طوارئ في الهند بسبب نزاع حول سن قائد الجيش

الجنرال يقاضي الحكومة على خلفية خطأ في تاريخ الميلاد يترتب عليه تاريخ التنحي

الجنرال كومار سينغ
TT

من المؤكد أن الجيش الهندي لديه من الكثير ما يشغله، فإلى الشمال الشرقي من الهند تقع الصين، التي توسع من وجودها العسكري على الحدود بشكل متسارع ودونما صخب، وإلى الشمال الغربي تقع باكستان النووية، التي خاضت ثلاث حروب مع الهند وتعاني في الوقت الراهن من اضطراب سياسي.

بيد أن الجيش الهندي دخل في خلاف علني حاد لعدة أسابيع، ليس بشأن إحدى قضايا الأمن الوطني بل بسبب تاريخ ميلاد قائده. فقائد الجيش الجنرال فيجاي كومار سينغ، خلال أحداث هذه الدراما التي دشنت سجالا عاطفيا في برامج تلفزيونية حوارية وإدانة في افتتاحيات الصحف، يصر على أنه مولود في 10 مايو (أيار) 1951، إلا أن الحكومة الهندية تصر من جانبها على أنه ولد في 10 مايو 1950.

والإجابة عن هذا النزاع ربما تحسم مصير الجنرال سينغ في التقاعد في مايو المقبل، أو بعد ذلك بعشرة أشهر، بحسب القواعد العسكرية التي تنص على ضرورة تنحي قائد الجيش بعد ثلاث سنوات من توليه المنصب أو مع عيد ميلاده الثاني والستين، أيهما كان أولا.

وألقى هذا الجدل بظلاله على جدول الخلافة الزمنية لقيادة الجيش الهندي، عندما بلغ الخلاف ذروته يوم الاثنين مع نقل الجنرال سينغ بصورة غير متوقعة الأمر إلى المحكمة العليا الهندية. وقد قدم سينغ التماسا إلى المحكمة يطلب من القضاء تحديد السنة التي ولد فيها. وقال بونيت بالي أحد المحامين المشاركين في هيئة الدفاع عن الجنرال: «القضية كلها تتعلق بالكرامة والنزاهة والشرف».

إنها قصة عن الكبرياء والعمل المكتبي والشرف والغطرسة (والأخطاء المطبعية) التي أصبحت مثار حرج لوزارة الدفاع الهندية والجيش البالغ قوامه 1.3 مليون جندي. وقد ألقى بعض المنتقدين باللائمة على الوزير لسوء التعامل مع القضية، في الوقت الذي ألقى فيه آخرون باللائمة على الجنرال سينغ في متابعة هذه المسألة كسبيل لتمديد فترة ولايته في هذا المنصب.

وخلق الموقف مظهرا غير مريح لقيادة الجيش الهندي الذي يستعد للقتال ضد قيادته المدنية. كما خلق بعض المظاهر السياسية المثيرة للفزع. وقد استضاف الجنرال سينغ يوم الأحد رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ ووزير الدفاع إيه كيه أنتوني للاحتفال بالذكرى الرابعة والستين لتشكيل الجيش الهندي، لكنه في اليوم التالي لجأ إلى المحكمة العليا لمقاضاة الحكومة.

وقال أشوك مهتا، الجنرال الذي انتقد تصرفات الجنرال سينغ: «كان هناك عامل مفاجأة. أحد مبادئ الحرب هو الخداع، وأعتقد أنه ترك الناس يعتقدون أنه لا ينوي فعليا الذهاب إلى المحكمة».

وتؤثر هذه القضية عمليا على جدول تغييرات القيادة داخل قيادة الجيش الهندي. وقد تولى الجنرال سينغ، الذي عمل بتميز في حرب عام 1971 ضد باكستان، قيادة الجيش في 31 مارس (آذار) 2010. ووفق هذا الجدول الزمني يتوقع أن يتنحى في مايو المقبل، بناء على تاريخ ميلاده الذي ذكرته الحكومة. بيد أن زعم الجنرال سينغ بأنه أصغر، إذا ما تمسك به، قد يمكنه من البقاء في منصبه واستكمال رئاسته لقيادة الجيش لمدة ثلاث سنوات.

وفي واحد من تصريحاته العامة القليلة نفى الجنرال سينغ الاتهامات التي وجهت إليه بأنه يحاول التشبث بمنصبه وأنكر أنه يصارع مع وزارة الدفاع. وقد صرح الجنرال سينغ مؤخرا لقناة «إن دي تي في» الإخبارية: «أنا لا أفعل ذلك من أجل مكاسب شخصية».

ورغم كل الصخب الإعلامي للدعوى التي رفعها قائد الجيش ضد الحكومة التي أقسم بالدفاع عنها، فإن القضية تعكس أيضا واحدا من أخطر مظاهر الحياة الهندية: جبال الأوراق التي تتطلبها البيروقراطية الهندية. بيد أن الأمر لم يتضح بعد بشكل قاطع، كيف ومتى وسبب تضارب التواريخ. وفي الوقت الذي بدأ فيه الجنرال في الصعود بين الصفوف، كان له تاريخا ميلاد مسجلان في سجلات الجيش. فيدرج سجل الجنرال تاريخ ميلاده على أنه 1951، فيما يحدد فرع السكرتارية العسكرية تاريخ ميلاده بعام 1950، وقد حدث خطأ مطبعي في مكان ما.

ويبدو أن الجنرال نفسه بدا متقبلا تاريخ 1950 في اللحظات الحرجة في تاريخه، ففي آخر ثلاث ترقيات له والتي بلغت ذروتها عام 2010 كقائد للجيش، أدرج تاريخ ميلاده على أنه عام 1950 في السجلات الرسمية. لكن الجنرال سينغ أكد أنه تعرض لضغوط لقبول هذا التاريخ الخاطئ، بحسب ما ذكرته الروايات الإعلامية الهندية. وقد تقدم الجنرال العام الماضي بشكوى إدارية، يطلب فيها تعديل تاريخ ميلاده إلى عام 1951، لكن الطلب ظل موضوعا في الأدراج إلى أن أصدرت وزارة الدفاع الهندية قرارها النهائي بالرفض.

ومع تصاعد الجدل خلال الأشهر القليلة الماضية، حاولت القيادة السياسية الهندية بث الطمأنينة في نفوس الهنود، مؤكدة لهم أن الموقف لم يكن ليقوض من جهوزية القوات الهندية. وقد أثنى وزير الدفاع، أنتوني، على سينغ كقائد للجيش بشكل علني. فيما قال وزراء آخرون في الحكومة إنهم لا يعتقدون أن الجنرال سينغ يحاول إساءة تفسير تاريخ ميلاده. بيد أنهم قالوا إن الحكومة الهندية عندما رشحته لهذا المنصب كقائد للجيش قامت بذلك بناء على أنه من مواليد عام 1950، وهو ما يعني أنه لم يكن يتوقع أن يستمر في مهنته لثلاث سنوات كاملة.

ويقول سلمان خورشيد، وزير القانون في الحكومة الهندية لوسائل الإعلام الهندية: «القانون هو القانون». ويمكن للمحكمة العليا أن ترفض قبول التماس الجنرال سينغ، ومن ثم لن تستطيع الحكم أو التدخل في المسألة. وقد تعقد المحكمة جلسة استماع كاملة لتمكن الجنرال من تقديم أدلة تدعم زعمه بأنه ولد عام 1951. ويرى الكثير من قادة الجيش المتقاعدين المشهد مثبطا للهمة بشكل كبير. وألقى الكثير منهم باللائمة على وزارة الدفاع لعدم تصحيح المشكلة قبل عام. ومن ناحية أخرى واجه الجنرال سينغ انتقادات قاسية، حيث ألقى البعض عليه اللوم لتقصيره في الامتثال للروح العسكرية التي تضع المصلحة العامة قبل المصلحة الذاتية.

وقال يوداي بهاسكار، قائد البحرية الهندية المتقاعد: «ربما كان مصيبا من الناحية الإجرائية، لكن ما فعله يعد تقليلا من شأن المؤسسة وتشويها للفرد».

- شارك هاري كومار في كتابة التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»