الحكومة العراقية تعتقل المئات من منتسبي الشركات الأمنية الخاصة لاستعراض العضلات

نجل المالكي أخرج الشركات الأجنبية من المنطقة الخضراء

TT

اعتقلت السلطات العراقية المئات من أفراد الشركات الأمنية الخاصة خلال الأسابيع القليلة الماضية على حد قول مسؤولين في هذا المجال ومن ضمنهم أميركيون يعملون لدى السفارة الأميركية. ويمثل هذا الإجراء خطوة تشير إلى تأكيد الحكومة العراقية على سيادتها بعد انسحاب القوات الأميركية الشهر الماضي. وتمت الاعتقالات بشكل كبير في مطار بغداد وفي نقاط التفتيش على أطراف العاصمة بعد إثارة السلطات العراقية أسئلة بشأن وثائق الشركات الأمنية ومن ضمنها التأشيرات وتصريحات الأسلحة وتراخيص المرور على بعض الطرق، رغم عدم توجيه اتهامات رسمية لهم، وتراوحت فترة الاعتقال بين بضع ساعات و3 أسابيع.

وتأتي هذه الحملة الأمنية ضمن إجراءات أخرى اتخذتها الحكومة العراقية لاستعادة المهام التي كان يتولاها الجيش الأميركي وكذلك المناطق التي كان يسيطر عليها. فخلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت انسحاب القوات الأميركية، بدأ نجل رئيس الوزراء العراقي، أحمد المالكي وهو مدير المكتب الخاص لوالده، إجلاء الشركات الغربية وشركات الأمن الخاصة من المنطقة الخضراء التي كانت مركز عمليات الجيش الأميركي خلال أغلب سنوات الحرب. وبمجرد انسحاب القوات الأميركية من العراق في ديسمبر (كانون الأول)، توقف العراقيون عن إصدار أو تجديد أي تراخيص سلاح أو أي تصاريح أخرى. وأدت هذه القيود إلى سلسلة من الأحداث التي تم خلالها اعتقال أفراد الشركات الأمنية الخاصة بسبب انتهاء صلاحية أوراقهم التي رفضت الحكومة تجديدها.

وفرضت السلطات العراقية المزيد من القيود على التأشيرات ففي بعض الحالات الأخيرة، منحت الشركات الأمنية الخاصة مهلة 10 أيام لمغادرة العراق وإلا سيتم إلقاء القبض على منتسبيهم وهو ما وصفه بعض المسؤولين في هذا المجال بالتحرش المتعمد المنهجي. وقال لطيف رشيد، مستشار الرئيس العراقي جلال طالباني وزير الموارد المائية السابق، في مقابلة إن عدم ثقة المواطن العراقي في الشركات الأمنية الخاصة دفع الحكومة إلى مراقبتهم بصرامة. وأوضح قائلا «علينا أن نطبق القوانين الجديدة».

واحتجزت السلطات العراقية الشهر الحالي عددا كبيرا من أفراد الشركات الأمنية الخاصة في مطار بغداد الدولي لنحو أسبوع حتى يتم حل مشكلة تأشيراتهم. وقال مسؤولون في هذا المجال إنه تم اعتقال أكثر من 100 أجنبي وأقر مسؤولون أميركيون بهذا، لكن دون تحديد عددهم.

وتمثل الشركات الأمنية الخاصة عنصرا هاما في التنمية الاقتصادية والأمن في العراق بعد انتهاء الحرب على حد قول مسؤولين أميركيين، لكنهم يظلون رمزا قويا للقوة والهيمنة الأميركية، حيث يتهمهم بعض العراقيين التصرف بقسوة في البلاد. وتكرست النظرة إلى أفراد الشركات الأمنية الخاصة باعتبارهم مرتزقة لا يخضعون للقانون بعد تورط بعضهم في سلسلة من أعمال العنف منها إطلاق النار الذي حدث عام 2007 في ساحة النسور بجانب الكرخ في بغداد عندما قتل أفراد الأمن في شركة «بلاك ووتر» 17 مدنيا عراقيا.

ويعتمد قطاع النفط، الذي يمثل وحده أكثر من 90% من ميزانية الحكومة، بشكل كبير على عشرات الآلاف من العاملين الأجانب، كما تتعاقد السفارة الأميركية مع 5 آلاف فرد من الشركات الأمنية الخاصة لحماية 11 ألف موظف يعملون لديها ولتدريب الجيش العراقي على قيادة الدبابات والمروحيات وأنظمة الأسلحة التي باعتها الولايات المتحدة للعراق. وكانت الولايات المتحدة تتولى مهمة إصدار أكثر تصريحات الشركات الأمنية في العراق، لكن بعد انسحاب القوات الأميركية، بات على تلك الشركات التعامل مع البيروقراطية العراقية في وقت تواجه فيه الحكومة أزمة سياسية حيث يحشد فيه رئيس الوزراء نوري المالكي الدبابات في المنطقة الخضراء خوفا من حدوث انقلاب ضده.

وأدى تأجيل منح الشركات التراخيص والتصريحات اللازمة إلى تعطيل الحركة اليومية للإمدادات وحركة الأفراد في مختلف أنحاء العراق مما دفع عدد كبير من الشركات العاملة في العراق إلى الاحتجاج والتساؤل عن الطريقة التي تعتزم حكومة المالكي التعامل بها مع العاملين الأجانب وعن كيفية قيام الشركات الأجنبية باستثمارات في العراق. وذكرت الجمعية الدولية لعمليات الاستقرار (جمعية السلام الدولي سابقا) ومقرها واشنطن والتي تمثل أكثر من 50 شركة ومنظمات للمساعدات تعمل في مناطق الصراع والكوارث في خطاب إلى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أول من أمس «في الوقت الذي غالبا ما تتمتع فيه المنظمات الخاصة بالقدرة على حل الخلافات والمشاكل البسيطة، يخرج هذا الأمر عن نطاق سيطرتنا».

وقال دوغ بروكس، رئيس الجمعية، في مقابلة تمت عن طريق الهاتف إن عدد المدنيين الذي يعملون في الشركات الأمنية وتم اعتقالهم يقدر بالمئات. وأضاف في رسالة بالبريد الإلكتروني «لقد تأثر الجميع، لكن السبب الرئيسي لما يحدث هو الصراع السياسي الداخلي لإظهار شعور عدواني تجاه الولايات المتحدة». وكانت هناك مفاوضات الصيف الماضي بين مسؤولين أميركيين وعراقيين حول إبقاء القوات الأميركية في العراق حتى عام 2012. لكن رفض العراقيون منح القوات الأميركية حصانة تجعلهم لا يخضعون للقانون العراقي بسبب ما وقع من أحداث عنف مثل حادثة ساحة النسور.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»