شافيز يعود للتحدي والمشاكسة

استقبل نجاد واختار وزيرا تلاحقه واشنطن بعد غياب عام بسبب المرض

TT

عاد الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز، الذي اعتاد تحدي واستفزاز الولايات المتحدة، إلى خيلائه وزهوه، بعد قضائه عاما في الظل كان يُعالج فيه من مرض السرطان، وبدا أثناءه ضعيفا، كما بدا فيه صوته الحاد خافتا.

وقد استضاف خلال الشهر الحالي الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، محتضنا إياه كصديق، ومازحا معه عن الأسلحة النووية، ومستهزئا باتهام الولايات المتحدة وحلفائها لإيران بالسعي لصنع قنبلة نووية. كما تعهد بالانسحاب من عملية تحكيم للبنك الدولي قد تجبر فنزويلا على دفع مليارات الدولارات للشركات الأجنبية التي قام بتأميم ممتلكاتها، مثل شركة «إكسون موبيل».

وقد نجح شافيز في إثارة غضب واشنطن وخصومه السياسيين في الداخل بضربة واحدة، من خلال تعيينه وزيرا جديدا للدفاع تتهمه الولايات المتحدة بدعم أنشطة الاتجار في المخدرات، التي تمارسها جماعة كولومبية متمردة مصنفة على أنها منظمة إرهابية من قبل وزارة الخارجية الأميركية.

وقد بدا شافيز واهنا على نحو غير معهود طوال فصلي الصيف والخريف، في المرات القليلة التي كان يظهر فيها بشكل علني، حيث عمد إلى تقليص جدول أعماله الذي كان يوما ما مزدحما، وامتنع عن الظهور في برنامجه التلفزيوني الأسبوعي، الذي يحمل اسم «مرحبا بالرئيس»، والذي كان يذاع يوم الأحد، وساعد على مدى سنوات في إثارة حماس مؤيديه وتحديد شكل الحوار الوطني. لكنه يقول الآن إنه قد هزم مرض السرطان، مؤكدا على أنه يعتبر نفسه أحد الشخصيات البارزة في الحملة الصعبة التي يخوضها لإعادة انتخابه العام الحالي. وقد تحدث شافيز لأكثر من تسع ساعات في خطابه السنوي أمام مجلس الشعب يوم 13 يناير (كانون الثاني)، وكأنما يحاول أن يظهر للناس أنه قد استعاد نشاطه وحيويته، حيث إنه لم يجلس قط، ولم يتوقف سوى للاستماع إلى أسئلة المشرعين.

وقال معلقون إن الخطاب، الذي يشبه خطاب حالة الاتحاد الأميركي، كان أطول من أي وقت مضى (خطاب العام الماضي لم يتعد سبع ساعات وثلاثة أرباع الساعة)، وإن شافيز كان عازما على أن يظهر للناخبين، والسياسيين في حزبه، والمعارضة، أن سلطاته لم تتقلص. وقد قال ذلك بشكل واضح، حين اختتم كلمته بتلاوة إحدى مقولات نيتشه التي تتحدث عن أهمية الإرادة في التغلب على العقبات. وقال في نهاية الخطاب: «ها أنا ذا قد عدت».

وقال مايكل شيفتر، رئيس جماعة «الحوار بين البلدان الأميركية»، وهي جماعة سياسة غير حزبية تركز على نصف الكرة الغربي: «لقد كان شافيز في أفضل حالته، وكان خلاصة ما أراد أن يقوله إنه قد عاد واستعاد سيطرته الكاملة على الأمور، كما كان دأبه في الماضي».

وقد حكم شافيز فنزويلا لمدة 13 عاما، وكان دائما ما يفتعل المعارك مع الولايات المتحدة، مصورا إياها على أنها إمبراطورية مستأسدة، ومستخدما تحديه لها لحشد المؤيدين في الداخل والخارج، كما عمد إلى الزج بجدول أعمال اتسم بالعدوانية على نحو متزايد لتأسيس رؤيته الخاصة للاشتراكية في فنزويلا، التي تضمن تأميم الشركات الكبيرة والصغيرة، ووضع البرامج التي تستهدف مكافحة الفقر.

ولكنه اضطر إلى الحد من نشاطه، حيث خضع في يونيو (حزيران) الماضي لعملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني أصابه، وبدأ بعدها في تلقي العلاج الكيميائي، حيث كان يقوم برحلات مكوكية من وإلى كوبا، المكان الذي تلقى فيه جزءا كبيرا من علاجه. وقد خلف غيابه فراغا كبيرا، تسبب في تنشيط المعارضة، والكشف عن الانقسامات الموجودة داخل حزبه، وإثارة التساؤل حول ما إذا كان شافيز سيظل قويا كما كان، هذا إذا قدر له أن يتعافى من مرضه في المقام الأول. وقال كاردوزو إلسا، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة فنزويلا المركزية: «لقد كان الرئيس غائبا عن الجدل السياسي الدائر، مما خلق مجالا للتفكير في مستقبل سياسي لا يوجد به شافيز، أو يوجد به شافيز ولكن بعد أن تكون قدرته على حشد مؤيديه والسيطرة عليهم قد تضاءلت».

وقد ازداد الاستياء الشعبي في الوقت نفسه من حكومته، بسبب انقطاع الكهرباء في البلاد على نطاق واسع، وتفشي جرائم العنف. كما ضعف نفوذ فنزويلا في المنطقة، عقب فترة من المعاناة الاقتصادية قدمت فيها جارتها، البرازيل، نفسها على أنها مركز قوة القارة. وقد احتدمت التكهنات بأن حالة شافيز الصحية أسوأ بكثير مما كان يصرح به، نظرا لأنه لم يكشف قط عن نوع السرطان الذي أصابه، مما يثير الشكوك حول قدرته على خوض حملة لإعادة انتخابه لفترة ولاية أخرى في الحكم. ولكن شافيز زاد من حدة لهجته في الأسابيع الأخيرة وعمل على ملء جدول أعماله من جديد، حيث قام بوضع مجموعة من البرامج الاجتماعية الجديدة في ديسمبر (كانون الأول)، التي من المؤكد أنها ستعمل على حشد عدد كبير من المؤيدين له من بين الفنزويليين الأكثر فقرا، والتي تشمل برنامج يعطي الأسر الفقيرة نحو 100 دولار شهريا عن كل طفل.

وقد عقد شافيز اجتماعا لرؤساء دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في الشهر الماضي، وأعاد إحياء خصوماته القديمة، من خلال إشارته إلى أن الولايات المتحدة قد وجدت طريقة لإصابة الناس الذين تعتبرهم أعداءها بالسرطان، ذاكرا أسماء الكثير من رؤساء الدول في المنطقة، الذين تم تشخيص إصابتهم بالسرطان مثله.

وقد بدأ في العمل بأقصى طاقته مع بداية العام الجديد، حيث استضاف أحمدي نجاد، وتعهد بالانسحاب من عملية التحكيم الخاصة بالبنك الدولي، وعين وزيرا جديدا للدفاع، هو الجنرال هنري رانخيل سيلفا، المتهم من قبل وزارة الخزانة الأميركية في عام 2008 بالعمل بشكل وثيق مع جماعة من المتمردين الكولومبيين ومساعدتهم في نقل كميات من المخدرات عبر فنزويلا. وتنظر المعارضة السياسية في فنزويلا بحذر إلى الجنرال رانخيل، بسبب تصريحاته التي أدلى بها في مقابلة أجرها في عام 2010، التي اعتبرها البعض تشير إلى أن الجيش لن يقبل بتشكيل حكومة جديدة إذا خسر شافيز في الانتخابات.

كما دافع شافيز عن الرئيس السوري، بشار الأسد، في مواجهة الاتهامات الموجة له بأنه قد قمع بوحشية الانتفاضة التي اندلعت في سوريا، ورثى، بالإضافة إلى ذلك، سقوط العقيد معمر القذافي في ليبيا، وقد قام بكل ذلك باسم معاداة الإمبريالية.

وفي يوم 8 يناير (كانون الثاني)، بدأ شافيز بإعادة إذاعة برنامج «مرحبا بالرئيس» على الهواء مرة أخرى، وألقى بعدها خطابه الطويل، الذي اتسم بلهجة توسعية، فضلا عن طوله الشديد. وقد سألت نائبة في البرلمان (ماريا كورينا ماتشادو، التي تعد جزءا من قطاع كبير من الناس الذين يسعون إلى أن يكونوا مرشحي المعارضة في الانتخابات التي ستعقد في أكتوبر «تشرين الأول») شافيز عند نقطة معينة من الخطاب، عن النقص الموجود في السلع الأساسية، مثل الحليب، وتأميم بعض شركات القطاع الخاص، الذي وصفته بالسرقة، لكن شافيز لم يلتفت إلى انتقادات ماتشادو، بل بدا وكأنه لا يلقي بالا إلى المعارضة بأكملها، حيث قال: «النسر لا يطارد الذباب».

وقالت ماتشادو في مقابلة، أجرتها يوم الجمعة، إن شافيز كان يحاول أن يستعيد عافيته من عام عانى فيه من السرطان، مثلما عانى من الوجود القوي للمعارضة في الانتخابات التشريعية التي عقدت في عام 2010، مضيفة: «لقد انهارت فكرة أن شافيز شخص لا يُهزم».

وفي حين يبدو أن شافيز يسعى لاستعادة نشاطه بعد عام صعب، فإنه يقوم أيضا بفعل ما يفعله السياسيون في كثير من الأحيان في أعوام الانتخابات، حيث بدأ في التحرك لدعم الجناح المتطرف في حزبه، الذي يضم بعضا من أكثر مؤيديه حماسا. وقال ديفيد مايرز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية بنسلفانيا: «إن على شافيز أن يقنع القاعدة العريضة من الشعب بأنه هو هوغو شافيز الذي كانوا يعرفونه دائما، وهذا ما يحاول أن يقوم به بالفعل في الوقت الحالي».

( أسهمت ماريا يوجينيا دياز في كتابة هذا التقرير)

* خدمة «نيويورك تايمز»