غازي صلاح الدين: من الخطر أن يتحول الإسلاميون إلى أدوات اضطهاد للخصوم واعتبار الوصول إلى السلطة نهاية المطاف

مستشار الرئيس السوداني: سيكون خطأ كبيرا من الإسلاميين أن يظنوا تسلم مقاليد الحكم يعني انتفاء الحاجة إلى حركتهم الإسلامية

TT

انتقد الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، مستشار الرئيس السوداني والقيادي في حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، في السودان، بعض المعلقين على الأحداث الجارية في العالم العربي، التي تعرف باسم ثورات الربيع العربي، لاتجاههم إلى الاعتقاد بأن صعود الإسلاميين عبر الانتخابات هو ظاهرة جديدة حدثت جراء ما سمي بالربيع العربي. وقال إن هذا اعتقاد غير دقيق قد يؤدي إلى استنتاجات غير صحيحة، لأن صعود التيارات الإسلامية عبر الانتخابات يمتد إلى ما قبل الفترة الراهنة بأكثر من عقدين، بل إن من الإسلاميين من يؤمن بأن رصيدهم الاقتراعي ظل دوما متقدما عما لدى الآخرين، لو أنه أقيمت انتخابات نزيهة. وهذا بالطبع قول لا يمكن إثباته أو نفيه، في غياب اختبار انتخابي عملي. أما إذا أردنا أن نحدد بدقة قوة الإسلاميين الاقتراعية فعلينا الاحتكام إلى الاختبارات الموضوعية التي وفرتها الانتخابات التي جرت في عدة دول إسلامية من قبل.

وقال الدكتور غازي صلاح الدين في ندوة «صعود الإسلاميين: دلالاته ومآلاته» في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم، مساء أول من أمس، إنه كان أول صعود مفاجئ للإسلاميين في السودان في انتخابات 1986، حيث برزت الجبهة الإسلامية القومية قوة ثالثة أمسكت بميزان السلطة بين القوتين الأخريين. وقد ساد اعتقاد بأن تلك النتيجة كانت ظاهرة سودانيه محضة ارتبطت حصرا بفاعلية الحركة الإسلامية في السودان، لكن ما إن مضت سنوات قليلة حتى تكررت الظاهرة بصورة أقوى وأكثر جماهيرية في تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية التي حصدت غالبية الأصوات في انتخابات حرة عام 1991. ثم لم تمض أعوام قليلة حتى انتقلت الظاهرة إلى تركيا بفوز حزب الرفاه الإسلامي، بقيادة البروفسور نجم الدين أربكان، الذي أصبح أول رئيس وزراء إسلامي منتخب عام 1996، إلى أن أزيح وحل حزبه بواسطة العسكريين الأتراك، الذين ندبوا أنفسهم لحماية العلمانية الأتاتوركية. لكن الإسلاميين الأتراك ما لبثوا أن عادوا أقوى من ذي قبل، في دورتين انتخابيتين متعاقبتين، ابتداء من 2002، تدفعهم إنجازات اقتصادية واجتماعية محسوسة، هذه المرة تحت راية حزب التنمية والعدالة، بقيادة رجب طيب أردوغان. ولأول مرة يشغل الإسلاميون مقعدي رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية في تركيا. ثم جاءت الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، التي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأغلبية مريحة، وكوّنت الحكومة الفلسطينية. والآن تشغل الساحة سبع حكومات تكونت، أو في طريقها للتكوين، يغلب عليها الإسلاميون، في مصر وتونس والمغرب وليبيا، وبالطبع قبل ذلك في تركيا والسودان وفلسطين. وأضاف أن تتابع فوز الإسلاميين في فترة وجيزة، بعد أحداث الربيع العربي، صرف اهتمام المراقبين عن تدبر هذه التحولات من جذورها، خارج إطار الأحداث الأخيرة في البلاد العربية، وأن الدراسة المتأنية لأسباب هذه التحولات تجعل من التقويم أكثر موضوعية والتنبؤ بما يحمله المستقبل أكثر دقة.

وقال: «كل مجالات العمل تلك ستكون محددا لنجاح الإسلاميين أو إخفاقهم، لكنها لن تكون المحدد الأهم. المحدد الأهم سيكون مقدرة الحركات الإسلامية على تطوير ذاتها واتخاذ القرارات الصحيحة فيما يتعلق ببنائها الداخلي وموقعها من مجتمعاتها. إن أشد ما يضر الحركات الإسلامية ويحرمها من تحقيق أهدافها هو أن تؤول إلى وضع تخسر فيه مجتمعاتها من خلال أطروحات لا ترتب الأولويات ترتيبا صحيحا. إن الصراع الاجتماعي الذي يتطور إلى فتنة ثم إلى درجة من درجات الحرب الأهلية سيكون أكبر معول هدم للتجربة الإسلامية، لأنه يقدم سلاحا مجانيا قاتلا في يد أعدائها. على الحركات الإسلامية أن تقود التغيير من باب الترتيب الصحيح للأولويات، وبمنهج توافقي مع المجتمع يبتعد عن الإثارة والتعادي».

وأضاف: «سيكون على الحركات الإسلامية أن تنتقل فورا من الشعارات إلى العمل، من أجل تقديم إجابات عن أسئلة صعبة، تشمل طيفا متعددا من المسائل: الديمقراطية، الحقوق والحرمات، المرأة، الطوائف، الأقليات، الاقتصاد، العلاقات الدولية.. إلخ. عليها أن تقدم مساهمات حلول، من خلال حوار وطني وعالمي معافى. وعليها أن تجتنب أي خطاب جدلي خال من الحلول المبتكرة ولا يقدم سوى مواجهات فقهية مكررة لا صلة لها بقضايا الحياة الحقيقية. وإن قدرة الحركات الإسلامية على فعل ذلك تتناسب باطراد مع قدرتها على تأسيس حركة سياسية خلاقة ومستنيرة تفجر وعيا جديدا بداخلها وتوافقا بينها وبين مجتمعاتها، وهو ما يطرح عليها أن تحدد ما إذا كانت ستختار أن تكون الحركة السياسية التي تنشئها هي حركة تيار سياسي عريض أم ستقنع بأن تصبح مثل أحزاب إسرائيل الدينية، حركات القضية الواحدة».

وأشار إلى أنه سيكون من أكبر أخطاء الإسلاميين أن يعتقدوا أن الوصول إلى السلطة هو نهاية المطاف لحركتهم ذات المنطلقات والأهداف الاجتماعية والثقافية العميقة وطويلة الأمد. وسيكون خطأ كبيرا أن يظنوا أن تسلم مقاليد الحكم يعني انتفاء الحاجة إلى الحركة، خلاصة حكمة التاريخ الإسلامي القديم والحديث تؤكد أن امتلاك السلطة كان هو البداية للصراع والفتن بين أصحابها. والضمانة أن لا يحدث ذلك هو في بقاء الحركة الإسلامية، حركة حاضنة تشكل الوجدان الإسلامي، وتصنع القيادات، وتقدم القدوة، وتحشد الإرادة لمقابلة التحديات والعزائم، وتظل ضميرا ومستودعا يحفظ قيم الأمة».

وحذر الدكتور غازي صلاح الدين الإسلاميين من التحول إلى أدوات اضطهاد للخصوم، واعتبار الوصول إلى السلطة نهاية المطاف، مشيرا إلى أنه حري بالحركات الإسلامية أن تقف في الجانب الصحيح من حركة التاريخ في مسألة الديمقراطية. عندما وقف النبي (صلى الله عليه وسلم) بأبواب مكة في السنة السادسة للهجرة، وكان يريد العمرة اعترضته قريش، فقال: «يا ويح قريش! لقد أكلتهم الحرب. ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب؟». إذن كل ما كان يطلبه النبي (صلى الله عليه وسلم) هو حرية الدعوة، لأن الدعوة إلى الخير والبر لا ينفعها شيء مثل الحرية. ولن يفيد الإسلام وأتباعه من شيء قدر ما سيفيدون من الحرية. والضمانة الأقوى لبقاء المد الإسلامي هو أن يرسّخ الإسلاميون أنفسهم، بالتعاون مع الآخرين، نظاما ديمقراطيا يؤمن بالحرية للناس كلهم ويقيم العدل ويفتح أبواب الخيارات واسعة لكل صاحب فكرة أو مبادرة أو إبداع. فهل سيعي الإسلاميون دروس التاريخ؟ أم أن دورتهم في قيادة شعوبهم ستكون تكرارا لمسالك الإخفاق التي سلكها كثيرون قبلهم؟ من حسن حظهم أنهم اليوم يمتلكون تحديد الإجابة، وسيأتي يوم لا يمتلكون فيه تحديد الإجابة. يومئذ، سنن التاريخ هي التي ستحدد الإجابة، فـ«اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل».