تجار المخدرات يهددون رئاسة المكسيك

انتخابات هذا العام معرضة لتدخل العصابات المنظمة

حاكم مدينة مكسيكو السابق إنريك بينانيتو مع زوجته يحيي مؤيديه خلال لقاء جماهيري ضمن حملته الانتخابية للرئاسة المكسيكية (رويترز)
TT

مع اقتراب موعد الانتخابات المكسيكية الرئاسية وجولات انتخابية رئيسية أخرى في البلاد، تخشى الحكومة المكسيكية ولجان المراقبة من استغلال زعماء العصابات والجريمة المنظمة بدعم مرشحين يعملون لصالح عصابات المخدرات. ولا يمكن القيام بالكثير، بحسب ممثلي الإدعاء العام في المكسيك، لإبعاد العصابات وأموال المخدرات عن انتخابات الأول من يوليو (تموز) المقبل. ويشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من أن تأتي الحملات الملوثة بقادة جدد إلى المجالس المحلية والحكومة الاتحادية المكسيكية مما ينذر بتوقف المواجهة المستمرة ضد عصابات المخدرات القوية في المكسيك.

ويقول محللون سياسيون إن زعماء عصابات المخدرات بمقدورهم إفساد السباق الرئاسي حتى دون التدخل مباشرة في تلك الحملات وإن محاولاتهم لدعم مرشحي المجالس المحلية أو منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم قد تفسد العملية على جميع المستويات. ويبدو أن هذه التهديدات تضع الديمقراطية المكسيكية في خطر، حيث تبذل الدولة كل جهدها للتخلص من الفساد الذي يعود إلى عقود وحكم الحزب الواحد، في حين تسعى قوى ظلام جديدة إلى الوصول للسلطة.

ويتم التنافس على خمسة مقاعد لرئاسة مجالس محافظات ومئات المقاعد في البرلمان ونحو ألف مقعد في المجالس المحلية، لكن يظل المقعد الأهم هو مقعد الرئاسة الذي ظل تحت سيطرة الحزب المؤسسي الثوري لأكثر عقود القرن العشرين ويبدو أنه على وشك استعادته مرة أخرى. ورغم القلق والمخاوف من تمويل عصابات المخدرات لبعض المرشحين وإرهاب أو اغتيال آخرين، يتم مناقشة حزمة من القوانين الجديدة تستهدف منع الجرائم المتعلقة بالانتخابات في البرلمان منذ إبريل (نيسان) الماضي. وقال خوان لويس فرغاس، ممثل الادعاء الرئيسي في المكسيك لجرائم الانتخابات، في مقابلة إن ذلك لن يتم قبل الانتخابات المقبلة بوقت كافٍ لحمايتها. وأضاف فرغاس: «شهية تلك العصابات ليس لها حدود» مشيرا إلى أن العصابات تعمل بـ«منطق اقتصادي» مثل أي مؤسسة تجارية تسعى للنفوذ. وأوضح قائلا: «إنهم يريدون ضمانات محددة من السلطات وهي حماية احتكاراتهم وعدم السماح بعمل منافسيهم في المناطق التي يحددونها». وتواجه انتخابات المكسيك المزمع إجرائها العالم الحالي أخطارا أخرى أكبر من الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت عام 2006 على حد قول فرغاس، نظرا لتطوير عصابات المافيا في البلاد أساليبها الفاسدة، حيث بدأت تتجه إلى تمويل الحملات الانتخابية بدلا من شراء ذمم وضمائر المسؤولين بعد توليهم السلطة. وأوضح: «لماذا يدفعون الرشى للسلطات إن كان باستطاعتهم امتلاكهم منذ البداية؟»، في دلالة على مخاطر اختراق الحملات الانتخابية المقبلة ويُنظر إلى الانتخابات، التي أجريت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في ولاية ميتشواكان المضطربة، باعتبارها مؤشرا سلبيا على ما يمكن أن يحدث في انتخابات الصيف المقبل. وأوضحت استطلاعات الرأي ارتفاع فرص تقدم شقيقة الرئيس فيليب كالديرون، لويزا ماريا كلاديرنو، في انتخابات المحافظين، لكن انتهى بها الحال إلى الخسارة أمام مرشح الحزب المؤسسي الثوري، فاوستو فاليجو فيغاروا، في ظل مزاعم بإرهاب الناخبين. وكشفت وسائل الإعلام المحلية عن تسجيلات صوتية لزعيم عصابة «لا فاميليا» للمخدرات يهدد فيها بقتل أفراد أسر الناخبين إذا أدلوا بأصواتهم لمرشح مدعوم من عصابة «نايتس تيمبلار» المناوئة. وتقول السلطات الفيدرالية إنها تحقق في بلاغات مقدمة من مرشحين في بلدات أخرى بتلقيهم تهديدات. وقالت جوزيفينا فازكويز موتا، المرشحة المحتملة لانتخابات الرئاسة عن حزب الحركة الوطنية الذي أنهى فترة حكم الحزب المؤسسي الثوري التي دامت 71 عاما بانتخاب فيسينت فوكس عام 2000: «لا يمكن أن نسمح لعصابات الجريمة المنظمة باختيار الفائزين في الانتخابات».

والجدير بالذكر أن مدة الرئاسة في المكسيك ستة أعوام وتولى حزب الحركة الوطنية السلطة عام 2006 بتغلب كالديرون بفارق ضئيل على منافسه اليساري أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي سيكون مرشح الحزب الديمقراطي الثوري العام الحالي.

ويتوقع المحللون تراجع شعبية مرشحي حزب الحركة الوطنية بسبب عدم رضا الشعب عن العملية العسكرية التي يشنها كالديرون ضد عصابات المخدرات، حيث قُتل 50 ألف شخص على الأقل وأدت أعمال عنف العصابات إلى تكدير أمن مناطق كثيرة من البلاد التي كانت آمنة يومًا ما منذ أن تولى السلطة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2006.

وأثار كالديرون غضب خصومه في البرلمان بإشارته إلى أن فوز مرشح الحزب المؤسسي الثوري، إنريكي بينا نيتو، بالرئاسة سيكون بمثابة خنوع واستسلام للمجرمين. مع ذلك، يبدو أن الكثير من المكسيكيين يشعرون بالحنين إلى الهدوء النسبي الذي كانت تتمتع به البلاد خلال فترة حكم الحزب المؤسسي الثوري، الذي تمكن من خلال شبكة الفساد من السيطرة على الجريمة المنظمة.

واتخذ قادة الحزب موقفا عدوانيا من تصريحات كالديرون وآخرين بعدم التزامهم بمحاربة العصابات، لكن يقول مراقبون سياسيون إن اللوم يقع على الحزب بسبب عدم تمرير حزمة من القوانين المقترحة التي كان من شأنها تشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم المتعلقة بالانتخابات وزيادة جهات التحقيق والالتزام بالشفافية ومراقبة تمويل الحملات الانتخابية.

ودعا نيتو المرشحين إلى توقيع «اتفاق» يقضي برفض أي عرض بمساعدة أو نقود من المجرمين. وقال: «لا أريد أي صوت أو مساعدة من هؤلاء الخارجين على القانون. أريد أن أحوز ثقة المواطنين الصالحين». ولم يتم تعديل قوانين الخاصة بجرائم الانتخابات منذ عام 1996 رغم الضغط الكبير الذي تمارسه العصابات والجماعات التقليدية الساعية للنفوذ على السياسيين.

ويقول خوسيه كارينو، محلل سياسي وباحث في «تكنولوجيكو دي مونتيري»: «لدينا قوانين فيدرالية خاصة بالانتخابات تحول دون أي تدخل في العملية الانتخابية، لكن الواقع أن هناك الملايين التي تنفق على الدعاية الانتخابية. ليس في مقدور السلطات القيام بأي شيء. لدينا مشكلة، لكن إلى أن يتم إجراء إصلاحات، لا يوجد ما يمكن القيام به».

ويُعتقد أن انتخابات المجالس المحلية معرضة لتدخل العصابات لأنها لا تتطلب قدرا كبيرا من أعمال الاحتيال والفساد والعنف السياسي من أجل التلاعب بالنتيجة. ويشكك بعض المراقبين لحرب المخدرات في قدرة العصابات على توسيع مجال نفوذهم المحدود. وقال محلل الأمن المكسيكي، أليخاندور هوب: «لا تستطيع العصابات المكسيكية تغيير نتائج الانتخابات على مستوى البلاد. ما حاجتهم إلى نواب في البرلمان؟ فهؤلاء لا يسيطرون على الشرطة المحلية». مع ذلك يمكن أن تعكر مزاعم انعدام الشرعية فوز الحزب المؤسسي الثوري بمنصب الرئاسة في حال انتشار البلاغات بشراء الأصوات وارتكاب أعمال عنف أو أي أشكال أخرى من العبث على المستوى المحلي. وقال مايكل شيفتر، رئيس جمعية «إنتر أميركان ديالوغ» الخاصة بالسياسات في واشنطن: «أعتقد أن الكثيرين يريدون إفادة الحزب المؤسسي الثوري من خلال نشر هذه الشكوك، لاعتقادهم أنه ربما يكون في وضع أقوى يمكّنه من السيطرة على العصابات بالنظر إلى تاريخه وسمعته. مع ذلك يزداد اختراق تجار المخدرات لعالم السياسة عمقًا على ما يبدو، ومن الصعب الحصول على معلومات دقيقة في هذا الشأن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»