تونس: انفلات أمني في ظل صمت مطبق للحكومة

أحزاب من اليسار تتبرأ من الوقوف وراء الاحتجاجات والاعتصامات التي تعرفها بعض المناطق

TT

لم تجد حكومة رئيس الوزراء التونسي الجبالي تفسيرات مقنعة لحالة الانفلات الأمني التي تعرفها أكثر من منطقة تونسية، والتزمت الصمت تجاه ما يجد من أحداث صنفها بعض المحللين ضمن خانة العصيان المدني.

وأثارت عمليات النهب والحرق التي تعرضت لها منشآت عمومية في منطقة غار الدماء (شمال غربي تونس) ومنطقة جبنيانة (محافظة صفاقس) أكثر من تساؤل حول من يقف وراء تلك الاعتصامات والإضراب الكامل الذي شل الحركة الاقتصادية والاجتماعية في الكثير من المناطق.

وتبرأت مجموعة من أحزاب اليسار، التي تصطف حاليا في صف المعارضة، من الوقوف وراء الاحتجاجات والاعتصامات التي تعرفها بعض مناطق تونس بعد فترة ذهب إلى ظن الجميع أن الوضع الأمني قد تحسن، وأن الاستثمارات والقطاع السياحي ستسترجع أنفاسها في وقت وجيز. ويبدو أن غياب الخطاب السياسي المقنع والمحدد المعالم الذي يطمئن الفئات الشبابية، ويفتح أمامها أبواب الأمل في المستقبل، هو الذي أرجع تلك الاحتجاجات إلى واجهة الأحداث. وطالبت مجموعة من المناطق الداخلية التونسية بنصيبها من التنمية على غرار ولاية (محافظة) سليانة، الواقعة على بعد 165 كلم عن العاصمة، والكاف (شمال غربي تونس)، بمناسبة محاكمة علي السرياطي، المدير العام السابق للأمن الرئاسي. كما قطع محتجون الطريق السيارة الرابطة بين تونس ومدينة نابل للمطالبة بتحسين البنية الأساسية، وتوفير المرافق الصحية والتربوية بتلك المناطق النائية.

وعادت المواجهات الساخنة إلى بعض المؤسسات الجامعية على غرار كلية الآداب بسوسة، التي عرفت مواجهات ساخنة بين اليسار واليمين أسفرت عن نقل ثلاثة طلبة إلى الأقسام الاستعجالية بمدينة سوسة (140 كلم وسط شرق تونس).

ولا تزال كلية الآداب بمنوبة (ضواحي العاصمة) تعيش على وقع اعتصام مجموعة من المنقبات تدعمها مجموعة من الطلبة.

وفي سياق ذلك، قال بلقاسم حسن، الأمين العام لحزب الثقافة والعمل، إن ما يحدث يدعو إلى الحيرة، إذ لم تعرف أي دولة عاشت تحولات سياسية ما تعيشه تونس اليوم، فكل الديمقراطيات في العالم تعطي فترة وجيزة في حدود المائة يوم لأية حكومة جديدة قبل أن تحاسبها عما نفذته من برامج. أما في وضعية تونس الحالية، فإن المطالب المكدسة منذ عقود من الزمن، يطلب من الائتلاف الثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة، أن يجد حلا لها في الحين، وهذا غير ممكن بطبيعة الحال، داعيا الحكومة، من ناحية أخرى، إلى ضرورة الإسراع في اتخاذ خطوات عملية من أجل إيجاد حل للمشكلات العالقة، على غرار تعويض ضحايا الثورة، ومحاسبة المتهمين بقتل أبناء تونس، وهذه الإجراءات قد تخفض من وتيرة الانفلات الأمني. بيد أن الأمين توقع أن تتواصل مثل تلك الاحتجاجات والاعتصامات في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها آلاف العائلات بعد الثورة.

واعتبر المحلل السياسي لطفي الحيدوري أن مظاهر الانفلات قد تكون وراءها أطراف يسارية تود أن تضغط على الحكومة قبل البدء في التفاوض حول مشروع الدستور الجديد. ولعلها بمثل تلك المظاهر توجه رسالة حادة إلى حركة النهضة وشركائها في الحكم، بأن الأقلية المعارضة يمكن أن تسحب البساط من تحت أقدامهم في أي لحظة. كما أكد الحيدوري أن اليسار يعمل جاهدا على إضعاف حركة النهضة قبل الدخول في مراحل الإنجاز المقبلة، مشيرا إلى أن المصالح قد تتلاقى مع فلول النظام السابق والمتهمين باستغلال النفوذ والإثراء والفساد، فهؤلاء كذلك يسعون إلى تواصل التوتر السياسي والاجتماعي لأطول فترة ممكنة قد تعفيهم لاحقا من العقاب والوقوف أمام المحكمة.