من دمشق للقاهرة.. ناشط سوري يشعل الثورة السورية إعلاميا

يخطط للعودة رغم اعتقاله مرتين.. ويسعى لتكوين رابطة أخبار للناشطين

رامي جراح (الشرق الأوسط)
TT

«شقة صغيرة في قلب القاهرة تطل على ميدان مزدحم، كومبيوتر شخصي أبيض متطور على الطاولة، دقات متتابعة تصدر من برنامج (Skype)، هاتف (I-phone) مربوط بـ(تويتر)، متصل من مدينة دوما السورية يبلغ عن بدء جنازة، صوت فتاة من الأردن تسأل عن هوية قتيل، الأخبار تتوالى عبر شاشة جهاز (I-Pad)، في زاوية بعيدة يقبع أهم سلاح.. كاميرا فيديو فائقة الجودة».. إنها الثورة السورية حين تدار إلكترونيا من القاهرة على بعد مئات الأميال من حمص، حماه، درعا، حيث القمع والقتل في الشوارع.

«إنها ثورة (Skype) بامتياز»، هكذا يقول رامي جراح، أشهر منسقي الثورة السورية، والمعروف إعلاميا وعلى شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» باسم «AlexanderPageSy»، لـ«الشرق الأوسط» من مكتبه في القاهرة، حيث فر إليها بعدما كشفت الأجهزة الأمنية هويته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقبل سبعة سنين، لم يكن يتصور جراح المولود في قبرص لأبوين سوريين، أنه سيكون جزءا من الانتفاضة السورية، لكن زيارته الأولى لدمشق عام 2004 انتهت مأساوية بمصادرة جواز سفره ومنعه من السفر. أجبر جراح على البقاء، ليعمل في مجال الاستيراد والتصدير.

وقبل اندلاع الانتفاضة السورية في مارس (آذار)، حاول جراح رفقة شباب سوريين تنظيم مظاهرة في بداية فبراير (شباط)، لكنهم فشلوا، ويقول جراح، الذي فضل استخدام الإنجليزية طوال حواره مع «الشرق الأوسط»: «البداية كانت غير منظمة، كنا مجموعات متفرقة، وليس بينا أي تنسيق»، ثم انطلقت الثورة في مارس والتي شارك فيها جراح، مصورا عبر هاتفه المحمول وكاميرته فائقة الجودة لأحداثها.

وفي 25 مارس اعتقل جراح، حيث وضع وحيدا لثلاثة أيام في زنزانة أحد الأفرع الأمنية في دمشق. ويقول جراح عن تجربة اعتقاله الأولى «تركوني بلا طعام، وبلا شراب، منعوني بالقوة من النوم أو الجلوس لثلاثة أيام، تأذت ركبتي كثيرا بسبب هذا»، لكنهم أفرجوا عنه بعدها. ويقول جراح «ليومين، شعرت بالجنون، شعرت بأن أحدا اغتصبني»، مضيفا بتأثر «لكني قررت أن أنقل كل شيء للعالم».

وعبر برنامج «Skype» بدأ جراح التنسيق مع الكثير من الناشطين الذين لم يكن ولا يزال لا يعرفهم شخصيا على الإطلاق، قائلا «كونا شبكة علاقات من الناشطين في مختلف المدن السورية، لا نعرف أسماء بعضنا بعضا، ولا أشكالنا، فقط أسماء مستعارة، فنحن نتواصل صوتيا فقط ومن دون إعطاء أي معلومات عن هويتنا»، وباستمرار يظهر جراح، ذو السبعة والعشرين عاما، على قنوات الأخبار الأجنبية ليتحدث بإنجليزية طليقة عن ثورة بلاده، ويقول جراح «لغتي العربية ليست طليقة، لذا فضلت الابتعاد عن القنوات العربية حتى لا يقول أحد إنني عميل أجنبي مثلا».

وبينما كان جراح يتحدث لـ«الشرق الأوسط» كانت عشرات الاتصالات تنهال عليه عبر «Skype» من مختلف المدن السورية، أحدها يبلغ عن قتيل، وآخر يذكر بموعد بث جنازة، وثالث يستفسر عن هوية قتيل، وهو ما كان جراح يدونه على حاسوبه الشخصي بدقة بالغة.

وعبر الثورة السورية ظل جراح باسمه المستعار يبث مقاطع فيديو لمظاهرات دمشق صورها بنفسه بالكاميرا الخاصة به، لكن أحدا أبدا لم يعرف من هو (AlexanderPageSy) شخصيا، حتى زوجة جراح نفسها «لم أرد توريطها في الأمر، أردت الحفاظ عليها من أي ضغط»، هكذا قال جراح الأب للطفلة لاما (عشرة أشهر)، والتي قال إنها كانت السبب الرئيسي في فراره من سوريا.

واعتقل جراح ثانية لساعات معدودة في يونيو (حزيران) بسبب اقترابه بسيارته من مظاهرة للفنانين السوريين في دمشق، المثير أن جراح يقول «الأجهزة الأمنية السورية لم تكن تعلم أنني اعتقلت من قبل، يبدو أنهم يعملون من دون أي سجلات».

لكن في أواخر سبتمبر (أيلول) بدا أن حيلة الاسم المستعار لجراح قد انكشفت، حيث تعرض للضرب من أشخاص أخبروه بأن عليه أن يصمت من دون أي تفاصيل، ثم عبر مصدر خاص تم إبلاغه فجر الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) أنه سيتم القبض عليه باكرا. يقول جراح «أيقظت زوجتي، جمعت ما أستطيع من أموال، وأخفيت سيارتي، واستقللنا تاكسيا للحدود مع الأردن»، متابعا «بدا لي أن قرار اعتقالي لم يصل لضباط الحدود بعد.. سمحوا لنا بالمرور، ختمنا جوازات السفر، ثم انتقلنا بالطائرة للقاهرة.. إنها رحلة مجنونة، لم أكن لأفر أبدا لولا أسرتي وابنتي».

لكن خطط جراح، الذي درس الصحافة في الإمارات العربية، لم تتوقف في القاهرة، حيث لا يزال يدير شبكة الناشطين بالحماس نفسه، وحاليا يفكر جديا رفقة ناشطين في بث الأحداث عبر تأسيس رابطة أخبار الناشطين (Activist news association)، في مكتب خاص، حيث سيضم استوديو وغرفة أخبار تسهم في إخراج قناة تلفزيونية على الإنترنت وراديو بل حتى صحيفة، ويقول جراح «لدينا شبكة أخبار يعتمد عليها العالم، لذا نحن قادرون على القيام بالأمر وحدنا».

وينتظر جراح بفارغ الصبر أن يقوم الثوار بالسيطرة على مدينة سورية ليعود لسوريا لمواصلة رحلته التي بدأت رغم عنه في 2004، لكنها ستستمر بإراداته الحرة حيث يقول، وهو يودعنا ممسكا بكاميرته التي يعتبرها سلاحه الخاص «أنا جزء من سوريا.. ولا يمكنني الآن تصور الحياة خارجها».