«ويكيبيديا» تسود صفحاتها وتستشهد بربيع العرب

احتجاجا على مشروع يجرم القرصنة ويستجيب لضغط شركات الأفلام والموسيقى

TT

مع انخفاض شعبية السياسيين والمشرعين إلى رقم قياسي وسط الأميركيين، احتجت شركات كبيرة في الإنترنت، أبرزها «ويكيبيديا»، على مشروع قانون يحد، من وجهة نظرها، من حرية الإنترنت. وقررت «ويكيبيديا»، التي تعد أكبر موسوعة معلومات عامة إلكترونية في العالم، أن تسود اليوم كل صفحاتها باللغة الإنجليزية.

وقال جيمس ويلز، مؤسس «ويكيبيديا» إن الربيع العربي «دليل واضح على قدرة الإنترنت على مواجهة الحكومات». وأوضح أن هذا الاحتجاج سيستمر لمدة أربع وعشرين ساعة. وهي خطوة غير مسبوقة تكشف العضلات الإلكترونية التي صارت إضافة هامة إلى الاحتجاجات التقليدية. وتعتبر «ويكيبيديا» واحدا من أكثر المواقع شعبية في الإنترنت، ويزورها الملايين يوميا. وأضاف بيان في الموقع: «إذا أجاز الكونغرس هذا التشريع، سوف يضر بحرية الإنترنت، ويغلق جو الإنترنت الانفتاحي، ويخلق أدوات حكومية جديدة لفرض الرقابة على المواقع الدولية التي توجد مقارها الرئيسية داخل الولايات المتحدة».

وكان مجلس النواب قد أجاز مشروع قانون «وقف قرصنة الإنترنت» (الذي يشار إليه بالأحرف الإنجليزية «سوبا»)، وذلك بسبب ضغوط لوبيات شركات ومؤسسات أميركية هامة. وعلى رأس هذه اتحاد منتجي الأفلام السينمائية (إم بي إيه إيه)، واتحاد الموسيقى التسجيلية الأميركية (اي آر إيه). ويركز الاثنان على حقوق النشر للأفلام والأغاني. وتمكنت هذه الشركات من إقناع مجلس النواب بضرورة تدخل الحكومة عندما تنشر مواقع في الإنترنت أفلاما وأغاني بطرق غير قانونية.

وكان النقاش داخل مجلس النواب ركز على قوانين أميركية تسمح للحكومة بالتدخل في حالات سرقة حقوق النشر والطبع والتوزيع، وفي حالات نشر أمور غير أخلاقية. ومن بين هذه، قدرة الوكالة الفدرالية للاتصالات (إف سي سي) على معاقبة قنوات التلفزيون التي تنشر برامج في صور أو كلمات إباحية.

في الأسبوع الماضي، نظرت المحكمة العليا في قضية تدافع فيها وزارة العدل الأميركية ضد دعوى من قنوات تلفزيونية رئيسية، منها «إيه بي سي» و«سي بي إس» و«إن بي سي». وحسب مرافعة محامي هذه الشركات، فإن الحكومة الأميركية لا تملك حق تقييد الحرية الأميركية (كما نص عليها التعديل الأول في الدستور الأميركي). هذا بالإضافة إلى أن الحكومة لا تعاقب قنوات الكيبل التلفزيونية (التي تنتشر بأسلاك، تحت الأرض أو معلقة)، لكنها تعاقب القنوات التلفزيونية الرئيسية التي تستعمل الموجات الفضائية (التي تنظمها الحكومة).

وخلال مناقشة مجلس النواب لمشروع قانون «سوبا» لمنع القرصنة في الإنترنت، أيدت الأغلبية حق الحكومة في تقييد حرية الذين «يخرقون قانون حقوق النشر، وينشرون الفاحشة». غير أن مجلس الشيوخ لم يجز القانون، قبل أن يوقع عليه الرئيس باراك أوباما، ويصبح قانونا. وأمس، قالت مصادر في الكونغرس، إن مجلس الشيوخ ليس متحمسا لإجازة مشروع القانون، حتى قبل إعلان الإضراب الذي يقوده موقع «ويكيبيديا». ويدور نقاش، ليس فقط في الكونغرس، ولكن، أيضا، وسط خبراء الصحافة والإعلام، وأساتذة الجامعات المتخصصين في القانون. وفي جانب، يقول مؤيدو مشروع قانون الملكية الفكرية إن الهدف هو «القضاء على مبيعات المنتجات المقرصنة في الولايات المتحدة ووراء البحار». وتؤيد شركات صناعة الأفلام والموسيقى أهمية حماية المنتجات التي تباع بطريقة غير مشروعة. وقال بيان صدر أول من أمس، بعد انتشار حملة «ويكيبيديا»: «هناك حاجة إلى التشريع لحماية الملكية الفكرية، ولحماية فرص العمل في الولايات المتحدة».

وفي الجانب الآخر، قال موقع «ويكيبيديا»: «التشريع يمكن أن يضر بصناعة التكنولوجيا، ويعتدي على حقوق حرية الكلام، ويضعف الأمن الإلكتروني للشركات، في كل المجالات». وأكثر جوانب مشروع القانون إثارة للنقاش هو منح الحكومة الأميركية حق وضع مواقع إنترنتية في «القائمة السوداء»، متى ما قررت الحكومة أن هذه المواقع تخرق قانون الملكية الفكرية. وإذا حدث ذلك، فسوف تغيب أجزاء من شبكة الإنترنت بالنسبة للمستخدمين في الولايات المتحدة وخارجها.

لكن، بعد بداية الحملة التي تقودها «ويكيبيديا»، أعلن قادة في الكونغرس أن هذا الجزء الأخير من مشروع القانون سيشطب، حتى إذا أجيز بقية مشروع القانون. ويشترك في الحملة، بالإضافة إلى «ويكيبيديا»، شركات إنترنت عملاقة مثل «غوغل» و«ياهو» و«تويتر» و«فيس بوك» و«إي باي» و«أميركا أون لاين» و«مايكروسوفت» (رغم أن هذه الأخيرة ترددت في الانضمام إلى الحملة). لكن هذه المواقع لن تسود أيا من صفحاتها، مثلما ستفعل «ويكيبيديا» اليوم الأربعاء. وهناك موقعان فقط قررا خطوة تسويد الصفحات وهما «ريدبيت» و«بوينغ بوينغ».

وفي الوقت نفسه، أعلنت إدارة الرئيس أوباما أيضا قلقها من مشروع القانون. وقال بيان للبيت الأبيض: «سنعمل مع الكونغرس ليكون التشريع عاملا مساعدا في معركة القرصنة والتزوير مع الحرص على حرية التعبير، والخصوصية، والأمن، والابتكار في شبكة الإنترنت».

وتفيد «ويكيبيديا» بأنه تم التوصل إلى هذا النوع الجديد من الاحتجاج بسبب استخدام نوع جديد من اتخاذ القرار. فقد استفسر الموقع من مستخدميه حول أفضل الطرق لمواجهة مشروع القانون، ولوبيات شركات الأفلام السينمائية والأغاني والموسيقى. وخلال الأيام القليلة الماضية، اشترك أكثر من 1,800 من المتطوعين الذين يكتبون معلومات الموقع في نقاش عن أشكال الاحتجاج على الإنترنت.

وقال جيمي ويلز، مؤسس «ويكيبيديا»: «مشروع القانون يشكل تهديدا لحرية الإنترنت، وانفتاحه، وخصوصيته، وفرديته، وأمنه». وأضاف، في رسالة بريد إلكتروني إلى وكالة «أسوشييتدبرس»: «كل هذا ليس سوى عمل فوضوي». كما طلب من القراء الاتصال بأعضاء الكونغرس حول مشروع القانون. ويتوقع أن يرسل الملايين، من داخل وخارج الولايات المتحدة، رسائل احتجاج. وقال ويلز: «أطلب من كل مهتم بالحرية والانفتاح في الإنترنت الاتصال بأعضاء الكونغرس. واحد من الأمور التي تعلمناها مؤخرا خلال أحداث الربيع العربي هو أن الإنترنت أداة قوية وفعالة للشعوب لتنظيم نفسها، وإسماع أصواتها».

وقبل يوم من بداية الاحتجاج، أفاد استطلاع للرأي أن غالبية ساحقة من الأميركيين لا تثق في أعضاء الكونغرس والسياسيين عموما. وقالت نسبة 84 في المائة إنهم لا يوافقون على طريقة عمل أعضاء الكونغرس، وفقا لاستطلاع صحيفة «واشنطن بوست» وتلفزيون «إيه بي سي».