خلافات بين المصريين حول ثورتهم بعد عام من سقوط مبارك

البعض دعا للاستقرار في المرحلة الانتقالية.. وآخرون مع «استكمال الثورة»

TT

صباح 28 يناير (كانون الثاني) 2011، العاصمة المصرية تستعد لمظاهرات جمعة الغضب. الحكومة تقطع خدمة الإنترنت والهواتف المحمولة. أم تودع أبناءها قبل انضمامهم للمظاهرات في الشوارع. الأب يعطي أبناءه نصائح لتفادي ضربات الأمن. الأخ الأصغر ينقل للأسرة آخر الأخبار عبر القنوات التلفزيونية. لاحقا الأسرة تتوحد تماما خلف الثورة خلال 18 يوما من اعتصام ميدان التحرير. ثم تحتفل الأسرة بالثورة في الميدان.

لكن بعد عام من الثورة، أصبحت الأسرة نفسها أكثر انقساما، وفقا لمقابلة أجرتها معها «الشرق الأوسط».. الأم تساند الاتجاه الذي يتبناه البعض بالحفاظ على هيبة المجلس العسكري. الأب غير راض عن أوضاع البلاد لكنه لا يجد بديلا سياسيا يرضيه. الأبناء أنفسهم منقسمون، بين ابن يبرر عنف الثوار ضد السلطات ويشارك فيه أحيانا، وآخر يرفض كل أشكال العنف، وثالث يحلم بالنزول مجددا لميدان التحرير «لاستكمال الثورة».

وعبر عام من الثورة أدت الأحداث السياسية المتعاقبة لتغير موقف أسرة محمد هشام، الذي يعمل مهندسا في شركة خاصة، ويبلغ من العمر 58 عاما، من الثورة، ويعتبر نفسه من الطبقة المتوسطة. فالموقف الموحد للأسرة أصبح أكثر انقساما، خاصة مع كل مرة تتجدد فيها المظاهرات التي تتحول في كثير من الأحيان إلى اشتباكات مع قوى الأمن، وهو ما أسقط قتلى وجرحى في صفوف الثوار.

وخلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي شارك الابن الأوسط للأسرة، أحمد (24 عاما)، في مواجهات عنيفة قرب منشآت حكومية بوسط القاهرة، منها أحداث شارع محمد محمود وشارع قصر العيني، وهو ما عارضه الأب والأم بشدة ودخلا في مشادات حادة مع الابن، متهمين إياه بأنه خرج برفقة الشباب من مسار سلمية الثورة، لكن أحمد لم يتراجع عن موقفه على الرغم من إصابته في رأسه. وبعد تخلي مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير (شباط) الماضي، دخلت مصر مرحلة انتقالية تحت إدارة المجلس العسكري لمدة ستة أشهر، وهو ما تم تمديده لاحقا دون تحديد موعد لتسليم السلطة، ثم أدت أحداث شارع محمد محمود في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى تحديد موعد تسليم السلطة في يونيو (حزيران) 2012.

اللافت أن حالة الفوران والجدل السياسي وجدت لها مكانا في مناقشات الأسرة الصغيرة التي تعيش في ضاحية المقطم المشرفة من فوق هضبة المقطم الشهيرة (جنوب شرقي القاهرة)، وكأنها تطل من هناك على مستقبل البلاد.. فالجدل الدائر حول تسليم السلطة في البلاد يسيطر على مناقشات الأسرة، وبينما يرى الأب والأم أن الوقت غير مناسب حاليا لتسليم السلطة من المجلس العسكري لحكومة مدنية، يشدد الأب على أن المجلس العسكري يبقى بلا بديل.

ومثل ألوف من الشباب الثائر في الميادين، يجادل أبناء أسرة المقطم لإقناع الأب والأم بأن على المجلس تسليم السلطة في الحال، وإن انقسموا على الطريقة، وهو أمر يدخل الجميع في حلقة مفرغة من الجدل لا تنتهي، ليس داخل أسرة هشام، ولكن تجد مثل هذه المناقشات دائرة في عموم مصر، من صفحات الصحف إلى برامج الدردشة التلفزيونية، وجلسات المقاهي.

وفي جلسة سمر أسرية في أجواء المقطم الباردة، وقبل أسبوع من الذكرى الأولى للثورة، تعكس مناقشات أفراد أسرة هشام انقسام المصريين بشأن الاحتفال بالثورة باعتبار أنها «نجحت»، أو النزول لاستكمالها باعتبار أنها «لم تنجح بعد». ويستعد أبناء الأسرة لاستكمال ثورتهم التي بدأوها قبل عام، ويعتقدون أنها لم تحقق أهدافها، رافضين كل مظاهر الاحتفال بها، لكن والدهم يؤيد الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة، قائلا: «أنا مع فكرة الاحتفال.. نأخذ قسطا من الراحة لاستعادة ذكريات عام كامل بحلوه ومره»، وهو ما جعل ابنه أحمد يتنهد قبل أن يقول: «أي احتفال يا أبي؟! الثورة لم تنجح من الأساس.. وعلينا الآن تكرارها من جديد».

هذا التعارض المتنامي داخل الكثير من بيوت المصريين، يلقي بمخاوفه على قطاع عريض من الشعب بشأن المستقبل. وحين كان الأب والابن يتناقشان وقد أصبحا أكثر اختلافا عن أيام الثورة الأولى، تدخلت الأم، زينب سالم، قائلة في قلق: «ربنا يسترها». ويبدي الوالدان، الأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية، تخوفهما من المستقبل، ويقفان في صف عودة الهدوء والاستقرار للشارع وإعطاء فرصة للسلطات لمباشرة عملها وإدارة عجلة الإنتاج، وبالتالي استعادة الاقتصاد لعافيته.

ويقول ابنها محمود (17 عاما) إن الشباب يخاف على مستقبل البلاد مثلها تماما، رافضا توجيهات والدته. ويضيف الابن الأكبر: «كلنا نخاف على بلادنا، لكن كل بطريقته».