السفينة المنكوبة تتزحزح 1.5 سنتيمتر كل ساعة ومخاوف من غرقها في عمق البحر

تعليق البحث بسبب الأمواج.. وقس شهد الكارثة: الربان عانقني وبكى مثل الطفل لربع ساعة

أشخاص يلتقطون صورا لأنفسهم قبالة السفينة المنكوبة في جزيرة جيجليو أمس (رويترز)
TT

علقت عمليات البحث بين حطام السفينة الإيطالية المنكوبة «كوستا كونكورديا» بسبب الأمواج العالية أمس، بعد أسبوع من الكارثة التي حلت بالسفينة السياحية الفاخرة في مياه البحر المتوسط قبالة إيطاليا والتي يخشى أن تكون أدت إلى غرق 32 شخصا.

وقال الخبراء إن السفينة نصف الغارقة والمائلة على أحد جانبيها آخذة في الانزلاق من على الصخور التي تثبتت بها مؤقتا ما يخشى أن تندفع بالكامل إلى عمق البحر إذ إنها تتزحزح بمعدل 1.5 سنتيمتر كل ساعة. وكان مفترضا أن تجري الاستعانة بجهاز آلي يتم التحكم به عن بعد أمس لتحديد ما إذا أمكن إبقاء السفينة التي تزن 114 ألفا وخمسمائة طن، في وضع مستقر نسبيا.

كما تدرس فرق الطوارئ احتمال سحب السفينة العملاقة التي يبلغ علوها 17 طابقا باتجاه الساحل الصخري بالاستعانة بكابلات ضخمة تحول دون انزلاقها بالكامل ما يهدد بكارثة بيئية فضلا عن احتمال أن يكون أحياء ما زالوا على متنها.

وقال مسؤول إغاثة من موقع الكارثة بجزيرة جيجليو قبالة ساحل توسكانا الإيطالي، إن اجتماعا سيعقد «وسيحدد على الأرجح القرار الذي يتخذ بشأن إنهاء عمليات البحث من عدمه».

ومع تردي الأحوال الجوية في المنطقة، مدت فرق الطوارئ سلالم من الحبال على الجانب المكشوف من السفينة لتسهيل الوصول إليها، في الوقت الذي تم التحذير من أن الاقتراب من السفينة عبر زوارق مطاطية أصبح من الخطورة بحيث يوصى بتجنبه. ويخشى خبراء الشؤون البيئية وسكان المنطقة القريبة المشهورة بطبيعتها الخلابة وبمحمياتها البحرية أن يتسرب الوقود الثقيل من بدن السفينة العملاقة حيث يقدر أن خزاناتها تحتوي على ألفين و380 طنا من الوقود الثقيل فضلا عن مائتي طن من وقود الديزل.

وتستعد شركة «سميت سالفيدج» الهولندية لنزع الوقود من السفينة، غير أن المسؤولين يقولون إنه سيتعين تعليق عمليات البحث على متنها قبل نزع الوقود إذ قد تؤدي عمليات النزع إلى الإخلال بالاستقرار الهش للسفينة نصف الغارقة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ممثل عن الشركة الهولندية قوله: «نحن مستعدون للبدء بالعملية. كنا مستعدين أمس (الخميس) لكننا ما زلنا بانتظار الضوء الأخضر من السلطات. الآن نحن نعيد مراجعة عمليات التجهيز لذلك».

وتأكدت وفاة أحد عشر شخصا جراء الكارثة بينهم أربعة رعايا فرنسيين، وإيطالي وإسباني بين الركاب فضلا عن اثنين من أفراد طاقم السفينة العملاقة وهما نادل من بيرو وعازف كمان مجري كانا على متنها. ولم يتم التعرف على ثلاث جثث بين الجثث المنتشلة حتى يوم أمس.

وما زال ذوو 21 شخصا في عداد المفقودين حيث اتجهوا إلى جزيرة جيجليو والبلدات القريبة على الساحل الإيطالي. ومن المتوقع أن تتخذ الحكومة الإيطالية إجراءات تشدد أكثر من تنظيم عمليات سير وتشغيل السفن، بعدما ورد عن أن السفينة المنكوبة حادت بشدة عن مسارها في استعراض أهوج قبالة الجزيرة الواقعة على مقربة من ساحل توسكانا. ومن المتوقع إعلان حالة طوارئ في المنطقة، ما يسهل عمليات الانتشال الواسعة ويساعد في احتواء أي أضرار بيئية محتملة، غير أن الأضرار التي لحقت بالبيئة يعتقد حتى الآن أنها عند حدها الأدنى.

وتحدث نحو ثلاثمائة من أفراد طاقم السفينة من الفلبينيين فور عودتهم إلى بلادهم عن كيف وجدوا أنفسهم بمفردهم يحاولون إنقاذ الركاب بعد فرار ربان السفينة. وقال بنينيو ايناثيو وهو كبير طهاة لصحيفة «فلبين ديلي انكوايرر»: «ربما فعل الربان ما رآه أفضل ولكنه ارتكب خطأ فادحا. كان الخطأ في تركه السفينة بينما انشغل الطاقم ونحن منهم بإنقاذ حياة الركاب». وبحسب القس الذي كان على متن السفينة، فقد بكى ربانها «كطفل» بينما عانق القس بعد ساعات من ارتطامها بجزيرة جيجليو. وقال الأب رافاييلي مالينا في مقابلة مع مجلة «الأسرة المسيحية» الفرنسية إنه كان آخر من غادر السفينة نحو الواحدة والنصف صباحا السبت ومن ثم بقي «قريبا من المصابين» في مرفأ جيجليو الصغير. وأضاف: «نحو الثانية والنصف صباحا تحدثت إلى الربان. لقد عانقني وبكى كطفل نحو ربع ساعة». وقال القس البالغ الثالثة والسبعين الذي ظل على متن السفينة نحو عشرين عاما: «كان هناك أبطال من كافة الجنسيات. كانوا يرتعشون خوفا، وكانوا يشعرون بالخطر الذي يتهددهم. لقد أبلغوا الناس بالتوقف عن شغل زوارق النجاة التي امتلأت عن آخرها، غير أنهم كانوا يندفعون نحوها على أي حال».

وأعرب القس الكاثوليكي عن غضبه من بعض الركاب «الذين يريدون طلب تعويضات لأنهم خسروا مجوهرات بثلاثين أو أربعين أو خمسين ألف يورو. مهمتي أن أدافع عن الضعفاء، وليس عن الأثرياء وأصحاب المليارات». وقال إنه توجه للصلاة لدقائق معدودة في كنيسة السفينة قبل مغادرتها.

وفي تلك الأثناء صرح رئيس الشركة المالكة للسفينة في مقابلة مع «صحيفة كورييري ديلا سيرا» الإيطالية أمس إن الربان نبه الشركة إلى حجم الكارثة متأخرا. وقال بيير لويجي فوسكي إن أول مكالمة تلقتها الشركة من الربان فرانشيسكو سكيتينو كانت في العاشرة وخمس دقائق مساء بالتوقيت المحلي، أي بعد قرابة نصف ساعة من اصطدام السفينة بالصخور. وجاء إعلان إخلاء السفينة بعد 68 دقيقة من تلك المكالمة. وقال فوسكي «هذه الساعة وأكثر من التأخير ليست أمرا معتادا، ولا يمكن تبريره. ليس بمقدوري أن أنام ليلا. لو كان قد تم إخلاء السفينة قبلا لما فقدنا أرواحا بشرية». وقال واصفا الربان «طالما ظننا أنه ربان كفء على المستوى الفني، ولكن ربما هناك نقائص في شخصيته حتى لو لم يثبت ذلك رسميا».

وقال فوسكي إنه أدرك مدى الكارثة «فقط بعد صدور إشارة الإخلاء»، وأضاف «رأيي الشخصي أنه (الربان) لم يكن أمينا معنا. أعتقد أنه لم يكن مستقرا من حيث انفعالاته. كان ينظر ليرى بعينيه سفينته وهي تغرق أمامه». غير أن رئيس الشركة أكد أن الربان سكيتينو تصرف من نفسه بتوجيهه السفينة نحو الجزيرة «دون إبلاغنا بذلك».

ويخضع سكيتينو للإقامة الجبرية حاليا، ويواجه اتهامات عدة بالقتل الخطأ، وبترك السفينة وبالتسبب في غرقها. وقال رئيس الشركة إن شركته ستعمل في المستقبل على تثبيت أجهزة إنذار ساحلية فضلا عن أجهزة الإنذار بالسفينة للتحذير في حال انحراف سفينة عن مسارها كما ستزيد من صلاحيات الشركة في التصرف خلافا لأوامر ملاحي السفن. وأضاف «لن يحدث شيئا كهذا البتة، لن يحدث أبدا!».