجر من التكتل الأوروبي الموحد». وجاءت تصريحات فونتا أمام الآلاف من أنصار حزبه خلال اجتماع موسع تم في ختامه حرق علم الاتحاد الأوروبي. ونقلت وسائل إعلام أوروبية في لاهاي عن فونتا قوله: «على الرغم من أنه لا يؤيد التعديلات الدستورية الأخيرة، فإنه يرفض الضغوطات التي تمارس من الاتحاد الأوروبي ووصفها بأنها بمثابة إعلان حرب على المجر».

* خدمة «نيويورك تايمز»