أولى جلسات الدفاع عن مبارك: الديب ينفي التهم المنسوبة للرئيس السابق بقتل المتظاهرين

مبارك حضر إلى المحكمة على سرير طبي وجلس على كرسي متحرك داخل القاعة * أحد محامي أسر الشهداء لـ«الشرق الأوسط»: إنها «خطب سياسية لا قيمة لها»

متظاهر يطالب بعقوبة الإعدام بحق مبارك (أ.ب)
TT

في أولى جلسات الدفاع عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك، نفى محاميه فريد الديب التهم المنسوبة إليه بقتل المتظاهرين، بينما قال أحد محامي أسر قتلى الاحتجاجات التي أسقطت حكم مبارك في فبراير (شباط) من العام الماضي لـ«الشرق الأوسط»: إن مرافعات الدفاع عن الرئيس السابق مجرد «خطب سياسية لا قيمة لها».

وقال شهود عيان من داخل المحكمة إن مبارك تخلى عند دخوله القفص على سريره الطبي، وجلس على كرسي متحرك، وذلك للمرة الأولى، منذ بداية محاكمته في أغسطس (آب) الماضي، بينما انخرط ابناه جمال وعلاء في البكاء داخل قفص الاتهام في الجلسة نفسها التي شهدت اشتباكات كلامية بين المحامين.

وتستأنف محكمة جنايات القاهرة اليوم جلسات المحاكمة في قضيتي قتل المتظاهرين والفساد المالي، المتهم فيها مبارك ونجلاه ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من مساعدي الوزير.

وبدأت المحكمة في جلسة أمس الاستماع إلى مرافعة الدفاع عن المتهمين، واستهلتها بمرافعة فريد الديب محامي مبارك ونجليه علاء وجمال، والتي تستمر 5 أيام، وهي المرافعة التي نفى فيها الديب إصدار مبارك أي أوامر بقتل المتظاهرين أو استغلال نفوذ وإهدار مال عام وقال: «كل هذه التهم ما أنزل الله بها من سلطان».

ويواجه مبارك ووزير داخليته و6 من مساعدي الوزير تهما تتعلق بالتحريض على قتل المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وما تلاها من أحداث، والتي قتل فيها نحو 850 متظاهرا وأصيب أكثر من 6 آلاف، بينما يواجه مبارك أيضا ونجلاه علاء وجمال، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، تهما تتعلق بالفساد المالي وتصدير الغاز إلى إسرائيل.

وطالبت النيابة بتوقيع عقوبة الإعدام شنقا على مبارك وأقصى عقوبة بالسجن على ابنيه وسالم، وقالت النيابة في مرافعتها الأسبوع الماضي إن مبارك أقام نظاما فاسدا يحمي مصالحه الشخصية ومصالح أسرته وسعى لتوريث الحكم.

وللمرة الأولى حضر مبارك المحاكمة على كرسي متحرك داخل قفص الاتهام في «أكاديمية الشرطة» بالقاهرة، متخليا عن سريره الطبي الذي كان ينام عليه. وجلس مبارك على الكرسي رافعا ظهره وشاخصا بصره لهيئة المحكمة ومحاميه فريد الديب أثناء المرافعة، في حين وقف نجله علاء بجواره.

وقال المحامي أمير سالم، أحد المحامين عن أسر الشهداء المدعين بالحق المدني في القضية نفسها لـ«الشرق الأوسط»: «إن كل هذه حيل من مبارك لاستعطاف المحكمة ليست لها أي علاقة بمرض»، موضحا أن «مبارك كان نائما على السرير ويدير وجهه عن المحكمة والمحامين خلال مرافعة النيابة ومحامي الدفاع المدني عن الشهداء لأنه كان يعلم أن الكلام ضده، متجاهلا ومستخفا بالاتهامات الموجهة إليه، لكنه يعلم الآن أنه ومنذ أمس ولمدة شهر ستخصص الجلسات لمرافعة محاميه ولذلك جلس رافعا رأسه مستيقظا».

وأوضح سالم أن «مرافعات محامي مبارك وكل المتهمين ستكون عبارة عن تمجيد لتاريخه وتذكرة بانتصاراته ولذلك سيجلس متيقظا». وقلل سالم من شأن هذه المرافعات واعتبرها غير ذات قيمة قانونية وقال: «لن يستطيع أحد نفي التهم الموجهة لمبارك وباقي المتهمين لأنها ثابتة ضدهم بالأدلة، لكنهم سيواصلون إلقاء خطب سياسية لا قيمة لها».

ويترافع المحامي فريد الديب عن مبارك وابنيه. ودفع الديب أمس بـ5 دفوع لتبرئة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين، بينما يستكمل باقي دفوعه اليوم. وقبل بدء المرافعات خاطب رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت الحضور بالتأكيد على أن المحكمة على عهدها بقول الحق بأن تحكم بالعدل وأن توالي نظر الدعوى في جلسات متعاقبة، وطالب رفعت الكافة بأن يرفعوا أياديهم عن القضاة، مؤكدا أن هيئة المحكمة لا تخضع مطلقا لثمة رأي أو اتجاه.

وبدأ الديب مرافعته بسرد إنجازات مبارك التي تناولت تاريخه منذ مولده في قرية «كفر مصيلحة» عام 1928 حتى تنحيه عن رئاسة الجمهورية في 11 فبراير 2011 تحت ضغط شعبي، معددا إنجازاته، وقال: «هذه المقدمة تأتي لكي تتعرف المحكمة على شخصية المتهم».

ووجه الديب اللوم لممثلي النيابة العامة على ما بدا من جانبهم في مرافعتهم باستخدام بعض العبارات والألفاظ التي قال إنها حملت إساءة لمبارك، كما اتهمها بأنها «تحدثت في مرافعتها عن أشياء غير موجودة في القضية من أجل إمداد وسائل الإعلام بوقائع غير موجودة يطنطنون بها هنا وهناك من أجل تشويه الرجل».

وقال الديب: «ممثلو النيابة أفردوا حديثا طويلا عن مسألة توريث الحكم رغم أن قضية التوريث ليست محل اتهام في هذه المحاكمة، على نحو يمثل خروجا على نطاق الدعوى، كما تناولت زوجة الرئيس السابق بكل سوء رغم كونها ليست من بين المتهمين في هذه القضية».

وذكرت تقارير محلية عن جلسة المحاكمة أمس أن كلا من جمال وعلاء مبارك نجلي انفعلا داخل قفص الاتهام عقب ذكر اسم والدتهما سوزان ثابت أثناء مرافعة الدفاع، وبكيا حزنا على ما تعرضت له من تجريح، على اعتبار أنها غير متهمة في قضية قتل المتظاهرين. وقالت التقارير إن علاء وجمال ذرفا الدموع وحاولا أن يتمالكا نفسيهما ويظهرا بشكل هادئ، ومسحا دموعهما في هدوء داخل القفص.

وقال الديب «إنني أترافع عمن عمل في خدمة مصر 60 عاما أو يزيد.. وهو تاريخ حافل بالنجاح والإنجازات وأيضا بالإخفاق وعدم التوفيق»، وتابع أن «مبارك اتهم بالاشتراك في القتل واستغلال النفوذ الرئاسي للتربح والإضرار بالمال العام، وهي تهم ما أنزل الله بها من سلطان».

ومضى الديب قائلا «إن مبارك رجل جدير بالتقدير ليس دمويا أو معتديا»، وناشد القضاة مستعطفا «هذا الرجل وهو في الثالثة والثمانين من عمره وقد أنهكته وأثقلت كاهله الأمراض ونهشته افتراءات اللئام، ولا يتطلع إلا إلى عدلكم بعدما أحاط به الظلم من كل حدب وصوب».

واتهم الديب من سماهم بالمندسين بقتل المتظاهرين وقال إن «المندسين يمكن أن يكونوا قتلوا المتظاهرين أثناء المظاهرات»، وتابع: «مدير المخابرات العامة السابق عمر سليمان الذي عينه مبارك نائبا له شهد بأن حوادث إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين من الممكن أن يكون وراءها اندساس بعض المخربين بين المتظاهرين وعناصر أجنبية».

ورأى الديب أن كل ما يقال في وسائل الإعلام على ألسنة المحامين لا يمكن الاعتداد به، وأنه يجب النظر إلى القضية من واقع المستندات المقدمة فقط، واستند إلى خطابات مبارك التي ألقاها خلال الثورة، مؤكدا أن تعليمات مبارك كانت واضحة ومحددة بفض التظاهر بالطرق السلمية، وأنه طلب ترك المتظاهرين يعبرون عن أنفسهم طالما لا يوجد إخلال بالأمن أو اعتداء على المنشآت.

وأوضح الديب أن قرار الاتهام الموجه لمبارك من الناحية القانونية لا يصلح لإقامة الدعوى عليه، وقال إن النيابة عجزت تماما عن إثبات نية القتل، معتبرا أن مبارك ووزير داخليته لم يصدرا أي أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، وأن تعليمات مبارك كانت صريحة بفض المظاهرات بالطرق الاعتيادية. وقال إن «مبارك لم يكن راغبا في الاستمرار في الحكم رغما عن إرادة الشعب، وإن مبارك عندما طلب منه المتظاهرون تعديل الدستور بادر إلى ذلك».

وشهدت جلسة أمس في ختامها أحداثا ساخنة حين قام بعض مؤيدي مبارك بالتصفيق احتفاء بمرافعة الديب، وهو الأمر الذي دفع محامي الشهداء لاعتلاء المقاعد والهتاف، مطالبين بإعدام مبارك واتهام من صفقوا للديب بأنهم «فلول» للنظام السابق.

كما شهدت المحكمة خارج قاعتها احتشادا لقرابة مائتي متظاهر من المؤيدين لمبارك حملوا صوره ورددوا هتافات مؤيدة له، وهو الأمر الذي استنفر أهالي الشهداء في الجهة المقابلة، والذين بلغ عددهم قرابة 100 شخص، وحاول الطرفان التحرش ببعضهما غير أن قوات الأمن سارعت لإقامة حواجز أمنية.