منصور حسن: لن أترشح للرئاسة.. والجيش لن يحصل على امتيازات في الدستور الجديد

رئيس المجلس الاستشاري المصري في حوار مع «الشرق الأوسط»: ليس غريبا غياب الديمقراطية في المرحلة الانتقالية وانسحاب البرادعي لا يليق

منصور حسن رئيس المجلس الاستشاري المصري (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

في جلسة استمرت أكثر من ساعتين، وفي شقته الأنيقة المطلة على نيل القاهرة الساحر، المزدانة بتماثيل ولوحات تشكيلية لكبار الفنانين، بحي الزمالك الراقي، فتح رئيس المجلس الاستشاري المصري، منصور حسن، قلبه لـ«الشرق الأوسط» في حوار موسع، تناول مجمل الأوضاع السياسية في مصر، والمخاوف التي تحيط بمستقبلها، خاصة على المستوى الاقتصادي، وموقف المجلس العسكري (الحاكم) في البلاد، وكيفية إدارته للفترة الانتقالية، وعزمه على تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب في منتصف العام الحالي.

تحدث منصور حسن عن كيفية ولادة المجلس الاستشاري ودوره والمهام المنوطة به، وكشف عن كواليس انسحاب الإخوان المسلمين منه، ولفت إلى أن المجلس العسكري لم يكن معدا لإدارة البلاد، وأن المهمة أوكلت إليه في ليلة واحدة، وأنه مع تعقد الأمور على كاهله شعر بأن هناك ضرورة لمجلس مشترك مع بعض المدنيين لمواجهة الرأي العام.

وتطرق رئيس المجلس الاستشاري إلى وضع الدستور الجديد، وقال إن المجلس أعد قانون إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية الذي سيعلن عنه قريبا. وكشف عن إمكانية أن يعدل الدستور الجديد من شرط جنسية الزوجة، ويسمح بأن تكون ذات جنسية عربية، وليست أجنبية. وأكد منصور حسن أن وضع الجيش في الدستور الجديد لن يتغير، وتوقع أن يعلن المشير طنطاوي في خطابه المرتقب في افتتاح البرلمان الجديد إنهاء حالة الطوارئ في البلاد.

حذر منصور حسن من شكوك عميقة تعيشها مصر في هذه المرحلة، مشيرا إلى أنها راجعة إلى «عهود حكم طويلة، لم تكن تفصح للشعب بما هو حقيقي». كما استهجن ما يقال عن خروج آمن «للمجلس العسكري»، مؤكدا أن «الجيش هو شرفنا» و«لا يوجد جيش سيواجه العدو في يوم من الأيام يُهان في بلده».

وقال منصور حسن: «كنت مرشحا جنبا لجنب مع الجنزوري لمنصب رئيس الوزراء وحينما طلب المجلس العسكري قراري برئاسة المشير طنطاوي، قلت لهم: الجنزوري هو أفضل اختيار». وأكد رئيس المجلس الاستشاري بشكل حازم عدم ترشحه لمنصب الرئاسة، مجددا دعوته لشباب الثورة للانضواء تحت راية حزب سياسي يحمل اسم «حزب 25 يناير»، وأكد أنه يشرفه أن يدعم هذا الحزب بالمشورة والخبرة.. وتطرق الحوار إلى قضايا أخرى، كما تطرق لعلاقته بالرئيس الراحل أنور السادات، وأسباب كره الرئيس السابق حسني مبارك له.. وفيما يلي نص الحوار:

* ما حكاية المجلس الاستشاري، خاصة أن مولده أحاط به الكثير من الشائعات وجاء في لحظة عصيبة، في خضم أحداث العنف في شارع محمد محمود، وإصرار الجيش على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، وتصور البعض أن المجلس العسكري يحتاج إلى جهة أو كيان يخفف عنه الصدمات العنيفة التي يتلقاها.. كيف ترى ذلك؟

- هناك عاملان أساسيان في هذه الحكاية، فخلال الفترة السابقة (نحو 8 أشهر ماضية) تبين للمجلس العسكري (واعترف لاحقا بذلك) أنه لم يكن معدا سياسيا لهذه المهمة، خاصة أن المدنيين أنفسهم كانوا مقصيين عن الحياة السياسية في العهد السابق، فما بالنا بالعسكريين الذين ألقي عليهم الحكم في ليلة واحدة، وبدأوا يشعرون بأنهم يحتاجون مجلسا مشتركا مع بعض المدنيين لمواجهة الرأي العام، بل إن البعض ذهب إلى تكوين مجلس رئاسي يكون بديلا عن العسكري! لكن هذين الاقتراحين يحتاجان إلى تعديل في الإعلان الدستوري، فكان الحل الوسط أن يكون هناك مجلس استشاري من المدنيين يعطون له النصيحة بصفة دورية دون إجراء تعديل على الإعلان الدستوري.

* ما المهام الأساسية للمجلس الاستشاري؟

- أولا: أن يشير على المجلس العسكري فيما يعرضه عليه من مواضيع، ثانيا: أن نرفع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ما نراه من مواضيع تهم الرأي العام.

* وما أهم هذه المشاريع التي صادقتم عليها بالفعل؟

- أهمها قانون إجراء انتخاب رئيس الجمهورية، الذي سيعلن عنه قريبا، وأرسل للمجلس العسكري، وحاليا يطلع عليه مجلس الدولة.

* ما أبرز ما تضمنه مشروع هذا القانون؟ خاصة أن هناك دعوات تطالب بفتح باب الترشح مبكرا (أبريل)، ومن ثم تسليم السلطة مبكرا.

- كل شيء بداية من سن المرشح وفترة الترشح وغيرها من التفاصيل التي ينتظر الناس معرفتها، والتاريخ المحدد بشكل نهائي لفتح باب الترشح أو الانتخاب، هو يونيو (حزيران)، وتسليم السلطة مدنيا في الأول من يوليو بلا جدال.

* وماذا عن شرط جنسية زوجة رئيس الجمهورية، التي أثير حولها جدل في الفترة الأخيرة، خاصة أن سوزان مبارك كانت تحمل الجنسية البريطانية، وبالتبعية أبناء مبارك؛ جمال وعلاء؟

- أتمنى عند وضع الدستور أن يكون شرط جنسية الزوجة يسمح بأن تكون ذات جنسية عربية وليست أجنبية إذا لم تكن مصرية، وأقول إن الزوجات العربيات يؤتمن تماما على المصلحة المصرية، وفي الفترة الماضية كان العرب يشعرون بخذلان مصر لهم، لكن بعد الثورة كل الشوارع العربية احتفلت بالثورة المصرية.. لكن حاليا لم يرد هذا النص في مشروع القانون الجديد.

* ما كواليس انسحاب الإخوان المسلمين من عضوية المجلس الاستشاري، خاصة أنهم خرجوا يقولون إن هذا الانسحاب إعلاء لإرادة الشعب التي يريد المجلس أن يتلاعب بها؟

- الإخوان المسلمون لم يكونوا أعضاء في المجلس الاستشاري ثم انسحبوا، هم كانوا موجودين عند بداية فكرة تأسيس المجلس، خاصة في وجود د. محمد مرسي، وعند تشكيل المجلس الاستشاري، كان أحد قيادات المجلس العسكري قد أعطى تصريحا يوحي بإمكانية أن يلعب المجلس الاستشاري دورا في وضع إجراءات لجنة الدستور، مما أدى لإثارة شكوك «الإخوان»، وأن أي محاولة للاقتراب من مجلس الشعب هي محاولة للانتقاص من شأنهم، وتخوفوا أن يفرض المجلس العسكري إرادته عليه، وقلت وقتها إذا كان الشعب ائتمنهم على مصلحته بترشيحهم بأغلبية في البرلمان لمدة السنوات الأربع المقبلة، فكيف لا يؤتمنون على تكوين لجنة الدستور، وخرجت وقلت: لن نقترب كمجلس استشاري من لجنة تعديل الدستور من قريب أو بعيد.

* لكن، هناك مخاوف من سيطرة الإسلاميين على لجنة وضع الدستور.

- من ناحيتنا، أكدنا أن لجنة الدستور لا يمكن أن يسيطر عليها حزب واحد، ويجب أن تكون ممثلة من كل أطياف الشعب، وأنا على اتصال بهم من خلال لجنة التوافق، وليس هناك أزمة في تعاطيهم مع هذا الأمر. وأكدت لهم أن لجنة وضع الدستور ستثمل من جميع أطياف الشعب ولن تمثل من تيار واحد. هناك مفاهيم أساسية لا بد أن يتفق عليها الجميع في وضع الدستور، ومن هنا جاءت وثيقة السلمي والأزهر، لكن «الإخوان» رفضوها، وقالوا عليها «استشارية» وليست «ملزمة»، وتمسكوا بلجنة المائة.

* لكن هناك مخاوف من أن تطغى الأغلبية الإسلامية في البرلمان على لجنة صياغة الدستور، كما أن هناك أحزابا وقوى غير ممثلة في البرلمان ستحرم من التمثيل في اللجنة.

- مجلس الشعب والشورى سيكونان لجنة من مائة شخصية من أعضاء المجلسين ومن خارج الأعضاء؛ سواء كانوا من الأحزاب التي لم تدخل البرلمان أو النخبة السياسية العامة، ثم من قال إن المقبلين من خارج البرلمان سيكونون بالضرورة إسلاميين؟ لن يحدث، و«الإخوان» أنفسهم قالوا إنهم لا يريدون أن يسيطر على لجنة المائة المنوط بها وضع الدستور تيار واحد، وهم يراجعون في ذلك إذا ما لم ينفذوه، ولست أنا من يراجعهم، كما أنهم لديهم فصيل عقلاني ومعتدل يحتاج للفرصة لإثبات صحة ما يقولون.

* هل تتوقعون أن يتم الانتهاء من الدستور قبل انتخابات الرئاسة؟

- الدستور كان محددا له 6 أشهر لتكوين اللجنة، و6 أشهر أخرى لوضعه، وهذه كانت فترة طويلة جدا، ولكن أخيرا ضغطنا مرحلة الانتخابات، وبالتالي فترة وضع الدستور قلت أيضا، هما إذن شهران فقط، وأعتقد أنهما كافيان تماما، خاصة في ظل أننا نملك كوكبة من أحسن خبراء الدساتير في العالم العربي، بالإضافة إلى الدساتير المصرية القديمة ووجود الإنترنت. لذلك أعتقد أن وضع الدستور لن يأخذ مدة كبيرة. المهم فقط أن لا يسيطر على بعض أعضاء اللجنة التي ستشكل «شهوة الكلام»، حتى لا يضيعوا المزيد من الوقت، وهذا أمر فادح في العملية السياسية.

* وماذا عن توقعاتكم للمادة الثانية من الدستور، التي لا تزال تثير خلافات؟

- المادة التي من الممكن أن تكون خلافية هي المادة الثانية من الدستور، ولكن الأنبا شنودة والأقباط أعلنوا بكل سماحة أنهم يرحبون بها ولا يريدون تغييرها، مع الأخذ في الاعتبار شرائعهم في القضايا الخاصة، هي نقطة محلولة ولا خلاف عليها.

* لكن «الإخوان» رفضوا طلبكم بزيادة تمثيل شباب الثورة من 10 إلى 20 شخصا داخل البرلمان.

- طالبت بإضافة 20 شابا من شباب الثورة إلى البرلمان، وليس 10 فقط، لأنهم لم يمثلوا بالقدر الكافي في المجلس من خلال الانتخابات، والمجلس العسكري وافق تقريبا، لكن «الإخوان» رفضوا بسبب اعتقادهم أن هذا العدد لتعديل النسب داخل المجلس. وهنا أتساءل مندهشا: كيف ذلك وأنتم وبقية التيار الإسلامي حاصلون على نحو 70 في المائة من مقاعد البرلمان، ولقد قلت لهم بناء على ذلك التخوف إنني أقترح أن يقتسم كل حزب في مجلس الشعب العشرين شابا حتى لا يكونوا كتلة قائمة بذاتها داخل البرلمان.

* بمناسبة الشك الذي أشرت إليه، وهو أيضا منهج في التفكير والوصول للحقيقة.. في رأيك: هل الخريطة السياسية في مصر أصبحت صرعى لشكوك عميقة، تنذر بالخطر، وتهدد أي عمل مشترك ينهض بحياة المصريين، خاصة إذا ما اقترن الشك بالفوضى؟

- بالفعل هناك شكوك عميقة تعيشها مصر في هذه المرحلة، وللأسف البلد حاليا ممتلئة بالشكوك بشكل لا يتصوره عقل، وهذه الشكوك راجعة إلى عهود حكم طويلة، لم تكن تفصح للشعب بما هو حقيقي، وكان على الشعب أن يستخدم فراسته للتأكد من صحة ما يقال له، وهذا الأمر كوّن عملية الشك عند الشعب المصري وأصّلها، حتى لو قلت له اليقين فلن يصدق تماما. والدليل كل الشكوك المثارة حول بقاء المجلس العسكري في السلطة، ويتساءل المصريون: «مفيش حد عسكري وصل للكرسي ورحل عنه بإرادته»، ومهما أكدت وأقسمت، بل فتحت باب الترشيح لانتخاب رئيس الجمهورية المدني فالناس غير مصدقة كذلك! لكن في النهاية سيتأكد الناس من الحقيقة في وقت لاحق، فمن أهم نتائج ثورة 25 يناير أن الشعب المصري نفسه تغير، فلقد كان قبل 25 يناير بكل أسف، خانعا، وجبانا، ومنافقا، لأنه كان يعيش في ظل قهر لمدة قاربت 60 عاما، لكن عندما فتحت الأجواء أمامه، وقف بقوة، وهذا درس سيعلم السياسيين المقبلين أن عليهم الالتزام ليس فقط بحكم القانون، بل أيضا خوفا من الرأي العام، من «الشعب»، وهذا ما يواجهه الساسة الأوروبيون كذلك.

* على ضوء ذلك، هل تتفق معنا في أن كسر حالة الخوف هي أهم منجزات ثورة 25 يناير، وأن كسر هذا الحائط الصلد سيقود لاحقا إلى أن يتسلح المجتمع بوعي نقدي إيجابي؟

- صحيح تماما والشعب حقق انتصاره في المرحلة الأولى ما بعد الثورة، والآن هناك مبالغة في التعبير عن الرأي، لكن بعد فترة ستهدأ الأمور وسيستطيع الشعب المصري التمييز ما بين هو مهم وما هو غير مهم، بين ما هو غث وما هو ثمين. فلقد وصلت الأمور عندنا أن ميدان التحرير أصبح يشهد في اليوم الواحد أكثر من مليونية وأكثر من منصة للتعبير عن الرأي، والمليونية شيء عظيم ولكن أسيء استخدامها في الفترة الأخيرة، حيث يجب أن يحتفظ بها كقوة ضاغطة في موقف مهم للغاية، ويكون الطلب فيها واحدا، والشعب مجمعا على هذا الطلب، ولكن ما غير ذلك هو من قبيل الفوضى، فنحن بكل أسف لا نؤمن بالانضباط، فعلى الرغم من طبيعة شعبنا السمحة التي تعد صفة خاصة، فإنها للأسف انعكست عليه في ارتباطه بالسلطة المركزية منذ أيام الفراعنة، فصار يعطي حاكمه أكثر من فرصة، ولو أعطى له الحاكم 10 في المائة مما يأمل يكون راضيا، لكن هذا لا يعني أن يترك الشعب بكل هذا الإهمال واللامبالاة التي عاشها في العقود الماضية.

* جرى الحديث في الإعلام المصري مؤخرا، وبين النخب السياسية، عن فكرة الخروج الآمن للجيش والمطالبة ببعض الضمانات لقادة المجلس العسكري لحمايتهم لاحقا من المساءلة القانونية فيما ارتكب من أخطاء أثناء فترة توليهم أمور الحكم في البلاد.

- عيب، عيب.. عيب، هذا ما أقوله.. لا بد أن يكون خروجا مشرفا ونحتفل بهم كذلك، فأنا أعترف وهم يعترفون أنه حدثت أخطاء، كما أني لا أؤمن بالفصل ما بين المجلس العسكري والجيش. وللأسف هذا الفصل الذي يروج له بعض الساسة، أصبح بابا أرادوا من خلاله «سب وشتم» المجلس العسكري، لكن المجلس العسكري والجيش كيان واحد وإذا كان هناك من يمتلك دليلا على ارتكاب أحدهم خطأ ما فليتقدم به للقانون، وحينما ينتقدون فيجب أن يكون النقد في إطار من الموضوعية والاحترام الذي يليق بمعزة الجيش المصري في قلوب المصريين، ولا يجب أن ننسى هزيمة 67 التي نزلنا فيها الشوارع «حفاة» نبكي بحرقة على الجيش والهزيمة، وعندما انتصروا في 73 رفعوا رأسنا للسماء، الجيش هو شرفنا وقيمة غالية علينا، بالإضافة إلى أنه من سيواجه العدو قريبا أو بعيدا، ولا يوجد جيش سيواجه العدو في يوم من الأيام «يهان» في بلده.. ما حدث ضد الجيش للأسف كان انفلاتا أخلاقيا، وأتذكر قبل الثورة أنه لم يكن يخطر على بال أحد أن يسب أو يشتم أحد في السلطة! المجلس العسكري ناس بسطاء، وهم فعلا جادون في تسليم السلطة، لا أشك في هذا، المشير طنطاوي يريد أن يكون عضوا في مجلس الشورى وأول جلسة في مجلس الشعب المقبل أعتقد أنه سيعلن إلغاء قانون الطوارئ.

* ألم يطلب الجيش فعليا ضمانات وامتيازات خاصة تحفظ له استقلاليته، قد تضاف إلى الدستور الجديد؟

- وضع الجيش في الدستور الجديد لن يكون أكثر من دستور 71، ومنذ ستة أشهر خرج البعض ليقول: نريد أن نعطي للجيش وضعا خاصا لكي يكون حاميا للنظام المدني، ولقد عارضت ذلك علانية في تصريحات سابقة، وهذه الفكرة تعود إلى محاولة تقليد نظام الحكم التركي، لكن الوضع ما بيننا وبين تركيا مختلف، لأن كمال أتاتورك كان يريد فرض نظام ثقافي ومدني مختلف، وبالفعل غير اللغة والزي على سبيل المثال، وكان يريد في المقابل قوة تساعده على فرض هذا النظام حتى يتأكد في نفوس الناس، لكن نحن ليس لدينا هذه الإشكالية، وبالتالي لا يجب أن يكون هناك وضع خاص للجيش، وبعد انتهاء مهمته يجب أن يعود إلى ثكناته والشعب هو المسؤول عن حماية النظام، وبعد ثورة 25 يناير؛ هل يعقل أن لا نحمي السلطة المدنية؟!

* لكن الجيش ارتكب أخطاء واضحة.

- الحكم في تعريفاته الشعبية البسيطة «سياسة وعصا»، ولقد لمت عليهم لأنه لم يكن لديهم الحزم الكافي في مواجهة العناصر المشاغبة، فالسياسة تستخدم مع العناصر السوية، والعصا تستخدم مع المشاغبين، ولكن عقيدتهم كجيش أن لا يصطدموا بالشعب، وكانوا يتصورون أنهم قادرون على إرضاء الجميع بالسياسة، وهذا في علم السياسة ليس صحيحا.

* تتردد تحليلات سياسية لها علاقة بفرضية تحول مصر إلى باكستان أخرى، خاصة مع تنامي المد الإسلامي وسيطرته على البرلمان.

- النموذج الباكستاني لا يصلح لنا بالمرة، لأنه يحتاج إلى قوى أجنبية تخطط للنظام، ماذا سيكون، وكذلك قوة داخل الجيش تكون قابلة لتنفيذ هذه المخططات ولها طموح في السلطة، وهذا غير وارد عندنا بالمرة، لأن أميركا لا يمكنها أن تفرض علينا نظاما معينا، ولا الجيش مستعد أن يقبل ما تريده أميركا وليس له طموح سياسي.

* يرى البعض أن هناك خطأين أساسيين وقع فيهما المجلس العسكري؛ الأول: ربط التعديلات الدستورية بتعطيل الدستور وإعلان ميثاق دستوري مستقل، وكان يمكن أن تضاف هذه التعديلات للدستور، ويصبح دستورا مؤقتا يحكم الفترة الانتقالية دون الدخول في جدلية الدستور أولا أم الانتخابات. والخطأ الثاني هو فتح باب تكوين الأحزاب على مصراعيه، في حين أن ثمرة الثورة لم تنضج بعد، وقوتها لم تزل مبعثرة في الشوارع والميادين.. كيف ترى ذلك؟

- أنا أول من نادى بهذا الرأي، ولو تم الأخذ به ما كنا وصلنا من مرحلة الثورة إلى الوضع الرديء الآن. المجلس العسكري قال إنه يريد تعديلات دستورية لفترة 6 أشهر فقط، ولكننا بعد ما تخلصنا من إشكالية ترشيح رئيس الجمهورية المقبل، في هذه اللحظة دخلنا في مفترق، وكان يمكننا العيش بهذا الدستور (دستور 71) في المرحلة الانتقالية لحين استقرار الأوضاع، وإذا كان لا بد من الانتخابات كان من الممكن إجراء انتخابات فئوية وليست سياسية، ولكن الذي حدث أن مجموعة من المستشارين السياسيين قالوا: لا، نريد دستورا جديدا مع العهد الجديد والدستور القديم لا يصلح، والبديل أن نذهب إلى انتخابات مجلس الشعب والشورى وهذان المجلسان يكونان لجنة المائة التي ستضع الدستور لاحقا، وبعد هذا المقترح حدث نزاع ما بين النخبة السياسية حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا؟ ووصل الخلاف إلى الاحتدام وكان سيهدد بحرب أهلية! وكان منطقهم أن الاستفتاء حصل على أغلبية لصالح الانتخابات، والبعض فقد عقله وقال إن من يريد الدستور أولا هم من «شياطين الأنس»! لكن الديمقراطية لا تقتضي فقط أن يكون هناك أغلبية لتيار معين، بل تقتضي أن تأخذ هذه الأغلبية بيد الأقلية وتشركها في العملية السياسية.

أما وضع الأحزاب فكان لا بد أن يحدث ذلك، وحينما فتح باب تكوين الأحزاب تكون ما يقارب الخمسين حزبا، واليوم يوجد منهم فعليا على الساحة أقل من عشرة أحزاب، وبالتدريج ستختفي أحزاب وتظهر أخرى. تكوين الأحزاب جاء بعد الثورة بهذه القوة والزخم شأن كل شيء كنا محرومين منه في عهد مبارك، فلقد كان الحزب الوطني المنحل أيام مبارك هو من يحدد من سيكون منافسا له، لقد كان شيئا مخجلا أن يذهب البعض إلى مجلس الدولة لتأسيس أحزابهم، وتظل الموافقة عليها حبيسة الإدراج لمدة 15 عاما متواصلة، وفي النهاية لا يحصلون عليها!

* أليس من الغريب أن يكون الشباب الذين قاموا بالثورة وضحوا من أجلها خارج المشهد السياسي برمته، ولم تحتضنهم القوى السياسية، على الرغم من أنهم استفادوا منهم كقوى ضاغطة في الشارع المصري بعد أن خرج الملايين وراءهم في الثورة؟ هل ما زلت عند دعوتك التي أطلقتها لانضواء شباب الثورة تحت مظلة حزب سياسي باسمهم، يحفظ لهم قوتهم ويلم شتاتهم؟

- الإشكال راجع إلى شباب الثورة أنفسهم، وهذا راجع لقلة خبرتهم السياسية، وهو ما سهل تفتيتهم ما بين أحزاب وائتلافات، ولقد اقترحت عليهم أن ينشئوا حزبا اسمه «2 يناير»، يجمعهم كلهم ككيان واحد، وكان عندي استعداد تام لكي أساعدهم فيه وأكون مستشارا لهم، وكان هذا هو الحزب الوحيد الذي كنت على استعداد أن أنتمي إليه، بعد أن تركت الحياة الحزبية على مدار ثلاثين عاما، لكنهم لم يستجيبوا وقالوا لي إنهم منقسمون ومختلفون فيما بينهم، وحتى الآن أقول لهم مكانكم «فارغ» على الساحة السياسية، وكان لديهم فرصة ذهبية لتكوين أكبر حزب سياسي من نوعه، وما زلت مستعدا لدعم تشكيل هذا الحزب، وهم من سيتولى رئاسته، ودوري هو المشورة والمساعدة.

* كيف استقبلت انسحاب البرادعي من سباق الترشح لرئاسة الجمهورية، خاصة مع إعلانه أن أسباب الانسحاب لها علاقة بعدم رضاه عن إدارة العملية السياسية في البلاد حاليا.

- دكتور البرادعي رجل سياسي من الطراز الأول، لكن انسحابه لأن الوضع الحالي يراه بلا ديمقراطية، أقول له: ليس غريبا أن تكون المرحلة الانتقالية غير ديمقراطية، وكنت أتمنى أن يظل في سباق الترشح لرئاسة الجمهورية حتى يصل إلى منصب الجمهورية ويحقق الديمقراطية التي يريدها ونحن كذلك، لكن الانسحاب لا يحقق هذه الديمقراطية.

* البعض تحفظ على توقيت الانسحاب قبل أيام من الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، خاصة أن البرادعي لديه شعبية كبيرة في صفوف شباب الثورة.

- توقيت الانسحاب والأسلوب لم يكن يليق بالبرادعي، لأن الحالة التي تعيشها مصر لا تحتمل أن ينسحب البرادعي بكل الزخم الذي يمثله للشباب، وأتذكر أنهم خرجوا له في المطار عند وصوله لمصر بعدد قارب ألفي شاب، ووصوله لمصر كان في توقيت مهم وحساس جدا سياسيا، لكنه ترك ذلك كله بمجرد استقالته.

* ترددت شائعات عن ترشيح المجلس العسكري وقوى حزبية لك في منصب رئيس الجمهورية، كما أن هناك حملات ترشيح بالفعل بدأت في بلدة «أبو كبير» بمحافظة الشرقية لدعمك.

- لن أرشح نفسي للرئاسة، وحملة أبو كبير لتأييدي، لأنها بلدي ومسقط رأسي وهم يحبونني كشخص لا أكثر ولا أقل، وأنا لا أتبع أحدا؛ سواء كان «الإخوان» أو المجلس العسكري.. أنا أتبع نفسي فقط، وأقولها: لن أترشح، لن أترشح، لن أترشح حتى يرتاح جميع المشككين، وما بعد المجلس الاستشاري سأعتزل العمل السياسي تماما.

* يرى البعض أن برلمان ما بعد الثورة منزوع الصلاحيات وفقير، وأنه ليس ثمة قضايا كبرى في جدول أعماله.. على ضوء ذلك، كيف ترى مستقبل مصر في المرحلة المقبلة؟

- القوى الكبرى في هذا البرلمان، وهم «الإخوان».. «مخزنين» قضايا كبيرة لمناقشتها، وجاهزون بالفعل ليعملوا عليها، مثل ملفات الفقر، التعليم، الاقتصاد، هم يملكون ملفات لهذا كله، وبحكم الفوضى التي دبت في الحياة السياسية فإني دعيت لمجلس توافقي وطني، لمناقشة مشكلات المرحلة الانتقالية الحالية، ولكي نعرف ما المخاوف وما سبل حلها عند دخول العهد الجديد، لأننا لو دخلنا بهذه المخاوف والاختلافات والمشكلات، التي ستغذيها بعض الأهواء والشهوات في الظهور على السطح، كل هذا سيجعل المرحلة المقبلة صعبة. لكن «الإخوان» الآن في منتهى التعقل، ويعملون مع آخرين على الالتزام بالعقل في التعامل مع المرحلة المقبلة، والسيطرة على الوضع الفوضوي، وتجنب الانفلات أو منافقة الجماهير التي لها أهواء خاصة. وفي تصوري، الأساس في المرحلة المقبلة، التي ستشكل مستقبل مصر، هو الوضع الاقتصادي، فهو الأساس الذي يجب أن نلتفت إليه بقوة، فنحن نتكلم عن السياسة طوال الوقت، ونسينا «أكل عيش الناس».

* وكيف ترى الوضع الاقتصادي حاليا؟

- الوضع الاقتصادي صعب للغاية، ويتناقص على مدار العام، ولا يوجد أي محاولة للإنقاذ، كما أن النمو الاقتصادي لا يُذكر، لا سياحة أو دخل، وبعد عدة أشهر قد نكون على وشك الإفلاس.. خاصة أن غالبية الناس بسبب الضيق الاقتصادي على مر عشرات السنين لم تتعود على الادخار، وكان كل ما يحصل الفرد عليه ينفقه، وبالتالي الناس ليس لديها أي بدائل اليوم.. والوضع فعلا خطير.

* في هذا السياق كيف ترى حكومة الجنزوري؟ وهل من الممكن أن تجنبنا هذا الخطر؟

- كنت مرشحا جنبا لجنب مع الجنزوري لمنصب رئيس الوزراء، وحينما طلب المجلس العسكري قراري، برئاسة المشير طنطاوي، قلت لهم «الجنزوري هو أفضل اختيار»، وهذا لا يعني أنني ضعيف، أو أني تخليت عن مهمة وطنية، ولكني نظرت إليها بنظرة وطنية كذلك، منها أنني أعرف أن الدكتور الجنزوري قادر على اتخاذ قرارات قوية، كما أنه عقلية اقتصادية، وكان رئيسا للوزراء من قبل، مما يعني أنه فور التشكيل الوزاري سيكون قادرا على العمل بسرعة، في حين أني إذا ما كنت توليت الوزارة في هذا التوقيت قد أحتاج وقتا إضافيا لاستكشاف الأمور، والمرحلة لا تحتمل مزيدا من إضاعة الوقت. وبالمناسبة، ما قيل إنه رجل مبارك، هذا غير صحيح، فلقد كان مبارك يكرهه لأنه لم يكن ليقبل أن يظهر أحد بجانبه أبدا.

* على ضوء صورة هذا المستقبل، ما رأيك في المحاكمات المدنية لمبارك ونظامه التي قاربت العام ولم تصدر أحكام ضدهم حتى اليوم، في حين نادى الكثيرون بمحاكمات ثورية، فبحسب رأيهم كان من شأنها أن تهدئ الرأي العام، وتحقق استقرارا نسبيا في البلاد؟

- المجلس العسكري كان أمامه حل من اثنين، إما أن يقوم بمحاكمات عسكرية ضد مبارك ونظامه، كما حدث في أعقاب الكثير من الثورات، أو أن يدخل في ظروف طبيعية، بعد أن عشنا عهودا في ظروف استثنائية، وتتم المحاكمات من خلال المحاكمات المدنية، ولا يمكن لأحد أن يقول للقاضي الطبيعي: «أسرع.. أسرع»، كما أن سلسلة الإجراءات القانونية تأخذ وقتا، وتحتاج للمزيد من الصبر. والواقع كفيل بأن يرد كل المخاوف والشائعات التي تطال هذه المحاكمات والمجلس العسكري ليس له أغراض في هذه المحاكمات.

* كيف سيكون شكل النظام الحاكم المقبل في مصر، خاصة مع اختلافات الرؤى السياسية، ما بين نظام رئاسي أو برلماني، أو مختلط يجمع بين النظامين؟

- في البداية كنت مؤمنا بأن النظام البرلماني هو الأنسب لمصر حتى في المستقبل، لكن مع الفترة الحالية الأقرب للفوضى، أعتقد أن هذه المرحلة تحتاج إلى النظامين البرلماني والرئاسي معا، وهو الأنسب، قد نعود بعدها إلى النظام البرلماني فقط.

* هل سيضاف نص في الدستور المقبل حول أن يكون النظام الحاكم رئاسيا برلمانيا؟

- لن يضاف هذا النص في الدستور الجديد لأنه موجود أساسا في دستور 71 ولكنه كان غير مفعل! ومن أيام السادات، قلت له مرة: «يا ريس إحنا بنص الدستور نظامنا مختلط رئاسي برلماني لكن الحقيقة أننا نظام رئاسي فقط، وأن رئيس الجمهورية هو المسؤول تماما عن كل ما يمس النظام التشريعي، ويُرجع إليه قبل اتخاذ أي قرار به، مع أن هناك أدوات أخرى في نظام الحكم ممكن أن تتخذ قرارات في هذه الأمور» فقال لي: نعم عندك حق. وطلب مني البحث في الأمر، بعدها اتصلت بالسفير الأميركي لدى مصر وطلبت منه بعض الكتب الخاصة بنظم الحكم من البيت الأبيض حينما كنت في الوزارة، لكن الظروف لم تسمح بذلك، لأنني خرجت من الوزارة ولم يستكمل هذا التوجه، خاصة أن مبارك (نائب الرئيس) وقتها كان معارضا لهذه التحركات من وجهة نظر غريبة جدا، وهي «هو احنا لسه هانجيب مستشارين قانونيين علشان يبحثوا الأمر وكل واحد عايز مكتب وسيارة وتفاصيل أخرى»، ولم يكن رفضه منطقيا أبدا!

* لكن هناك تخوفات، خاصة من الليبراليين وقوى اليسار عموما، من الأخذ بالنظام البرلماني، خاصة بعد تنامي القوى الإسلامية، وإمكانية أن تظل لهم الغلبة في البرلمان، ناهيك عن تخوفاتهم أيضا من وضع قيود على الحريات العامة، خاصة حرية الإبداع والفن، وأثر ذلك كله على السياحة التي تمثل أحد المصادر الأساسية للدخل القومي.

- تخوفات الأوساط الليبرالية من النظام البرلماني، الذي سيعظم من قوة التيارات الإسلامية، ليست صحيحة، فعندما نتكلم عن نظام برلماني لا يجب الحديث عن من يملك الغلبة، الأحزاب الحالية في البرلمان ليست قادرة على إقامة نظام برلماني حقيقي، خاصة أن الكثير منهم، بخلاف «الإخوان»، لم يمارسوا السياسة. أما بالنسبة للقيود على الحريات العامة والسياحة فلن يحدث، و«الإخوان» أنفسهم قالوا صراحة: «ليس لنا علاقة بالبكيني»، بل الذي يهمنا الوضع الاقتصادي وتوفير لقمة العيش للمواطنين.

* تكتلات القوى السياسية كما تبدت في الانتخابات البرلمانية، ألا تعد مؤشرا على أن الخريطة السياسية في مصر ستعاني لسنوات مقبلة من خلل في التوازن وترتيب الأدوار؟

- حزب النور السلفي ينضم إلى الكتلة، وليس إلى «الإخوان»، فهذا من «حسن الحظ» وإلا كانوا من المكن أن يملكوا أكثر من نسبة 70 في المائة في البرلمان، وبالتالي قد يكونون الثلث المعطّل في البرلمان، لكن «الإخوان» على كل الأحوال مقدرون تماما أن لديهم فرصة أن يثبتوا حقيقة ما يروجون له، وأن يكونوا ركيزة أساسية في توازن الخريطة السياسية، وأعتقد أنهم إذا لم يكونوا على مستوى الثقة التي أعطاها لهم الشعب فإن الشعب نفسه من الممكن في يوم وليلة أن يقول: لا نريدهم، وامتحانهم الصعب سيكون في الاقتصاد وتوفير لقمة العيش وضبط الجهاز التنفيذي، وهم لهم «ناس في كل حتة»، ويعملون وسط الجماهير، وهناك عامل مهم جدا لدى «الإخوان» لا يراه الآخرون، وهو أن نسبة كبيرة منهم تضع الله أمام أعينها في العمل، حتى لو هناك نسبة فساد في أي جماعة، لكن الصفة الغالبة عليهم هي تقوى الله، لذا علينا أن ننتظر أن يرشدهم إيمانهم لإنجازات يريدون تحقيقها.

* كيف استوعبت استقالات عدد كبير من أعضاء المجلس الاستشاري في بدايته احتجاجا على الأحداث الدامية في شارع قصر العيني؟

- الـ11 شخصا الذين استقالوا من المجلس الاستشاري أقدر موقفهم الإنساني، وأتفهم ظروفهم، لأن من استقالوا لهم علاقة مباشرة بجماهير الشارع، ومعظمهم كانوا أساتذة جامعيين، فلم يكن في مقدورهم مواجهة اتهامات شباب الجامعة لهم، ولدينا الآلاف من الطلبات للانضمام إلى المجلس.

* واجهت الكثير من أساليب النقد الذي وصل إلى حد التجريح، ومع ذلك ظللت متمسكا بمنصبك في رئاسة المجلس، فلماذا لم تستقل.

- كان سهلا جدا أن أنسحب من المجلس الاستشاري وأستقيل، لكن ضميري الوطني لم يسمح لي بأن أهرب من لحظة تاريخية تعيشها مصر وتحتاج فيها للجميع، لذلك أعلنت صراحة للكل أنه «لا يجب أن يزايد علي أحد»، فلقد عشت موقفا مشابها منذ ثلاثين عاما، ولكني اتخذت موقفي بالرحيل، على الرغم من أن الجائزة وقتها كانت منصب «نائب رئيس الجمهورية في عهد السادات»! - بمناسبة هذه الجائزة التي لم يشأ الحظ أن تتسلمها، ما حقيقة موقف نظام مبارك منك، وإقصائك عن الحياة السياسية، طيلة هذه السنوات؟ - مبارك مارس التجريف السياسي الكامل طوال فترة حكمه، حتى عندما يأتي اليوم الذي يطالب فيه الناس ببديل له لا تجد بديلا له، ولقد نجح تماما في هذا الأمر (100 في المائة) وفي انتخابات 2005 كان المرشحون أمامه يرشحون مبارك كرئيس للجمهورية! والحقيقة أن مشاعره السلبية تجاهي كانت من طرف واحد، طرفه هو، ولم أحمل له قدرا من هذه المشاعر في يوم من الأيام، ومنذ أن دخلت رئاسة الجمهورية في عهد السادات بدأت أشعر بعدم قبوله الشخصي لي، لأن المقارنات لم تكن في صالحه، وهو بطبعه لا يتحمل أي شخص بجانبه يشع شيئا من الجاذبية، أو الذكاء، أو يمتلك قدرة خاصة، أو أي نوع من النجاح، مثل الجنزوري، عمرو موسى، أسامة الباز، مع أن الباز تحديدا هو من علمه «السياسة»، وفي نهاية المطاف كان يقول إن أسامة لا يفهم شيئا في السياسة!

* وماذا عن السادات؟

- السادات كان عنده ثقة في نفسه، كبيرة وكان مستمعا جيدا، عكس مبارك، وكثير من الناس لا تعرف أن العامل الذي ربط بيني وبين السادات أنه كان يسمعني وأنا لم أكن أهاب قول الحقيقة له، بعيدا عن الكلام المعسول والإطراء للحاكم طوال الوقت.

* سياسيا؛ ما الحكمة التي خلصت إليها من هذه المقارنة بين رئيسين حكما مصر؟

- السياسة في مصر في العهود السابقة كانت تتشكل بفكر رئيس الجمهورية فقط، داخليا وخارجية، وكان حسني مبارك لا يحب المواجهة، مع أنه رجل عسكري في المقام الأول، كان يفعل ذلك في الداخل والخارج، وحرية التعبير التي تحدث عنها وأنه منحها للشعب هي في الحقيقة سرقت منه، لأنه لم يكن يحب المواجهات، وفي السياسة الخارجية كان يحب أن يمشي «جنب الحيط».

* في رأيك، ماذا علينا أن نفعل في سياستنا الخارجية في المرحلة المقبلة؟

- علينا في المرحلة المقبلة أن نخفف من ولائنا لأميركا، وكل شعب يتصرف وفقا لميراثه وتاريخه، والأميركيون بطبعهم يحترمون من يبني نفسه، ويكوِّن ميراثا قويا من التاريخ والصمود، ثم يمد لهم يد الصداقة من دون خوف، فهم يلفظون التابع الضعيف ويحترمون القوي، كما أن مشكلاتنا مع إيران كانت غير حقيقية في عهد مبارك، والمثل الفلاحي يقول لك: «لا تستقوي على جارك بالغريب»، لأن الغريب ممكن أن يتخلى عنك في أي لحظة، أما المصيبة الكبرى فكانت تعاون مبارك مع إسرائيل في حصار غزة، كيف تخاف مصر من حماس؟ من إسلاميين؟ وكذلك الحرب الإعلامية التي اندلعت ما بين مصر وقطر؟ كلها صغائر أدت إلى كبائر، أفقدتنا العالم العربي، ولم نعد نرى تأيدا منهم لنا، العالم العربي كان مفجوعا في مصر لأنها ابتعدت عنه تماما. حتى أفريقيا خسرناها، بعد أن كنا سادة بها. ولنا وضع قوي، وأتمنى أن يكون في الدستور المقبل مادة تعزز من وضع مصر الأفريقي مرة أخرى، وتضع وضع النيل كشريان حياة لنا في الاعتبار.

* هل صحيح أن السادات في آخر أيامه كان يريد أن يتفرغ لحياته الخاصة، ويترك الحكم، بعد أن يضع مصر على طريق حياة ديمقراطية صحيحة؟

- السادات في أواخر أيامه كان يقول إنه يريد أن يتفرغ لحياته العائلية، وأعتقد أنه كان سينفذ ذلك، وفي تلك الفترة قيل إنه بدأ يكتشف أن مبارك ليس مناسبا لمنصب رئيس الجمهورية، وقيل إنه كان يجهز قرارا لتغيير حسني مبارك، وأن هذا المنصب كان سيكون فيه منصور حسن هو نائب رئيس للجمهورية، وذلك بعد حضوره لاحتفالات أكتوبر 1981 وعودته من العرض العسكري.. ويكمل ضاحكا: لكن الله أنقذني وأنقذ حسني مبارك!

* أنت كنت وزير إعلام مصر في فترة مهمة، كيف ترى الخطاب الإعلامي برمته، الخاص والعام، في هذه المرحلة؟

- الإعلام في مصر هو الابن الضال للحكومة، علاقة الحب والكراهية في وقت واحد «love hate relationship»، بمعنى أن الحكومة تريد من الإعلام أن يخدمها لكنها تدرك في ذات الوقت أنه من الممكن أن يتمرد عليها، وهذا ما يفسر لك لماذا وضع وزارة الإعلام مرتبك؛ مرة هناك وزارة، ومرة تلغى، ومرة تضاف إلى وزارة الثقافة، على مر السنين، وأعتقد أنه في العهد الجديد من المهم أن نؤسس لمفهوم إعلام حقيقي يقوم على أساس العاملين، بما في ذلك الإعلام الخاص، وذلك من خلال مجلس وطني للإعلام، ليس مهمته الرقابة، بل مهمته التمثيل والرصد مثل المجلس الأعلى للصحافة في إنجلترا الذي يقيم الإعلام الإنجليزي بتقرير سنوي، ويتعاون مع هذا المجلس ممثل لهم في مجلس الشعب، وهذا سيتيح لنا أن نعيش الحرية المسؤولة، بدلا من حرية غير مسؤولة، تتسبب في الكثير من المشكلات.