سوريا: الجميع يعلم أن التغيير قادم.. ولكن كم ستكون تكلفته؟

رجل أعمال ذو علاقات واسعة: الأمن يرى أن الحل هو القتل حتى ينتهي الموضوع ثم انتظار تغير موقف الغرب

متظاهرون ينادون بسقوط نظام الأسد أمس في إدلب (أوغاريت)
TT

بدا عدنان وزوجته ريما وهما يحتسيان الشاي في مقهى دمشق الذي يمتلئ بدخان الأرجيلة، شخصيتين عاديتين، فقد بدا الزوجان اللذان يوشكان على إكمال عامهما الثلاثين، غير منزعجين في نهاية يوم عمل في واحدة من أكثر المدن توترا في العالم.

لكن كحال الكثير في العاصمة السورية، ليس الأمر كما يبدو للوهلة الأولى، ففي حياتهما الطبيعية هو مهندس برمجيات وهي محامية، لكنهما في الليل ناشطان سريان يساعدان في تنظيم الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد.

إنه عمل محفوف بالمخاطر. فعلى مدار الأشهر العشرة الماضية، قتل الآلاف من السوريين - ربما ضعف العدد الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة والذي بلغ 5,000 سوري - حيث واصل الأسد حملة قمعية ضارية لم تظهر أي إشارة على الانتهاء، لكن خصومه عازمون بالمثل على مواصلة حملتهم.

لم يتمكن عدنان وريما من العمل أو الاتصال بعائلتيهما، فهما يحملان هوية مزيفة. يغير عدنان من مظهره بصورة منتظمة، فقد حلق للتو لحيته، ومن الواضح أنه عمل مجدٍ، فقد فشل صديق له على طاولة مجاورة في التعرف عليه.

يخضع غالبية أصدقائه للرقابة من الشرطة السرية، فيقول عدنان: «كانت مخيفة، لكننا اعتدنا عليها. لقد دمرت الثورة حاجز الخوف. فقد تعلمنا في المدرسة أن نحب الرئيس - حافظ - أولا، ولم تتحسن الأوضاع بعد أن تولى بشار السلطة. والآن تغير كل شيء. صورة الأسد مشوهة في كل مكان، ونحن على يقين من أننا سنسقط النظام في مرحلة ما».

في الظاهر تبدو دمشق هادئة. ربما تكون خطوط المواجهة الأكثر للثورة هي حمص وحماه وإدلب ودرعا، لكن مظهر «الطبيعية» في العاصمة مخادع فالمؤامرات والخوف والغضب كلها راكدة تحت السطح.

يقول أحد أقطاب المعارضة السورية لصحيفة «الغارديان»: «دمشق محورية لحياة نظام الأسد، فلن يسمحوا بوجود ميدان تحرير آخر هنا، فإذا ما سقطت دمشق سقط الجميع».

تقام المظاهرات الحاشدة التي تنظمها تنسيقيات الثورة السورية كل ليلة في العديد من الأحياء ودائما ما تكون يوم الجمعة، وحتى في المراكز في وضح النهار تستمر المظاهرات البسيطة لبضع دقائق وتختفي قبل أن تتعرض لهجوم من قوات الأمن، وأسوأ منهم الشبيحة الذين يرتدون سراويل الجيش والسترات الجلدية الذين يقفون في التقاطعات والميادين.

المتظاهرون أذكياء، ففي إحدى الحالات قام سائقون متطوعون بعمل ازدحام مروري في كل أنحاء محطة سكة حديد الحجاز القديمة لخلق مساحة يمكن خلالها إقامة مظاهرة قصيرة لكنها تجذب الانتباه.

الإبداع والسرية عاملان غاية في الأهمية بالنسبة للثورة. ففي اليوم الأول من رمضان صدحت مكبرات الصوت التي تم إخفاؤها في ميدان عرنوس منطقة التسوق المزدحمة بأغنية «ارحل، ارحل يا بشار» والتي كتبها وغناها إبراهيم قاشوش الذي قتل في يوليو (تموز) الماضي بعد غنائها في حماه، حيث قطع قاتلوه حنجرته وأزالوا أحباله الصوتية.

وقال أحد قاطني دمشق الذي سمع الأغنية: «في البداية كان الناس خائفين، لكنها عندما عزفت للمرة الثانية شعرنا بالارتياح، وفي المرة الثالثة بدأنا في الضحك».

كانت مكبرات الصوت مثبتة على سقف والمنطقة حولها ممسوحة بالزيت كي يصعب إسكاتها.

كانت هذه التكتيكات فاعلة لكنها خطرة. ففي إحدى المرات قام ناشط بتشغيل شريط لأغنية في تاكسي، لكن السائق اتضح أنه عميل للمخابرات، وقام باعتقاله. جواد خبير الكومبيوتر المشترك في واحدة من هذه المجموعات اعتقل لمدة شهرين وتعرض للضرب في محاولة لإرغامه على البوح بأسماء أصدقائه.

الأعمال السلمية الأخرى، كانت رمزية بشكل مذهل، ففي أغسطس (آب) كانت صبغة حمراء بلون الدم تقطر من نافورة خارج مصرف سوريا المركزي في ميدان سبع بحرات، حيث تقام المظاهرات الصاخبة المؤيدة للأسد. وتم توزيع الشموع التي لفت بقطع من القماش الأسود لإحياء ذكرى غياث مطر، الذي اشتهر بتوزيع الورود على الجنود والذي عذب وقتل في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتقول سلمى، الناشطة الحقوقية: «الناس هنا يجازفون، لكن في إدلب وحمص الوضع يختلف فهي بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت. وهذا ليس صحيحا في دمشق».

بيد أن البعض لا يمكنه تصديق ما يمكنهم القيام به. فيقول بسام، وهو صناعي في العشرينات من العمر، ضاحكا: «انظر إلينا، نستخدم أسماء زائفة ونراوغ الشرطة لتفادي نقاط التفتيش. في المرة الأولى التي شاركت فيها في المظاهرات كانت مخيفة، لكنها الآن مبهجة».

بيد أن أحدا لا يعتقد أن الثورة سيكون لها نهاية سعيدة في أي وقت قريب. فقد اعتبرت كلمة بشار الأسد التي وجهها إلى حشد من مؤيديه بمثابة إعلان حرب. ففي بث حي على شاشة التلفزيون الرسمي للدولة، بدا الحشد كبيرا، لكن التسريبات غير الرسمية للقطة أظهرت عددا لا يتجاوز ألف شخص في الميدان الأموي.

جدير بالذكر أن دمشق تخضع لحصار من الفرقة الرابعة بالجيش السوري التي يرأسها ماهر الأسد، شقيق الرئيس، وتخضع المباني الحكومية للحماية بالحواجز المضادة للانفجارات. أما الطرق القريبة من القصر الرئاسي ووزارة الدفاع فمغلقة. وفي مقر القيادة الأمنية في كفرسوسة يطل الحراس المدججون بالأسلحة الرشاشة من مواقعهم خلف أكياس الرمال.

في هذه المنطقة قبل يومين من الكريسماس (أعياد الميلاد المسيحية)، الذي مر دون فرحة، وقع تفجيران انتحاريان قتل خلالهما 44 شخصا، وألقيت مسؤولية الانفجار (بعد 20 دقيقة من التفجيرين) على «القاعدة» - في محاولة لتأكيد الرواية الرسمية بأن السلطات في سوريا تواجه عصابات إرهابية مسلحة لا مظاهرات شعبية حاشدة باتت حدثا رمزيا للربيع العربي.

وفي السادس من يناير (كانون الثاني) الحالي ضرب الإرهابيون مرة أخرى، ففي الميدان القريب، معقل المعارضة، كان هناك ما بدا، منذ الوهلة الأولى على الأقل، كتفجير انتحاري، والذي قيل إنه أودى بحياة 26 شخصا، لكن التفاصيل الرئيسة للحادث لا تزال مثيرة للشكوك.

ويقول سكان المنطقة إنهم تعرضوا لحصار غامض من قبل رجال الشرطة في تلك الليلة. وأشار العديد منهم إلى الرد السريع من قبل وسائل الإعلام السورية وخدمات الطوارئ. وتجمع حشد كبير من المتظاهرين على نحو سريع، ليسوا من أهل الحي، يهتفون بشعارات مؤيدة للأسد أمام الصحافيين الذين احتشدوا بالقرب من وزير الإعلام. وتبدو الشكوك بأن الحادث مفتعل أكثر قبولا من كونه عملا مدبرا.

يقول أبو محمد، سائق سيارة أجرة سني، إنه على يقين من ذلك، فيقول: «كان ذلك كله عملا مسرحيا، ومختلقا بأكمله. الهدف من ذلك هو تخويف أهل دمشق»، فيما يرى نادر، صاحب متجر، والذي كان أكثر جرأة أن «الحكومة تعرف أن السوريين لا يثقون بها، لكنهم يعتمدون على خوف الأفراد من كسر حاجز الصمت».

يشير حسن عبد العظيم، رئيس لجنة التنسيق الوطنية المعارضة، الذي عادة ما يتعرض للانتقادات بأنه وثيق الصلة بالنظام عن شكوكه الكبيرة أيضا بشأن الرواية الرسمية.

وفي الحادي عشر من يناير الحالي ترك مقتل مراسل التلفزيون الفرنسي غيلز جاكي بقذيفة هاون، خلال رحلة نظمتها الحكومة إلى حمص أسئلة أكثر حيرة دون إجابة. فهل كانت رسالة تحذير إلى وسائل الإعلام الدولية؟ الغريب بشأن كل هذه الحوادث هو اعتقاد الكثير من السوريين أن النظام سيعمل بهذه الازدواجية المميتة.

فيقول شخصية أخرى مناوئة للأسد: «ما من أحد لديه شك، الناس تعتقد أن النظام يمكن أن يفعل أي شيء، فلا توقفه خطوط حمراء».

يرى مؤيدو الرئيس الأمور من منظور مختلف للغاية. فنظرية المؤامرة الكبرى التي يتحدث عنها النظام، والتي تتآمر فيها الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل ومن يصفونهم بـ«العملاء الرجعيين العرب تقودهم في ذلك قطر»، تذاع بصورة يومية في الإعلام الموالي للدولة. وتعتبر قناة «الدنيا»، المملوكة لشقيق زوجة ماهر الأسد، أكثر المحطات الفضائية شراسة. وعلاوة على سخريتها من قناة «الجزيرة»، اتهمتها بعقد مظاهرات مزيفة في استوديو كبير مشابه للمدن السورية. وقد أشار الرئيس في كلمته إلى 60 محطة تلفزيونية كجزء من هذه المؤامرة الكبيرة. ويبدو أن الأكاذيب الكبيرة مجدية، فيهاجم سائق تاكسي علوي أمير قطر ليؤكد: «لا توجد مظاهرات في سوريا، وإن وجدت فهي من أفراد تلقوا تمويلا وعصابات إرهابية». ولا عجب في أن العديد من السوريين يوبخون الصحافيين الأجانب القليلين الذين يسمح لهم بالدخول إلى البلاد وحثهم «على نقل الحقيقة كما هي».

يزعم الموالون للنظام الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام العالمية بدعم الإصلاح السياسي والحوار مع المعارضة السلمية. هؤلاء الأشخاص مثل بثينة شعبان مستشارة الأسد وجهاد مقدسي مدير الإعلام في وزارة الخارجية الذي يدخل في نقاشات على «تويتر» مع مؤيدي الانتفاضة. فحذر مقدسي من أن «الإطاحة بالرئيس ستجلب أخطارا لا حصر لها».

مع ذلك يؤكد قادة الأمن السوري النافذون، الذين تعذر الوصول إليهم للتعليق، وجود خطر كبير متمثل في المتطرفين السلفيين أو أفراد تنظيم القاعدة وهم نفس «المقاتلين الأجانب» الذين استخدمتهم المخابرات في العبور إلى العراق لمقاومة الأميركيين. وتقدم الصور التي تثير الغثيان والتي يظهر بها جثث مقطوعة الرأس أو مقتلعة العيون كدليل على وحشية هؤلاء الإرهابيين. ولا يزعم مؤيدو المعارضة أن هذه الصور مزيفة، لكنهم يصرون على أن النظام يتحمل المسؤولية كاملة عن العنف الذي تشهده البلاد. وقال رجل أعمال متشائم لكن لديه معارف كثيرون: بالنسبة إلى الأمن السوري فإن الحل الآن هو مواصلة القتل حتى ينتهي الوضع ثم انتظار حدوث بعض التغيير في موقف الغرب.

ويتهم مؤيدو الأسد المعارضة بالسذاجة ونسيان ما حدث في الثمانينيات التي شهدت الاغتيالات والتفجيرات التي نفذها الإخوان المسلمون والتي وصلت إلى الذروة بانتفاضة حماه التي قضى فيها 20 ألف شخص على الأقل على يد القوات التابعة للنظام، لكن هذا كان قبل 30 عاما، فمن الصعب أن يجدي هذا الحل الوحشي الأمني نفعا في عصر «يوتيوب» ومن غير المرجح أن يساعد في قمع الثورة. كذلك تطل الطائفية برأسها في الوقت الذي تحمل فيه المعارضة النظام مسؤولية إثارة التوتر بين العلويين، الذين يسيطرون على قوات الأمن، والأغلبية السنة. ومن السهل القيام بذلك في ظل المناخ العام الحالي. ويحكي مضر، وهو شاب ينتمي إلى العلويين ولديه علاقات مع أطراف رفيعة المستوى، عن ابن عمه الجندي الذي قُتل وتم التمثيل بجثته، ثم يضغط على مقطع مصور لرجل ذي لحية كثة يقطع رأس الضحية وهو يصرخ. وفي منطقة قريبة من الجامع الأموي، قالت امرأة تزور صديقا من المسلمين السنة إنها لم تجرؤ على العودة إلى منزلها بسيارة أجرة لخوفها من الاختطاف على يد سائق سني وتسليمها إلى من يقتلها مقابل المال. وهناك الكثير من المخاوف، ففي الربيع الماضي حثت مجموعة من العلويين البارزين الأسد على الاعتذار عن أعمال القمع وإجراء إصلاحات حقيقية لا شكلية. وحذر أحد القادة المعارضين القدامى قائلا: «يشعر العلويون بأن مصيرهم مرتبط بالأسد وهذا خطر». ومن الواضح أن الضغوط تتزايد، حيث يقال إن رجال الأعمال العلويين يقدمون رشى إلى المخابرات حتى لا يتم استخدام موظفيهم في المظاهرات المؤيدة لنظام الأسد. وحازت فدوى سليمان، وهي ممثلة تنتمي إلى الطائفة العلوية، على الإعجاب عندما أعلنت عن دعمها للثورة، لكنها تعرضت للتشهير من قبل أخيها على شاشة التلفزيون. كذلك يشعر المسيحيون، وهم عادة من مؤيدي النظام، بالقلق، خاصة من مشاركة السلفيين في الثورة وتحرص الكنائس على تأكيد الدعم الشعبي للأسد. ويرى البعض جانبا إيجابيا في الأمر، حيث تم تعيين داود راجح، المسيحي اليوناني الأرثوذكسي، رئيس أركان للجيش ربما في محاولة لضمان دعم المسيحيين.

من المؤشرات الأخرى على زيادة الأزمة السورية تعقيدا عدم قيام الدولة بمهامها على كما ينبغي. ويقول أحد الخبراء: «الانهيار بطيء». ويشعر قادة قوات الأمن بالقلق أيضا بسبب الرشى التي تُطلب في مقابل إطلاق سراح المحتجزين. ويقال إن الثوار اشتروا نصف الأسلحة من أفراد في الجيش، بينما يغض موظفو الجمارك الطرف عن شحنات الأسلحة القادمة من لبنان. وتستمر الشائعات عن تبادل إطلاق النار بين أفراد البوليس السري في عمليات سرية. كذلك يقال إن المسؤولين أتلفوا وثائق تكشف عن أموال جاءت بطريق غير شرعي بمكالمة من القصر الرئاسي. وازدادت أزمة سوريا الاقتصادية سوءا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبات انقطاع التيار الكهربائي لساعات يوميا أمرا معتادا. وتعتمد المتاجر في أكبر شوارع دمشق على مولدات كهرباء على الرصيف. وهناك نقص في البنزين نتيجة زيادة استهلاك قوات الأمن وكذلك زادت أسعار زيت التدفئة والطهي بشكل كبير.

النكتة التي توضح هذا تحكي عن شراء أبو فلان لدجاجة لطهيها على الغداء، فيطلب من زوجته طهيها، لكن تخبره زوجته بعدم وجود غاز، فيقترح وضعها في الميكرويف، فتخبره بانقطاع التيار الكهربائي، وهنا تصيح الدجاجة: «الله، سوريا، بشار وبس».

ولا يختلف الوضع كثيرا عن الوضع في ليبيا قبل إسقاط نظام القذافي وقتله، حيث تنتشر الدعاية بأن الشعب لا يحتاج بعد الله سوى معمر القذافي، فهل يمكن أن يمثل هذا فألا سيئا بالنسبة للأسد. لقد تمت السخرية من الرئيس لثنائه على جودة زيت الزيتون والقمح السوري، في إشارة إلى أوهام النظام عن الاكتفاء الذاتي. مع ذلك يتذمر المواطن العادي، ويبدو وضع الاقتصاد الكلي قاتما، حيث انهارت الاستثمارات الأجنبية والسياحة، فالفنادق شاغرة، وتحظر العقوبات الأميركية تقريبا التعاملات المالية الدولية مع سوريا. كذلك توقفت الأمم المتحدة عن شراء النفط من سوريا. ولم تعد بطاقات الائتمان تستخدم، وقيمة الجنيه السوري في تراجع مستمر. يدرك النظام المخاطر، لكن مساحة المناورات تنحسر شيئا فشيئا، حيث اعترض رجال الأعمال السنة على قراره بحظر استيراد السلع الفاخرة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتم التراجع عن القرار منذ بضعة أيام.

من المتوقع أن يؤثر ذلك على صحة المواطنين، حيث زادت إصابتهم بالأزمات القلبية وارتفاع ضغط الدم وأعراض التوتر الأخرى. ويجني الصيادلة الأرباح من بيع العقاقير المضادة للاكتئاب. منذ عامين حظرت الحكومة التدخين، مع ذلك ما زال الدخان يعبق الهيئات الحكومية والمقاهي والمطاعم، وزاد تناول الناس للمشروبات الكحولية. قال أحد الأصدقاء وهو يضحك: «ينصحك الأطباء بمشاهدة بعض الأفلام المصرية السخيفة.. كل شيء ما عدا الأخبار». ويعايش الكثيرون قمع أجهزة الدولة ويصفون تفاصيل عن الخلايا السرية والضرب والتعذيب. وبات من المعروف تعاون مستشاري الأمن الإيرانيين بخبرتهم الخبيثة في مراقبة الاتصالات وشرطة مكافحة الشغب. وتبدو دمشق مثل طهران عام 2009 خلال الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئيسية المطعون على نزاهتها. وقال خبير الاقتصاد راجا عبد الكريم: «ليس لدى من يتم اعتقالهم حساب على موقع فيس بوك. إنهم لا يهتمون بالممثلين والصحافيين والكتاب. إن تأثير صور المظاهرات والقتل أكبر من أي تعليق من أي شخص مثلي». وبكى أبو أحمد، وهو رجل في منتصف العمر فصل من وظيفته الحكومية وهو يروي أنه كان في جنازة مع زوجته وأبنائه في الميدان الذي شهد انفجارين انتحاريين عندما بدأ الشبيحة في إطلاق النار.

لا ينقل إعلام الدولة إلا أخبارا عن «شهداء» أفراد الأمن أو مؤيدي النظام، بينما يتم تسليم الجثث إلى الأهالي وعليها آثار التعذيب بوضوح. وكتبت رزان غزاوي على موقع «تويتر»: «ربما يعد أسوأ انتهاك لحقوق الإنسان ارتكبه النظام ضد الشعب السوري هو عدم منحهم الوقت الكافي للحداد على كل شهيد والحزن عليه».

ولا يشعر معارضون للأسد بارتياح من اتجاه الثورة التي بدأت سلمية نحو طريق الثورة المسلحة. من المتوقع أن تزداد وتيرة العنف في ظل تزايد عدد أفراد الجيش السوري الحر، الذي يتكون من ضباط منشقين عن الجيش السوري. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين: «إذا استمر إطلاق النار على الناس لأشهر، لا تفاجأ إذا بدأوا يردون بإطلاق النيران».

بوجه عام، تبدو الانشقاقات في سوريا في ازدياد. ويقول بدر، المعلم: «خلال الأشهر العشرة الأخيرة، اتخذ الملايين موقفا وسطا، لكن الأسد لا يترك لنا خيارا». وهناك نكتة أخرى عن مواطنين منعوا من ارتداء ملابس رمادية اللون، بل فقط الملابس السوداء أو البيضاء. لا يمكن لأحد أن يتوقع إلى متى ستستمر الانتفاضة.

من جانب المعارضة، تخفت قوة التفاؤل بإدراكهم أن ميزان القوى ليس في صالحهم على المدى القصير، ومن غير المرجح أن يتغير سريعا إلا إذا حدث تدخل عسكري أجنبي مثلما حدث في ليبيا وهو ما يستبعده الكثيرون. وكتب أحد مؤيدي الثورة على «تويتر»: «مستقبلنا في أيدينا وإلا فلن يكون لنا أي مستقبل».

قال لؤي حسين، وهو كاتب مستقل ومفكر ينتمي للطائفة العلوية: «لقد وصلت الأزمة إلى طريق مسدود، فكل المؤشرات تتجه نحو نشوب حرب أهلية نهايتها مفتوحة. ما زال الأسد يحظى بقدر كبير من الدعم. إن الأمر لا يتعلق فقط بالقمع».

ويتبنى الخبير الاقتصادي عبد الكريم رؤية، حيث يقول: «لا يساورني أي شك في سقوط النظام. وتكمن المشكلة في أنه كلما طالت مدة بقائه، زادت قوة الإسلاميين. سوف يحصل هؤلاء الذين يدعمون العنف على الأرضية. إنها مسألة وقت وتكلفة، إن الوقت يقل، لكن الثمن يرتفع».

وتتفق منى غانم من «حركة بناء الدولة السورية»، وهي واحدة من المؤسسات القليلة التي لا تهدف للربح، تماما مع هذا التحليل المتشائم. وتقول: «نحن سعداء بالتغيير، حيث كنا نعتقد أن التغيير لن يأتي أبدا إلى سوريا. مع ذلك نخشى من ثمنه».

* بالاتفاق مع «الغارديان» البريطانية