استجواب أمين بغداد ينتقل من قبة البرلمان إلى الأعراف العشائرية

الشرطة تعتقل 19 شخصا بينهم زعماء عشائر هددوا عائلة النائب شيروان الوائلي الذي أثار قضايا فساد

الجندي الأميركي فرانك ووتريتش المتهم بمجزرة راح ضحيتها 24 مدنيا في بلدة حديثة بالعراق يتوسط محاميه قبيل بدء جلسة محاكمته في كامب بندلتون بكاليفورنيا أول من أمس (أ.ب)
TT

أعلنت الشرطة العراقية أنها اعتقلت 19 شخصا بينهم موظفون في أمانة بغداد وزعماء عشائر، بسبب تهديدهم للنائب شيروان الوائلي إثر كشفه ملفات فساد متورط فيها مسؤول كبير في الأمانة. وقال مردان الوائلي (60 عاما) الشقيق الأكبر للنائب الوائلي: «حضر إلى بيتي في مدينة الناصرية (305 كلم جنوب بغداد) نحو عشرين شخصا بعضهم في سيارات حكومية أمس الجمعة (أول من أمس)، وهددوني بالقول: إذا لم يتم إطلاق سراح أبنائنا خلال يومين سترى ما سيحدث»، حسبما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.

وكان القضاء قرر حجز الوكيل الإداري للأمانة نعيم عبعوب وموظف كبير آخر لمدة 40 يوما بتهم فساد. وأشار إلى أن «إحدى السيارات التي كانت تقلهم، كانت تحمل أسلحة». وكان النائب الوائلي الذي شغل منصب وزير الأمن الوطني في الحكومة السابقة، كشف في جلسات البرلمان عن ملفات فساد في أمانة بغداد واتهم مسؤولين كبار بضمنهم عبعوب بالوقوف وراء ذلك.

إلى ذلك، قال العقيد فلاح السعيدي من شرطة الناصرية «اعتقلنا 19 شخصا لقيامهم بتهديد مردان الوائلي شقيق النائب شيروان الوائلي، أمس الجمعة (أول من أمس) إثر اعتقال أحد موظفي أمانة بغداد المدعو نعيم عبعوب» وكيل أمين بغداد بتهمة الفساد. وأضاف أن «هؤلاء الأشخاص وبينهم موظفون من أمانة بغداد وزعماء عشائر من بغداد ومناطق الفرات الأوسط، حملوا شقيق الوائلي مسؤولية ما سيحل بأبنائهم وما سيصدره القضاء من حكم بحقهم».

وذكر مصدر من عائلة الوائلي أنهم «طلبوا كذلك أن يعتذر النائب الوائلي عبر وسائل الإعلام عن الاتهامات التي أعلنها». لكن ضابط الشرطة أكد أنه «تم إطلاق سراح 13 شخصا منهم كونهم كبارا في السن وزعماء عشائر، والإبقاء على 6 فقط هم موظفون في أمانة بغداد وبينهم أحد عناصر حماية عبعوب».

وأكد مصدر في مكتب النائب شيروان الوائلي «قيام 19 شخصا يستقلون 6 سيارات، بينها 4 تعود لأمانة بغداد، بالتوجه إلى منزل الشقيق الأكبر للنائب وتهديده بإطلاق سراح عبعوب أو تحويل القضية إلى مسألة عشائرية». وأشار إلى أن «خمسة من بين المعتقلين العاملين في أمانة بغداد أكدوا تلقي أمر من مؤسستهم بالقيام بهذه المهمة». وأوضح أن «السبب هو أن النائب الوائلي مسؤول عن متابعة قضايا فساد في أمانة بغداد، وعلى ضوئها صدر أمر باعتقال عبعوب لمدة 40 يوما بتهمة هدر المال العام». وأكد أن النائب الوائلي سيواصل كشف ملفات الفساد في أمانة بغداد وملاحقة المسؤولين عن هدر المال العام والتعاقد مع شركات وهمية.

وعرض النائب الوائلي وثائق في جلسات مجلس النواب التي عقدت إحداها في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تتهم أمانة بغداد بمن فيهم أمين العاصمة صابر العيساوي بارتكاب فساد وهدر في المال العام. لكن المفارقة التي لفتت الأنظار وكانت قد أغرت النواب والسياسيين على النظر إلى استجواب العيساوي كونه عابرا للكتل السياسية هي أن كلا من القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وقفا موقفا يتأرجح بين المؤيد للعيساوي (العراقية نكاية بدولة القانون بسبب خلافاتهما العميقة) أو المحايد إلى حد كبير (التحالف الكردستاني بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطه مع زعامة المجلس الأعلى الذي ينتمي إليه العيساوي).

مع ذلك فإن الجميع أعلن أنه مستعد لاحترام قواعد اللعبة الديمقراطية وأنه سوف يحتكم إلى المعطيات التي يمكن أن يمضي معها البرلمان في إجراءات سحب الثقة من العيساوي أو لا. لكن القضية ما زالت معلقة برلمانيا. وكانت هناك 3 عوامل ساعدت على عدم سرعة الحسم الأول هو إدراك دولة القانون أن القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وقسم من التحالف الوطني قد لا يصوتون لصالح سحب الثقة. والثاني هو العطلة التي تمتع بها البرلمان والعامل الثالث هو تعليق القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي عضويتها في البرلمان مما يجعل أمر التصويت شبه متعذر، فضلا عن إمكانية سحب الثقة.

ويبدو أن فشل البرلمان في حسم القضية ديمقراطيا ووفقا لقواعد اللعبة الديمقراطية فسح المجال للجوء إلى قانون القبيلة وأعرافها التي لا تزال قوية في العراق بسبب عدم قدرة الدولة على بسط سلطة القانون في المجتمع بما يجعله فوق الجميع مثلما هي الشعارات المنتشرة في كل الشوارع والساحات في طول البلاد وعرضها. وكانت الإجراءات العشائرية قد طالت الأطباء الذين كان الكثير منهم وفي أكثر من محافظة عراقية قرروا غلق عياداتهم أو الاعتصام بسبب مطالبة ذوي المرضى المتوفين بإخضاع الطبيب للفصل العشائري في حال موت مريض إثر فشل عملية جراحية يقوم بها طبيب.

من جانبه اعتبر وزير الدولة السابق لشؤون العشائر عضو البرلمان العراقي جمال البطيخ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «من غير المقبول التداخل بين العشائر ومهام الدولة لأن الدولة مسؤولة عن الجميع وهي تعمل وفق سلطة القانون الذي هو فوق الجميع» مشيرا إلى أن «من أخطر الأمور أن يحاول السياسيون الاستعانة بالعشائر لحل أزماتهم لأن هذا يشكل نقطة ضعف قاتلة». وبشأن هذه الممارسات قال البطيخ إن «الإجراءات الحكومية هي المسؤولة عن تطبيق القانون والحفاظ على المال العام وإن أي محاولة للخلط بين عمل الحكومة وعمل العشائر أمر لم يعد مقبولا».