جنرال ميانمار يريد إخراجها من العزلة

الرئيس سين في مقابلة نادرة: جادون في الإصلاح والكرة في ملعب الغرب ليرفع العقوبات

ثين سين
TT

رسم رئيس ميانمار (بورما سابقا) رؤية لتقدم تدريجي نحو الديمقراطية لبلده الفاشي المعزول في مقابلة نادرة أجراها مع صحافي أميركي، مشيرا إلى أن الجيش سيحتفظ بدور قوي في الحكومة، حتى مع ترحيبه بانضمام رموز من المعارضة إلى البرلمان. وقال الرئيس ثين سين «الرسالة التي أرغب في توصيلها هي أننا نسير على النهج الصحيح نحو الديمقراطية. لأننا على النهج الصحيح، يمكننا فقط أن نمضي للأمام، وليس لدينا أي نية للتراجع».

وتقدم المقابلة الحصرية التي أجرتها المحررة البارزة بصحيفة «واشنطن بوست» لالي ويماوث، مع الرئيس سين في مقره الرئاسي بالعاصمة نايبيداو، لمحة نادرة عن القيادة المنعزلة في ميانمار، والجنرال السابق صاحب اللسان العذب.

وظف ثين سين تلك المقابلة في الإشارة بشكل مباشر إلى ضرورة رفع الولايات المتحدة ودول أخرى العقوبات الاقتصادية المفروضة على ميانمار منذ أمد طويل والتي قال إنها قد أضرت بالدولة الجنوب آسيوية التي يبلغ تعداد سكانها 54 مليون نسمة وتهدد الآن بعرقلة تقدمها الاقتصادي.

وأشار إلى أن حكومته قد استجابت بالفعل إلى العديد من المطالب الغربية، ومن بينها إطلاق سراح معظم المعتقلين السياسيين وإجراء الانتخابات في أبريل (نيسان) والسماح لزعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بالانضمام إلى الحكومة كعضو في البرلمان. ولم يستبعد احتمال أن تنضم إلى الحكومة يوما ما. وقال: «ما هو مطلوب من الدول الغربية هو القيام بدورها».

وتأتي ميانمار، التي عرفت منذ أمد طويل بوفرة مواردها الطبيعية مثل الذهب والغاز الطبيعي والخشب، الآن في موقع متأخر عن معظم نظائرها من البلدان الآسيوية من حيث معدلات الفقر ومستويات التعليم والبنية التحتية. وقد رزحت تحت وطأة عقود من الحرب الأهلية والفساد والحكم الوحشي من قبل سلسلة من القادة العسكريين، إضافة إلى القمع الدموي لنشطاء الديمقراطية.

ويشير كثير من منتقدي حكومة ميانمار إلى اعتقادهم بأن العقوبات لعبت دورا في دفع الإصلاحات السياسية في ميانمار وفي تواصلها الحميم مع الغرب في الأشهر الأخيرة. وذكرت سو تشي، في مقابلة منفصلة مع ويماوث يوم الأربعاء، أنها ليست مقتنعة بأن الدول الغربية يجب أن ترفع العقوبات. وقالت سو تشي: «عليهم رفع العقوبات عندما يجدون الوقت مناسبا». غير أن سو تشي تحدثت بشكل إيجابي عن ثين سين، وقالت: «أثق في أنه يرغب بالفعل في الإصلاح.. لكنه ليس الشخص الوحيد في الحكومة». وأضافت: «لا أعرف مقدار الدعم الذي يحظى به داخل الجيش. إنه هو نفسه رجل عسكري، لذلك أفترض أنه يجب أن يكون هناك قدر كبير من الدعم له في الأوساط العسكرية، لكن هذا مجرد افتراض».

وقد أولت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما اهتماما كبيرا بالإصلاحات المتسارعة في ميانمار.. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قامت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بزيارة إلى ميانمار، وهي أول زيارة من نوعها منذ تولي الجيش مقاليد الحكم في عام 1962. وفي الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس أوباما أنه سيعين سفيرا لإصلاح العلاقات الدبلوماسية مع بورما.

ويشير مسؤولون أميركيون إلى أنهم يبذلون قصارى جهدهم من أجل مكافأة ميانمار على الإصلاحات التي تقوم بها، حتى مع مراقبتهم وانتظارهم استمرار التقدم. وتحتاج الإدارة الأميركية إلى التشاور مع العديد من أعضاء الكونغرس الذين قد بدأوا مؤخرا في القيام برحلات إلى ميانمار لتقييم الوضع. ومن المرجح أن يستغرق تصديق الكونغرس على العقوبات فترة طويلة.

وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة، طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية المحادثات الدبلوماسية الجارية: «نحن نحاول أن نكون مشجعين ومتعقلين. ما زالت العملية برمتها في مرحلة مبكرة». وأضاف: «لقد فرضت العقوبات على وجه الخصوص منذ عقود. إنها متداخلة ومعقدة وراسخة».

ومثلما هو الحال مع معظم أفراد النخبة الحاكمة في ميانمار، فإنه ليس معروفا الكثير عن ثين سين، بما في ذلك درجة سيطرته في الوقت الحالي على الجيش القوي. وحتى أولئك الذين هم على اتصال وثيق في الولايات المتحدة بنظرائهم في ميانمار يقولون إنهم ليسوا متيقنين من الصورة التي تتخذ بها القرارات.

شغل ثين سين منصب رئيس الوزراء لعدة سنوات. وكان هذا المنصب على بعد خطوات عديدة من منصب الجنرال الأعلى، ثان شوي، الذي قاد البلاد لفترة طويلة، غير أن ثين سين اعتاد السفر للخارج. ويرى بعض المسؤولين الأميركيين أن ذلك ربما يكون قد ساعده في أن يدرك إلى أي مدى تخلفت ميانمار عن ركب الاقتصاد العالمي الجديد. وفي المقابلة، لم يقدم ثين سين ضمانات للأمة بتحقيق الحريات الديمقراطية كاملة، كما امتنع عن تأكيد إنهاء الرقابة على الصحافة في ميانمار، فيما أثنى على «السلام والاستقرار»، بوصفهما هدفين رئيسيين لحكومته.

وقال إن الجيش لم يعد له دور رسمي في الإدارة التنفيذية للدولة، غير أنه يستحوذ على ربع المقاعد في البرلمان. ومن بين إجمالي المقاعد التي يربو عددها على 600 مقعد، فإن 48 مقعدا متروكة للانتخابات المقرر إجراؤها في 1 أبريل (نيسان). وقال ثين سين: «لا يمكننا أن نستغني عن الجيش لأننا نحتاج إلى مشاركته في تطور بلدنا». وأعرب ثين سين عن رغبته الواضحة في تحقيق التطور الاقتصادي لميانمار، التي هي في أمسّ الحاجة إليه. لكن كان من الواضح أيضا أن ثمة عقبات يحتمل أن يواجهها في دفع عجلة التغيير وسط تعدد الفئات الحزبية - التي تضم القادة العسكريين صعاب المراس ونشطاء الديمقراطية، فضلا عن العديد من جماعات الأقليات العرقية التي ما زالت في حرب أهلية دموية مع جيش ميانمار.

أقر ثين سين بالطبيعة الصعبة للقتال، الذي استمر في العديد من الحالات لعقود كاملة. وقال سين: «سنحاول تحقيق سلام داخلي في الدولة.. لكن ذلك سيتطلب وقتا».

* ساهمت في إعداد التقرير مديرة الأبحاث مادونا ليبلينغ

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»