انفجار سيارة مفخخة في بلدة «برطيلا».. وخط التفجيرات يشمل كل مناطق العراق

المتحدث باسم الدفاع لـ «الشرق الأوسط»: «القاعدة» تعمل الآن بأقصى ما لديها

أفراد من الشرطة العراقية ومواطنون يعاينون موقع تفجير سيارة مفخخة في بلدة بارطيلا بمحافظة نينوى أمس (أ.ف.ب)
TT

من البصرة جنوبا إلى الأنبار غربا، ومن الحلة حتى الموصل شمالا، تلك هي المساحة الشاسعة التي تتحرك فيها الجماعات المسلحة، وفي المقدمة منها، طبقا لتوصيف الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية العليا، تنظيمات «القاعدة»، والهدف في كل الأحوال هو إلحاق المزيد من الخسائر في الأرواح والمعدات، فضلا عن محاولة إيصال رسالة بإمكانية زعزعة الأوضاع الأمنية بعد الانسحاب الأميركي من العراق. وبينما وعدت قيادة عمليات بغداد بأن يكون العام الحالي (2012) عام رفع الحواجز الكونكريتية عن العاصمة بغداد، فإن ما يتناقض مع ذلك الإكثار من نقاط السيطرة في مختلف الشوارع والساحات، وهو ما بات يجعل الحركة في بغداد شبه مشلولة. وكان الناطق باسم قيادة عمليات بغداد، قاسم عطا، قد نفى، في مؤتمر صحافي، أمس، وجود طرق مغلقة في بغداد، قائلا إنه «لا يوجد أي طريق مغلق في العاصمة بغداد حاليا على الرغم من وجود بعض الحواجز الكونكريتية التي ستُزال قريبا». كان الوضع الأمني قد سجل، بدءا من مستهل الأسبوع الماضي وحتى أمس، تراجعا لافتا في أكثر من محافظة في العراق، وبالذات في بغداد وذي قار وكربلاء والبصرة والأنبار، وصولا (أمس) إلى بابل ونينوى، في وقت تم فيه الإعلان في البصرة عن قرب وصول لجنة تحقيقية رفيعة المستوى من بغداد للوقوف على الملابسات التي أحاطت بتفجير الزبير مؤخرا الذي أدى إلى وقوع أكثر من 190 شخصا بين قتيل وجريح.

من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع، الفريق الركن محمد العسكري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التفجيرات التي حصلت خلال الأسابيع الماضية في الكثير من المدن والمحافظات والتي تزامنت مع الانسحاب الأميركي من العراق كلها تمت بتدبير من تنظيم القاعدة الإرهابي الذي أراد أن يبعث رسالة مزدوجة مؤداها أن الأوضاع الأمنية في العراق بدأت تتدهور بعد الانسحاب الأميركي من العراق وأنه (الرسالة الثانية) موجود ولديه القدرة على الفعل».

وردا على سؤال بشأن الأسباب التي تدعو «القاعدة»، التي تعلن باستمرار محاربتها للقوات الأميركية، إلى الإعلان أن الانسحاب الأميركي سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع وكأنها دعوة مبطنة لبقائهم، قال العسكري: «إن المسألة هنا في غاية الوضوح، وهي أن (القاعدة) كانت طوال الفترة الماضية تقتل العراقيين وتعمل على تفجير مؤسسات الدولة بذريعة وجود الاحتلال وبالتالي فإن مغادرة الأميركيين أسقط عن (القاعدة) مثل هذه الذريعة الذهبية». وأضاف العسكري: «وأود أن أشير هنا إلى مسألة أساسية، هي أن مستوى التعاون الآن بين المواطنين والأجهزة الأمنية بات في أفضل حالاته عن الفترة السابقة التي كانت فيها القوات الأجنبية موجودة في البلاد؛ لأن المواطنين باتوا يشعرون أن الجماعات المسلحة التي كانت تمارس عمليات القتل بذريعة محاربة القوات الأميركية فقدت هذه الذريعة»، مشيرا إلى أن «هناك الكثير من المعلومات الأمنية المهمة جدا، سواء على مستوى إلقاء قبض على إرهابيين أو الكشف عن أكداس مهمة من الأسلحة أو معلومات في غاية الأهمية بدأت تصل إلى الأجهزة المختصة من قبل المواطنين». وأوضح أن «(القاعدة) الآن تعمل بأقصى ما لديها من أسلحة وإمكانات، وهي في تنازل مستمر لأننا تمكنّا من كشف كل خيوط عملها وحواضنها وميادين تحركها ولم يعد أمامها سوى الضرب في أي مكان وبأهداف سهلة مثل تجمعات المواطنين، لا سيما مع استغلال موسم الزيارات والمناسبات».

وفي الموصل انفجرت سيارة مفخخة صباح يوم أمس داخل مجمع سكني تابع لناحية برطلة ذات الأغلبية المسيحية بمحافظة نينوى شمال العراق، أسفر عن وقوع 5 قتلى و10 جرحى جميعهم من طائفة الشبك، في وقت حذر فيه مصدر مسيحي في مجلس إدارة المحافظة من تداعيات الأزمة السياسية التي يشهدها العراق حاليا على الوضع الأمني الهش في مناطق محافظة الموصل إثر انسحاب القوات الأميركية.

ففي اتصال مع سعد طانيوس ممثل قائمة عشتار المسيحية بمجلس محافظة الموصل والذي يسكن ناحية برطلة المسيحية أشار لـ«الشرق الأوسط» أن التفجير الانتحاري يوم أمس استهدف مجمع (الغدير) الذي تسكنه غالبية من طائفة الشبك، وهو مجمع أنشئ حديثا للإخوة الشبك بناحية برطلة، فقتل على أثرها 5 أشخاص وأصيب 10 آخرون بجروح مختلفة، وتعد هذه الهجمة الأولى بعد عدة أشهر من الهدوء النسبي الذي شهدته المناطق المسيحية عموما، ومنطقة برطلة على وجه التحديد، وأشار إلى هجمة سابقة أخرى قبل عدة أيام استهدفت موكبا للشبك انطلقت أثناء احتفالهم بشعائر أربعينية الحسين، ولكنها لم توقع خسائر كبيرة. ورغم أن طانيوس لم يحدد الجهات التي تقف وراء مثل هذه الهجمات، لكنه أشار إلى «أن الهجمتين تزامنتا مع بدء احتفال أبناء الطائفة وأغلبيتهم من الشيعة بشعائر الأربعينية الحسينية».

وحول الوضع الأمني في المنطقة التي تسكنها غالبية مسيحية قال عضو مجلس إدارة المحافظة «الأوضاع ألأمنية رغم أنها هادئة منذ فترة، فهناك مخاوف شديدة من انعكاس تداعيات الأزمة السياسية الحالية في بغداد على مختلف مناطق العراق، ومنطقتنا بالأساس هي منطقة ضعيفة من الناحية الأمنية، بدليل الكثير من الهجمات الإرهابية التي استهدفت المسيحيين وغيرهم من أبناء الأقليات الدينية الأخرى من اليزيديين والشبك الذين يجاوروننا، عليه فإن المخاوف تزداد كلما تعسرت الحلول للأزمة السياسية في بغداد، والتفجيرات الأخيرة تثير قلقا بالغا لدى السكان المسيحيين في المنطقة من عودة العنف والعمليات الإرهابية والتي أدت في السنوات السابقة إلى نزوح المئات من العوائل إلى كردستان، فمع كل أزمة سياسية تحصل في بغداد شاهدنا الإرهابيين استغلوها لاختراق بعض المناطق لتوجيه ضرباتهم». وأشار المسؤول المحلي المسيحي إلى «أن هناك اليوم مفارز وحراسات أمنية من أبناء المنطقة لحماية الوضع الأمني بالمناطق ذات الأغلبية المسيحية، إلى جانب تواجد قوات الجيش العراقي وانتشارها في عدد من المناطق المسيحية، كما هناك قوات من البيشمركة الكردية منتشرة أيضا في المناطق ذات الأغلبية الكردية وبعض مداخل ومخارج ناحية برطلة المسيحية».