الغرب يستبعد تبني المشروع الروسي ويرى أنه سيكون كسابقه

استمرار الجدل بين باريس وطهران بشأن شحنات أسلحة إيرانية إلى سوريا

TT

اجتمع أعضاء مجلس الأمن أمس لبحث الوضع السوري مع التركيز على النسخة المعدلة لمشروع القرار التي تقترحه روسيا حول سوريا. وأفاد مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية أمس لـ«الشرق الأوسط» أن بلاده تعتقد أن «التحرك في مجلس الأمن تأخر كثيرا وسننظر إلى المقترحات المطروحة لنتخذ قرارا حولها». إلا أن مصادر دبلوماسية عدة أفادت أمس أن الموقف الأميركي والبريطاني والفرنسي مختلف ومتطور أكثر من الموقف الروسي المبلور في مشروع القرار الذي تم تداوله في نيويورك خلال اليومين الماضيين. ومن غير المرجح أن تقبل واشنطن ولندن وباريس بمشروع القرار الجديد؛ إذ لا يشمل بنودا واضحة حول تداعيات عدم استجابة النظام السوري للدعوات الدولية لوقف العنف وحماية المدنيين. وتشدد الدول الأوروبية مع الولايات المتحدة على أهمية وضع مشروع قرار يتضمن نتائج ملموسة وعواقب ضد النظام السوري، حتى وإن كانت لا تشمل تحركا عسكريا. والمطلب الرئيسي الغربي حاليا هو أن يكون هناك موقف موحد من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لضرورة إلزام سورية فعليا بحماية المدنيين وعدم الاعتماد فقط على إدانة في البيان، مما جعل مصادر عدة في نيويورك تستبعد تبني المشروع الروسي بشكله الحالي.

وعما إذا كان التحرك في مجلس الأمن سيكون منفصلا عن نتائج التقرير المتوقع أن يصدر يوم الجمعة عن بعثة المراقبين العرب، قال المسؤول الأميركي لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية قامت بدور قيادي في هذا الملف وسننتظر إصدار الملف.. قرارنا سيكون مبنيا على فحوى الملف، ولكن أيضا على عوامل متعددة» على واقع الأرض في سوريا. وأضاف: «المشاورات متواصلة بين لاعبين دوليين عدة والجامعة العربية» حول بعثة المراقبين والموقف من التطورات في سوريا.

ولا تبدو حظوظ مشروع القرار الجديد عن سوريا الذي وزعته البعثة الروسية أول من أمس على أعضاء مجلس الأمن الدولي أكبر من حظوظ المشروع السابق الذي تم تداوله الشهر الماضي وبقيت المناقشات بشأنه عقيمة بسبب البعد الهائل بين ما يقترحه النص وما تريده الدول الغربية. وكما في المرة الأولى، ترى باريس أن النص الروسي غير كاف وأنه «ما زال بعيدا عن الاستجابة لواقع الأمور».

وترى المصادر الفرنسية أن روسيا «ما زالت تناور لكسب الوقت» مثلما دأبت على فعله منذ اندلاع الانتفاضة في سوريا قبل أكثر من عشرة أشهر؛ حيث تصدت باستمرار لصدور قرار قوي عن مجلس الأمن يدين القمع كما فعلت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما استخدمت حق النقض (مع الصين) لإجهاض مشروع قرار غربي، أو عندما تقدمت في شهر ديسمبر (كانون الأول) بمسودة مشروع طرحتها للتداول لكنها رفضت عمليا إدخال أي تعديل ذي معنى عليها مما أدى عمليا إلى دفنها. وتتوقع باريس أن يكون مصير المشروع الجديد كسابقه، خصوصا إذا استمرت موسكو في تجاهل المطالب الغربية.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن ما تريده باريس من قرار في مجلس الأمن هو ثلاثة أمور: إلزام النظام السوري بوضع حد لقمعه الوحشي، والتمييز بوضوح بين قمع السلطة من جهة، و«تعبير» الشعب السوري عن مطالبته بحقوقه الأساسية، وأخيرا دعم الخطة العربية لوضع حد للأزمة في سوريا. والحال أن العقبة الأساسية تكمن في أن المشروع الروسي الحالي كما الأول «يساوي»، وفق باريس، بين القمع الواسع والمنهجي الذي تلجأ إليه السلطات، وبين ما تعتبره أعمالا دفاعية لحماية المتظاهرين السلميين، وهو ما تلخصه عبارة «إدانة العنف من أي جهة أتى». وتريد باريس أن يتخذ مجلس الأمن موقفا واضحا من التطورات في سوريا «سريعا جدا». وسبق لفرنسا أن اعتبرت أن «صمت المجلس» يساوي «فضيحة لا يمكن السكوت عليها». وأكدت الخارجية أمس أنها «مستمرة» في العمل من أجل أن يتحمل مجلس الأمن مسؤولياته.

وبالمقابل، رحبت باريس ببداية التعاون الذي أعلن عنه أول من أمس بين الجامعة العربية والأمم المتحدة في موضوع تدريب وتأهيل المراقبين العرب في سوريا، وهو ما سيتم في مصر. وقال الناطق المساعد باسم الخارجية رومان نادال إن فرنسا «تعرب عن ارتياحها لهذا التعاون» وترى أن عملية التأهيل «يمكن أن توفر المصداقية للمراقبين» الموجودين في سوريا منذ السادس والعشرين من الشهر الماضي. وسيرفع تقرير إلى اللجنة الوزارية العربية وإلى مجلس الجامعة في الأيام القليلة المقبلة ليقرر المجلس ما ستؤول إليه البعثة.

وتريد باريس، كما أكدت ذلك مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» أن تقدم أمانة الجامعة تقييما واضحا ودقيقا عن مهمة البعثة وعما حققته. وبحسب هذه المصادر، فإن باريس «لا تريد أن تبقى البعثة العربية كما هي عليه في سوريا إلى الأبد» بالنظر للعوائق الموضوعة أمامها ولعجزها حتى الآن عن القيام بالمهمة المنوطة بها وهي أساسا وقف العنف والتمهيد لتطبيق الخطة العربية. كذلك تحبذ باريس أن يقوم الأمين العام للجامعة نبيل العربي بعرض ما حققته البعثة على أعضاء مجلس الأمن الدولي في جلسة خاصة يدعى إليها.

واستمر أمس الجدل بين باريس وطهران بشأن نقل السلاح من إيران إلى سوريا وفق تقرير صادر عن خبراء تابعين للأمم المتحدة ارتكزت عليه الخارجية الفرنسية للتنديد بإيران وبانتهاكاتها قرارين صادرين عن مجلس الأمن الدولي يمنعان نقل السلاح منها وإليها. ورد الناطق باسم الخارجية الإيرانية أمس على الاتهامات الفرنسية معتبرا أنها «لا تستند إلى دليل ولا أساس لها» وواصفا إياها بأنها «مواقف سياسية» تصدر عن بعض الدول الأوروبية وكان مصدرها هذه المرة فرنسا. وحث الناطق باسم الخارجية الإيرانية هذه الجهات على «تجنب» الإدلاء بمثل هذه التصريحات، مشددا على التزام إيران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد.

وأمس تمسكت الخارجية الفرنسية بما صدر عنها، مستندة في ذلك إلى المعلومات الواردة في تقرير لخبراء الأمم المتحدة. لكن لم يعرف بالضبط تاريخ صدور هذا التقرير، علما بأن الإدانة الفرنسية جاءت بعد إدانة مماثلة صدرت عن واشنطن ووفقا لمعلومات أميركية. وذكرت الخارجية الفرنسية بوجود قرار أوروبي يفرض حظرا على نقل السلاح إلى سوريا بقرارين صادرين عن الأمم المتحدة (القرار 1747 والقرار 1929). وينص الأول على حظر تصدير الأسلحة الإيرانية، فيما ينص الثاني على إجراءات إضافية لنقل السلاح إلى طهران.

غير أن الإدانة الفرنسية تذهب أبعد من طهران، وهي تشمل كذلك شحنات الأسلحة الروسية إلى سوريا. وقالت الخارجية أمس إن توفير السلاح لنظام يقوم بالقمع «يشكل صدمة» وهو «موضع إدانة» وهذه الإدانة «تتناول أيضا السلاح الروسي».

وفي الأيام الأخيرة، تم تداول معلومات عن شحنة أسلحة روسية «خطيرة» إلى سوريا نقلت إليها بحرا بعد توقف الباخرة في أحد الموانئ القبرصية. وبعكس إيران، ليس ثمة ما يمنع سوريا من الحصول على أسلحة، ولم يصدر أي قرار من هذا النوع عن مجلس الأمن الدولي.