حياة الناس في دمشق تنقلب رأسا على عقب وبعض العائلات تفتقر للطعام والتدفئة

الغلاء حدث ولا حرج.. وفقدان السلع الأساسية بات ظاهرة مألوفة

TT

لم تعد ربوع الشام على حالها من الأمن والرخاء والبحبوحة، فالإجراءات الأمنية التي يفرضها النظام السوري في أحياء دمشق ومحيطها وريفها بدلت حياة الناس، وأدخلتهم في نفق لا أحد يتنبأ بنهايته. غير أن «الشوام» كما يسمون أنفسهم باللهجة العامية واثقون من تخطي هذه المرحلة بإيمان وصبر وثبات كما يقول أحد أبناء دمشق.

«لقد انقلبت الحياة رأسا على عقب في دمشق، وتبدلت أولويات الناس الذين لا همّ لهم إلا إطعام أولادهم وتأمين الوقود لتدفئتهم»، يقول محمد أبو عمر، أحد أبناء العاصمة دمشق. ويكشف محمد لـ«الشرق الأوسط» أن «غلاء المعيشة في دمشق حدث ولا حرج، وهناك عائلات باتت في حالة يرثى لها، ولم تعد تملك وجبات الطعام اليومية، عدا عن أن فقدان القسم الأكبر من السلع والمواد الغذائية بات ظاهرة مألوفة، لكن رغم كل هذه الضغوط فإن معنويات الناس عالية، لأن الجار لا يتخلى عن جاره، ووصل الأمر بسكان بعض الأحياء إلى إسعاف بعضهم بعضا بوجبات الطعام». ويقول محمد «أصبح مشهد رجل أو سيدة أو طفل يحمل الأطباق في الشوارع لنقلها إلى عائلة أخرى محتاجة أمرا مألوفا في المشهد اليومي، رغم أن حاملي هذه الأطباق يمرون على عدد من الحواجز المنتشرة في الحي الواحد رغم ضيق مساحته واكتظاظه، وهذا الانتشار الواسع للحواجز معمم على أحياء دمشق الداخلية وفي محيطها، لا سيما في القابون وبرزة والزملكا ومخيم اليرموك والحجر الأسود، ويستثنى منها فقط الأحياء التي توجد فيها السفارات ومؤسسات الدولة التي لا يوجد فيها سكان بشكل كبير».

ويلاحظ محمد أن «الناس لم يعودوا يذهبون إلى المناطق التجارية، فالتاجر أو صاحب المحل يفتح مؤسسته من الصباح وحتى المساء ولا يجد من يبيعه إبرة، فيعود ليلا إلى بيته خالي الوفاض». ويضيف «هناك صورة مؤلمة لمشهد اصطفاف الناس بالطوابير على محطات الوقود للتزود بمادة المازوت للتدفئة، واليوم (أمس) تألمت لحال رجل وقف لأكثر من ساعتين ينتظر دوره على المحطة، وإذا به يحصل على لتر واحد من المازوت لأنه لا يملك سوى 25 ليرة سورية». ويؤكد محمد أن «كل من يقول إن دمشق تعيش حياة طبيعية والناس يتحركون وينزلون إلى أعمالهم بشكل عادي يجافي الحقيقة، لأن من يتحرك داخل الحي الواحد لا بد أن يمر بثلاثة حواجز على الأقل. إن هذه الحقيقة لا ينكرها إلا أتباع النظام والمنتفعون منه». ويجزم الشاب الدمشقي بأن «الخوف الذي كان ينتاب السوريين ومنهم أهل الشام أصبح من الماضي، فحواجز الأمن وصلف الشبيحة لم يعدوا يخيفان الأطفال، وبالأمس (أول من أمس) خرجت مظاهرة لأطفال من مدرسة ابتدائية في حي تملؤه الحواجز الأمنية والعسكرية، وهم يهتفون بإسقاط النظام وإعدام الرئيس (السوري بشار الأسد)، وكلما فرقهم الأمن في مكان يعودون ليتجمعوا وينطلقوا بمظاهرتهم من مكان آخر». ويشير إلى أن «علامات التعب والإرهاق باتت واضحة على وجوه ضباط الجيش وعناصر الأمن، فقبل أيام خرجت مظاهرة في دوما (ريف دمشق) عقب صلاة العشاء، واستمرت حتى منتصف الليل، وتحول موقعها إلى كر وفر بين أفرادها وأفراد الجيش، وعند الساعة الثانية عشرة ليلا تقدم ضابط برتبة عقيد من المتظاهرين، وقال لهم «والله أهلكتمونا، أرجوكم اذهبوا إلى منازلكم وعودوا صباحا لأننا نريد أن ننام قليلا». ويكشف أن «بعض العناصر الأمنية الذين يقفون على الحواجز يسربون معلومات إلى الثوار عن اجتماعات لضباط كبار والخطط التي يعدها هؤلاء ويحرضون على استهدافهم، وهذا دليل على أن غالبية عناصر الجيش والأمن قلوبهم مع الثورة، لكنهم لا ينشقون خوفا من كشف أمرهم وتصفيتهم».