أغنى رجل في البرازيل: كونت ثروتي بتعبي ولم أسرقها

صاحب الـ30 مليار دولار نجح في المناجم وأخفق في العطور.. والرئيسة روسيف تعتبره نموذج رجل الأعمال الناجح

TT

كان إيك باتيستا يتململ على مقعده ويشعر بالانزعاج عند تذكره للفترة التي عاش فيها مجهولا لا يعرفه أحد. وقال باتيستا، الذي يعد أغنى رجل في البرازيل: «يعتقد البرازيليون أنني هبطت فجأة على عالم المشاهير عام 2000».

لم يسمع الكثيرون في البرازيل عن مغامراته في الأمازون عندما كان في بداية العشرينات من العمر، عندما قرر عدم استكمال دراسته الجامعية في ألمانيا الغربية، من أجل التجارة في الذهب والرهان على صناعة ماكينة تبدو خرقاء في الغابات للعمل على المعادن الثمينة دون الحاجة إلى عمال تعدين تقليديين. وعوضا عن ذلك، بدأ باتيستا يظهر في مجلات أخبار المجتمع في التسعينات بعد أن تزوج من عارضة الأزياء والراقصة لوما دي أوليفيرا. في ذلك الوقت نصحه والده إليزر باتيستا، وهو مسؤول حكومي محبوب سابق، بعدم الظهور ولفت الانتباه، وهو يكّون ثروة جعلته هدفا للاختطاف. مع ذلك فعل باتيستا العكس تماما، ففي سن الخامسة والخمسين أصبح أثرى أثرياء أميركا الجنوبية بتكوين ثروة تقدر بـ30 مليار دولار، بحسب مجلة «فوربس»، ويعد أيضا من أكثر الشخصيات قبولا كصاحب مجموعة من المشاريع الرائدة حيث يتمتع بطاقة غير محدودة في الترويج لنفسه ولبلده. وقال وهو جالس في مكتبه بالطابق الثاني والعشرين في مؤسسته «إي بي إكس» المطلة على خليج غوانابار: «تعد البرازيل بمثابة سباق خيول بالنسبة لي، حيث تتمتع اليوم بالثروة التي كانت لدى أميركا في بداية القرن».

وفي الوقت الذي تشير فيه الرئيسة البرازيلية، ديلما روسيف، إلى باتيستا باعتباره نموذجا لرجل الأعمال الناجح في القطاع الخاص، يرى منافسوه من رجال الأعمال أن مهارة باتيستا الأساسية هي البيع، حيث يتمتع بالقدرة على إقناع المستثمرين بالرهان بنحو 24 مليار دولار على شركاته الناشئة في التعدين والنفط والدعم اللوجيستي وتوليد الكهرباء وبناء السفن. وقال أولافو مونتيرو دي كارفالو، شريكه السابق في منجم ذهب بالأمازون: «إنهم يعتقدون أنه يستطيع بيع الأحلام لا الواقع».

في بداية العام الحالي أصبحت لباتيستا فرصة لإثبات عكس ذلك، حيث يتوقع أن تبدأ شركة النفط الخاصة به «أو جي إكس» في إنتاج النفط الخام من آبار اكتشفت ويقدر النفط بها بـ10 مليارات برميل. وتعتزم شركة الدعم اللوجيستي التي يملكها باتيستا افتتاح «ميناء مميز» تبلغ تكلفته ملياري دولار في ريو دي جانيرو، العام المقبل، قال إنه سيكون روتردام أميركا اللاتينية. ويفترض أن يكون ذلك أكبر من مانهاتن بمرة ونصف، وسيتمكن من استقبال 350 طنا من الصادرات والواردات سنويا، ومن ضمنها النفط والحديد من شركات باتيستا.

لكن البرازيليين يبقون مختلفين حول الرجل الذي يعرف باسم إيك، حيث يراه البعض رجلا متفاخرا ومزهوا بنفسه ومصابا بجنون العظمة ويحب التقاط صور له وهو يرتدي ربطة عنق وردية اللون ومع سيارته الـ«مرسيدس ماكلارين» التي بلغ سعرها مليون دولار. ولا يبدو أن باتيستا يشعر بالأسف لذلك، حيث يقول إنه يحاول التحرر من ثقافة الحذر وعدم التفاخر بثروته التي يمثل أبوه جزءا منها، ويعلم البرازيليين التطلع إلى رجال الأعمال كنموذج يحتذى به كما يفعل الأميركيون. وقال: «أريد مساعدة جيل بأكمله من البرازيليين في الشعور بالفخر. أنا ثري، نعم، فقد كونت الثروة بتعبي، ولم أسرقها. يحق لنا إظهار ذلك».

يشعر باتيستا هذه الأيام بالتحرر، حيث يسافر حول العالم بطائرته الخاصة التي يبلغ ثمنها 61 مليون دولار، وكثيرا ما يدلي بأحاديث ويتفاعل مع متابعيه على «تويتر» البالغ عددهم 539.600، ويقدم لهم «عبارات نصح وإرشاد» لتكون مصدر إلهام لهم. توجد في مكتبه صور له عندما كان بطلا في سباق الزوارق، وسيف أهداه له شريك ياباني كتعبير عن شكره في صفقة ذهب. وكان يتخلل عباراته ذات النبرة الألمانية، وهي واحدة من خمس لغات يتحدثها بطلاقة، بعض العبارات الفرنسية مثل voila وc’est la vie.

يقول باتيستا إنه بدأ رحلته بـ«السعي إلى الاستقلال المالي» ورغبة جامحة في الهروب من ظل أبيه، المهندس الشهير الذي ساعد في زيادة حجم تجارة البرازيل الدولية في السلع. ولد في ولاية ميناس غيرايس بالبرازيل من بين سبعة أبناء. وكان يعاني من الربو المزمن حين كان طفلا، مما دفع والدته الألمانية إلى وضعه في حوض سباحة وقال: «لقد ساعد هذا في فتح رئتي». ولا يزال يجيد السباحة والركض. وعندما وصل إلى مرحلة المراهقة انتقلت أسرته إلى أوروبا، وأقام في جينيف ودوسلدورف وبروكسل. واختار والد باتيستا الذي كان رئيس شركة تعدين مملوكة للدولة «منفى وديا»، عندما اعتبرته الحكومة العسكرية البرازيلية «شيوعيا» بسبب إتقانه اللغة الروسية، على الرغم من أنها واحدة من لغات كثيرة يتحدثها. وفي أوروبا، عمل إليزر باتيستا، على تأسيس مشاريع لشركة التعدين في الخارج. وفي الستينات أدرك إمكانية استفادة البرازيل من تصدير الحديد إلى اليابان، لكن كانت المسافة هائلة، لذا أقنع باتيستا شركة مصنعة للسفن ببناء ناقلات ضخمة، وعمل على تطوير ميناء برازيلي بحيث يسمح عمقه برسو السفن الضخمة. وقال باتيستا الابن إن والده «فعل الكثير من الأمور الرائعة للبرازيل، لكنه لم يكن يوما مغامرا». عاد والداه إلى البرازيل عندما كان باتيستا في الثامنة عشرة من العمر، وبدأ العمل كمندوب في شركة تأمين، ثم تحول إلى بيع الألماس واللحم البقري المعلب. قرأ عام 1978 عن حمى الذهب في الأمازون، لذا قرر في سن الثانية والعشرين عدم إكمال دراسته في جامعة آخن في شمال الراين، حيث كان يدرس هندسة استخراج المعادن، وانطلق إلى البرازيل. أقنع تاجر جواهر في ريو دي جانيرو بإقراضه 500 ألف دولار، فقد كان الجميع يعرفون أن والده رجل مرموق، وذهب إلى الأمازون، وبدأ بهذا القرض التجارة في الذهب كوسيط بين عمال المناجم الريفيين والمشترين في ريو دي جانيرو وساو باولو. وقال إن مكاسبه في عام ونصف بلغت 6 ملايين دولار. وبعد أن أدخلت شركة برازيلية الماكينات في مجال تعدين القصدير، حاول أن يقوم بذلك في مجال الذهب، لإدراكه إمكانية تحقيق هامش ربح كبير حتى وإن ارتكب أخطاء.

وفي سن الثالثة والعشرين راهن بكل ما يملك على تصنيع ماكينته، لكن الثمن كان دفع أجور لعمال المناجم ومواجهة تحديات وصول الجرافات ووقود الديزل إلى منطقة تنتشر بها الملاريا وتغيب عنها سيادة القانون. لم يتبق لديه سوى 300 ألف دولار، وفي الوقت الذي كان يتساءل فيه عما إذا كان عليه أن يذهب إلى الشاطئ أو استكمال دراسته في مجال الهندسة، بدأت الماكينة في العمل، وسرعان ما بدأ يحقق مليون دولار شهريا.

وبعد تجربته في الأمازون، بدأ باتيستا البحث عن المناجم الزاخرة بالذهب في البرازيل. وحثه والده على البحث خارج البلاد خوفا عليه من الاختطاف. وحاول القيام بذلك، لكنه أخفق في روسيا واليونان وجمهورية التشيك والإكوادور وفنزويلا، حيث خسر مئات الملايين من الدولارات، وأخافته تلك التجارب وقرر عام 2000 تركيز جهوده على مشاريع في البرازيل. ولم يحقق باتيستا نجاحا في مجالات عمل أخرى مثل البيرة والسيارات الجيب والعطور، وقال: «الأمر أكثر صعوبة في عالم المنتجات الاستهلاكية، حيث لا يكون تحقيق الأرباح سهلا على أي شخص، لذا لا يكون أمامك فرصة ارتكاب الكثير من الأخطاء».

وباتيستا مهووس هذه الأيام بإلهام جيل جديد من أصحاب المشاريع الصغيرة البرازيلية حتى يكونوا مغامرين مثله، وقال: «يجب ألا يكون لدينا فقط أفضل لاعبين في كرة القدم في العالم.. لماذا لا يكون لدينا أفضل رجال أعمال في العالم؟».

*خدمة «نيويورك تايمز»