ساركوزي: 2012 عام المخاطر.. ولن نسكت على «الفضيحة السورية»

الرئيس الفرنسي اتهم قادة إيران بالكذب المتواصل.. وحذر من نفاد الوقت وحرب تقود إلى فوضى

الرئيس الفرنسي ساركوزي
TT

قرع الرئيس الفرنسي، أمس، ناقوس الخطر، منبها إلى أن سوريا تسير إلى الفوضى التي يعني بها الحرب الأهلية في حال استمر القمع على حاله، وأن الوقت «بدأ ينفد» بالنسبة لإيران لتفادي الحرب، بسبب استمرار السير في برنامج نووي عسكري، وإلى فرض الهيمنة على لبنان، سواء أجاء بفعل الخارج أو الداخل، وحذر إسرائيل من تفويت فرصة السلام. وذهب نيكولا ساركوزي، في الكلمة التي ألقاها قبيل ظهر أمس أمام السفراء المعتمدين في العاصمة الفرنسية بمناسبة السنة الجديدة، إلى وصف العام الحالي بأنه «عام المخاطر» بعد أن كان عام 2011 «عام التحولات» العربية.

واستخدم ساركوزي لغة بالغة التشدد في تناوله للملف السوري؛ حيث أكد أن بلاده «لا يمكن أن تصمت أمام الفضيحة السورية»، المتمثلة في «القمع الوحشي» الذي يلجأ إليه النظام السوري لإسكات الاحتجاجات التي انطلقت قبل أكثر من 10 أشهر. وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن القمع المتواصل «يقود البلاد مباشرة إلى الفوضى التي سيستفيد منها المتطرفون من أي جهة» في ما يبدو أنه إشارة إلى المخاوف التي تلم بأكثر من عاصمة عربية وغربية من اتجاه سوريا نحو حرب أهلية وما ينتج عن ذلك من زعزعة الاستقرار الإقليمي النسبي وما له من تأثيرات على مجمل المنطقة وأبعد منها. وإزاء ما يبدو أنه عجز الجامعة العربية عن فرض خطة السلام التي أقرتها ووافقت عليها سوريا وبقاء مجلس الأمن الدولي خارج اللعبة بسبب معارضة روسيا والصين ودول ناشئة، فإن باريس تريد أن ترفع الصوت. وقال ساركوزي: «إن فرنسا لا تريد التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.. لكنها لن تصمت عن الفضيحة الجارية هناك». وعلى الرغم من التحفظات الفرنسية على طريقة عمل بعثة المراقبين العرب في سوريا، فإن ساركوزي وصف مبادرة الجامعة بأنها «شجاعة ويجب أن تستمر»، مضيفا أنه يتعين على مجلس الأمن الدولي أن «يمد لها يد المساعدة».

غير أن ما ترغب به باريس، ومن شأنه أن يقوي بعثة المراقبين ويجعلها تحقق المهمة الأساسية التي أرسلت من أجلها وهي وقف حمام الدم، لا يبدو أنه قريب المنال. واعترف وزير الخارجية ألان جوبيه، أمس، في حديث لصحيفة «ويست فرانس»، أن الوضع في سوريا وصل إلى «طريق مسدود» بسبب استمرار تكبيل تحرك مجلس الأمن الدولي واستمرار تصليت سيف الفيتو على أي قرار يمكن أن يدين القمع ويدعو إلى تدابير عقابية. ولأن الوضع على هذا الحال، فإن جوبيه رد على سؤال بخصوص مشروع إرسال قوات عربية إلى سوريا بقوله: «نحن لا نعمل على هذا السيناريو (في الوقت الحاضر) بسبب الوضع الإقليمي الحالي». وتريد باريس من الجامعة العربية أن «تقيّم بوضوح» مهمة البعثة العربية وأن ينقل ذلك إلى مجلس الأمن الدولي؛ لذا اقترحت أن يقوم أمين عام الجامعة، نبيل العربي، شخصيا، بعرض التقرير على مجلس الأمن. وسبق لمصادر فرنسية رفيعة المستوى أن أبلغت «الشرق الأوسط» أن باريس «لا تريد أن تستمر مهمة البعثة العربية على حالها في سوريا إلى ما لا نهاية» وهو الموقف الذي عبرت عنه واشنطن، أول من أمس، على لسان الناطق باسم خارجيتها.

وتعتبر المصادر الفرنسية أنه من «المهم جدا» أن ينجح مجلس الأمن في «مد إصبعه» إلى الأزمة السورية، وهي بذلك تعول على الجامعة العربية التي ترى أنها الجهة الوحيدة القادرة على تمكين المجلس من أن يلعب دورا، على الأقل، في المجال الإنساني، لكن بانتظار تطور من هذا النوع، فإن باريس تستمر في العمل على صعيدين متصلين، الأول هو: فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على الأفراد والشركات الفرنسية وثيقة الصلة بالنظام، وهذا ما سيعلنه الوزراء الأوروبيون يوم 23 الجاري في بروكسل. والثاني: الاستمرار في دعم المعارضة السورية. وفي هذا السياق أعلن جوبيه أن باريس «مستمرة في الحوار مع المعارضة التي تدعوها إلى تنظيم صفوفها والانفتاح على جميع الحساسيات». لكن فُهم من مصادر مختلفة في العاصمة الفرنسية أن «مساعدة» المعارضة يمكن أن «تتخذ أشكالا مختلفة» من أجل التوصل إلى إحداث «تغيير ما» في المعادلة القائمة ميدانيا في الوقت الحاضر.

وكان لافتا أن ساركوزي وجه نداء إلى الصين وروسيا طالبا «مساعدتهما» على إيجاد المخارج في الملفين السوري والإيراني. وربط الرئيس الفرنسي بين الوضع السوري والتطورات المحتملة في لبنان عبر القوة الفرنسية العاملة في إطار «اليونيفيل». وإزاء تصاعد المخاطر «المحتملة» في لبنان، شدد ساركوزي على وقوف بلاده إلى جانب لبنان «سيد ومستقل»، مضيفا أن فرنسا «صديقة لكل اللبنانيين»، لكنها «لن تكون شريكة في عملية الهيمنة على لبنان، سواء أجاءت من الخارج أو انبعثت من الداخل». وفي تحذير مبطن للنظام السوري، أكد ساركوزي أن كل من يتجرأ على الاعتداء على الجنود الفرنسيين الموجودين في جنوب لبنان للمحافظة على استقلال هذا البلد وسيادته «سيتحملون النتائج فورا». وسبق لفرنسا أن رأت في الاعتداء الذي تعرض له جنود من وحدتها العاملة في جنوب لبنان بصمات سوريا، لكن وزير خارجيتها اعترف بأنه «لا يملك الدليل» على ذلك. وينتظر أن يزور رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، باريس في الأيام الأولى من الشهر المقبل تلبية لدعوة رسمية من نظيره فرنسوا فيون. وكما في الملف السوري، فقد لجأ ساركوزي إلى لغة متشددة في تناوله ملف إيران النووي، متهما السلطات الإيرانية بأنها «تكذب بشكل متواصل وعلى جميع الأطراف». وكما في الحالة السورية، فإن باريس تدفع باتجاه عقوبات أشد على طهران وتحديدا على قطاعيها النفطي والمالي. كان ساركوزي أول من دعا إلى فرض حظر أوروبي على مشتريات النفط من إيران وإلى تجميد ودائع البنك المركزي الإيراني في المصارف والمؤسسات المالية الأوروبية بهدف عرقلة الاقتصاد الإيراني وتجفيف موارده المالية وحمله على العودة إلى طاولة المفاوضات. غير أنه بينما يتصاعد التوتر في منطقة الخليج بسبب التهديدات المتبادلة بين إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، نبه ساركوزي إلى نتائج حرب يمكن أن تندلع في هذه المنطقة. وقال ساركوزي: «إن تدخلا عسكريا لن يحل المشكلة (البرنامج النووي الإيراني) بل قد يؤدي إلى الحرب والفوضى في الشرق الأوسط والعالم». ووعد الرئيس الفرنسي بأن بلاده ستقوم بما في وسعها لتفادي التدخل العسكري الذي لن يتم تجنبه، كما قال، إلا عبر فرض نظام عقوبات أقوى وأكثر حزما من خلال وقف شراء النفط «الإيراني» من «الجميع» وتجميد ودائع البنك المركزي. ونبه ساركوزي معارضي العقوبات، في إشارة إلى روسيا والصين وبلدان ناشئة أخرى، إلى أنهم «سيتحملون مسؤولية مخاطر اندلاع عمل عسكري».

وحذر الرئيس الفرنسي من أن الوقت «بدأ ينفد» وبالتالي يتعين الإسراع في تعزيز العقوبات الدولية. وتلتزم باريس، بدفع من الإليزيه، بموقف بالغ التشدد من طهران، لا بل إن مصادر فرنسية ترى أن إدارة الرئيس الأميركي «ليست متشددة بما فيه الكفاية» إزاء طهران إما لأسباب سياسية داخلية (الانتخابات) وإما محض اقتصادية (ارتفاع أسعار النفط). وسبق لمسؤولين إسرائيليين كبار أن رددوا علنا مواقف كهذا الموقف.