نشطاء: تراجع قوات الأسد في الزبداني نقطة تحول قد تجبره على تسوية

ضعف الأمل في التدخل الخارجي يدفع المعارضة إلى الاتجاه لاستخدام السلاح ضد النظام

عناصر من الجيش السوري الحر أمس بإدلب (أوغاريت)
TT

تعد الإشارات المتزايدة على أن المجتمع الدولي الذي يعاني من انقسامات عميقة عاجز أو غير مستعد لوقف العنف في سوريا بمثابة الوقود المحفز لثورة مسلحة تهدد بانزلاق الدولة في سوريا، بل وربما المنطقة بأسرها، إلى حرب واسعة النطاق.

وتجلى تسارع انحدار سوريا نحو حرب شاملة يوم الأربعاء بعد أن قالت المعارضة إن القوات الحكومية السورية قد أجبرت على قبول وقف إطلاق النار بالتفاوض مع ضباط من صفوف الثوار في مدينة الزبداني بالقرب من الحدود اللبنانية.

عرف ضباط من صفوف الثوار أنفسهم بأنهم ضباط في الجيش السوري الحر وقال ناشط من الزبداني إن الجنود الموالين للنظام تقهقروا ظهيرة يوم الأربعاء، بعد خمسة أيام من شنهم هجوما عنيفا لقمع المعارضة في الزبداني. ويعتبر المنتجع الجبلي الذي يقع على بعد 20 ميلا شمال دمشق واحدا من عشرات المواقع الأخرى في سوريا التي تقول المعارضة إنها خرجت عن نطاق سيطرة الحكومة السورية في الأسابيع الأخيرة. وقال شهود إن القوات الحكومية يبدو أنها تتجه نحو مدينة أخرى من المدن المضطربة خارج العاصمة. لقد شهدت هجمات قوات الأمن في دمشق تقلبات على مدار الانتفاضة الممتدة منذ 10 أشهر، وأقر الثوار بأن قوات الأمن ربما تكون فقط في حالة إعادة تعبئة قبل العودة بتعزيزات جديدة. ولم يتسن التأكد من صحة الرواية، التي يتم تداولها على نطاق واسع من قبل شبكات تلفزيونية عربية، ولكن لا تذيعها وسائل الإعلام الحكومية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد احتفى النشطاء بالحدث بوصفه نقطة تحول رمزية، معلنين عن احتمالية أن تجبر الثورة المسلحة المتأججة حكومة الرئيس بشار الأسد على عقد تسوية.

«إن إجبار النظام على التفاوض مع الشعب وسحب قواته تحت الضغط يعد بمثابة انتصار سياسي» هذا ما قاله كمال اللبواني، معارض تم إطلاق سراحه في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد قضائه عقوبة في السجن مدتها قرابة 10 سنوات، في مكالمة هاتفية من الأردن.

«يشير هذا إلى أن بإمكاننا نيل حريتنا بأنفسنا ومن دون مساعدة قوات خارجية. وهذا يعني أننا إذا حملنا السلاح، يمكننا الدفاع عن أنفسنا وانتزاع حريتنا»، هذا ما قاله.

لقد زادت منذ أشهر الأدلة على أن المعارضة السورية التي بدت سلمية في البداية قد لجأت إلى السلاح، لكن ضعف الأمل في الدعم الخارجي يؤكد الاعتقاد بأن العنف هو السبيل الوحيد الممكنة لخلع الأسد، بحسب نشطاء.

«حتى الآن، لم تندلع حرب أهلية، لكن في حالة مواصلة المجتمع الدولي هذا النهج، أي الاكتفاء بوقوف موقف المتفرج وعدم اتخاذ أي إجراء، ستحدث حرب أهلية لا محالة»، هذا ما قاله عمر شكير، ناشط في حي باب عمرو بحمص، والذي ظهر كمركز للثورة المسلحة.

لقد عجزت بعثة المراقبة التابعة للجامعة العربية عن وقف القتال في سوريا، وقد بدت القيادة السياسية للمعارضة السورية، التي تم نفي معظم أفرادها، في حالة من الانقسام الشديد بحيث يصعب أن تمثل بديلا منطقيا لنظام الأسد، ويظهر معدل القتلى الذين يسقطون يوميا على الجانبين تصاعد إراقة الدماء بشكل مطرد.

في يوم الأربعاء، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» أنه قد أقيمت جنازات لأربعة عشر فردا من قوات الأمن قتلوا على يد من سمتهم «إرهابيين». وذكرت مجموعات من النشطاء أن قوات الأمن قتلت 21 شخصا على الأقل.

«لن يتوقف هذا. إنها تتحول إلى ثورة مسلحة. ستسود حالة من الفوضى، ولا أدري سبب عدم إدراك العالم تلك الحقيقة»، هذا ما قاله رامي جراح، ناشط سوري يعيش في القاهرة والذي أجبر على الفرار من دمشق في أكتوبر (تشرين الأول) بعد أن كشفت قوات الأمن هويته.

ويقول جراح ومعلقون آخرون إنهم لا يخشون فقط من أن يؤدي التقاعس من جانب المجتمع الدولي إلى تشجيع معارضي النظام على الدخول في حرب ضده، وإنما يحدوهم الخوف أيضا من أن يشجع ذلك على الانجراف نحو أيديولوجيات متطرفة.

قال جراح: «لقد اشتد غضب الناس الآن مع إدراكهم أنه لن يكون هناك أي دعم». وأضاف: «الوضع يولد مشاعر كراهية تجاه الغرب، الأمر يتحول إلى حالة من التطرف. الموقف غاية في الخطورة الآن».

لقد طالب المتظاهرون بفرض منطقة حظر جوي تحت إشراف حلف الناتو مماثلة لتلك التي ساعدت في سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا، ولكن مع إدراكهم أن التدخل الغربي في سوريا أمر غير محتمل، أصبحت الجماعات الإسلامية تحظى بالدعم، بحسب وسام طريف، ناشط حقوقي بجماعة «أفاز».

«الوحيدون الذين يتسمون بالتنظيم في صفوفهم والمصداقية هم أفراد جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين»، هذا ما قاله. وأضاف: «الأمر الخطير هو أنه لم يعد أحد يؤمن بالكفاح السلمي. الجميع الآن يرغب في حمل السلاح». ويقول نشطاء في سوريا إنهم ليست لديهم أجندة أو أيديولوجية خلاف الإطاحة بالأسد، لكنهم يقرون بأن الإسلاميين السنيين يحققون تقدما في المعركة الرامية إلى خلع نظام سيطرت عليه الطائفة العلوية الأقلية التي تنتمي إليها أسرة الأسد، مما يزيد احتمال تصاعد العنف الطائفي.

«حتى شهر مضى، لم يكن أحد يؤيد جماعة الإخوان المسلمين، لكن اليوم، سنؤيد إسرائيل نفسها، إذا ما ساعدتنا في الإطاحة ببشار»، هذا ما قاله شكير الناشط في حمص. وأضاف: «اليوم، نؤيد أي طرف من دون نقاش إذا ما مد لنا يد العون».

غير أن المجتمع الدولي منقسم تماما كالمعارضة السورية بشأن كيفية مواجهة الثورة المستعصية.

وقد أعلنت روسيا يوم الأربعاء أنها ستستخدم حق الفيتو في رفض أي مشروع قانون من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي من شأنه أن يفتح الباب أمام التدخل الدولي، الأمر الذي يقوض الآمال الأميركية والأوروبية في مواصلة الجهود لإدانة النظام السوري في مجلس الأمن بعد رفض الصين وروسيا التصديق على قرار أصدره المجلس في أكتوبر الماضي.

«إذا اعتزم البعض استخدام القوة بأي ثمن... لن يمكننا أن نمنع حدوث ذلك»، هذا ما قاله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، للصحافيين في موسكو. واستكمل قائلا: «لكن دعوهم يفعلوا ذلك من دون توجيه من آخرين وبما يمليه عليهم ضميرهم. لن يحصلوا على أي تصديق من مجلس الأمن».

تبدو مخاطر الوضع الحالي في سوريا كبيرة بالنسبة لروسيا. فسوريا حليفة قديمة لها منذ حقبة الحرب الباردة، وتعتمد روسيا على قواعدها على ميناء طرطوس السوري في الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. ورفض لافروف تأكيد أو إنكار التقارير واسعة النطاق التي تفيد بأن سفينة سوريا سلمت 60 طنا من الأسلحة إلى الحكومة السورية أثناء توقفها بالميناء الأسبوع الماضي.

«نحن لا نتاجر مع سوريا سوى في سلع لا يحظرها القانون الدولي»، هذا ما قاله.

حولت التعليقات الروسية التركيز الدبلوماسي مجددا إلى بعثة المراقبة التابعة للجامعة العربية، والتي من المقرر أن تعلن قراراتها يوم الخميس. ومن المقرر أن يعقد وزراء الجامعة العربية اجتماعا في القاهرة نهاية الأسبوع لتحديد ما إذا كانت بعثة المراقبين ستواصل عملها في سوريا أم سيطلبون الدعم من الأمم المتحدة لاتخاذ إجراء أوسع نطاقا.

إلا أن العالم العربي أيضا غير متحد في الرأي بشأن كيفية التعامل مع العنف في دولة يحاكي تكوينها العرقي والطائفي المعقد تكوينات العديد من أكثر الدول اهتياجا في المنطقة. لقد وقفت كل من العراق ولبنان، الدولتان اللتان يعتبر غالبية سكانهما من الشيعة، إلى جانب النظام السوري، مثلما فعلت إيران الشيعية. وتمارس دول الخليج العربي، التي تتقدمها قطر، ضغوطا من أجل اتخاذ إجراء أكثر شدة للإطاحة بالنظام، وصرح أمير قطر لمحطة «سي بي إس» بأنه سيدعم نشر قوات عربية في سوريا لإنهاء العنف.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه قد أدلى بهذا التعليق في مقابلة أجريت معه قبل شهرين، ولكن لم تتم مناقشته إلى أن بثته المحطة نهاية الأسبوع. يبدو أنه لم يحظ سوى بقدر محدود من التأييد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»