رئيس نيجيريا يزور موقع المذبحة.. وتنديدات دولية

حظر التجوال في كبرى مدن الشمال.. والجثث مكدسة في مشارح المستشفيات بعد مقتل 166 نيجيريا

عاملون في قطاع الإغاثة يحملون جثث الضحايا في كانو (أ.ب)
TT

انتقل الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان أمس إلى كانو، كبرى مدن شمال البلاد، التي كانت مسرحا لهجمات عدة أوقعت ما لا يقل عن 166 قتيلا، وأعلنت جماعة «بوكو حرام» المتشددة مسؤوليتها عنها. وأقامت قوات الأمن نقاط تفتيش في المدينة التي تعد ثاني كبرى مدن البلاد، أمس، على أثر التفجيرات المنسقة وعمليات إطلاق الرصاص التي اعتبرت الأعنف التي يشهدها الشمال حيث الأغلبية من المسلمين. وفي تلك الأثناء أعلنت الشرطة أن قنابل ألقيت على كنيستين في مدينة باوتشي المجاورة شمال نيجيريا في هجمات قبيل فجر أمس، غير أنها لم توقع ضحايا. وفي كانو تم فرض حظر التجوال على مدار الساعة بعيد الهجمات الكثيرة التي شهدتها المدينة مساء الجمعة، غير أن السلطات خففت أمس الحظر ليشمل ساعات الليل، وإن ظلت غالبية الشوارع خالية من حركة السير.

وتفقد الرئيس جوناثان مقر الشرطة الإقليمي الذي كان بين عدة مواقع استهدفت بالمدينة، حيث وصف الهجوم الإرهابي «على شخص واحد» بأنه «هجوم علينا جميعا». وكان جوناثان فرض حالة الطوارئ في أجزاء من الشمال النيجيري عقب هجمات سابقة اتهمت «بوكو حرام» بالمسؤولية عنها. وتحدث عمال الإغاثة عن 166 قتيلا على الأقل بعد تمضيتهم الساعات الماضية في انتشال الجثث التي تناثرت في شوارع كانو في أعقاب الهجمات، إلا أن طبيبا بمستشفى رئيسي في المدينة ذكر أن حصيلة القتلى قد تبلغ 250. وقال الطبيب: «الحقيقة أن الحصيلة الإجمالية لقتلى الهجمات تناهز 250»، مشيرا إلى أن عمال الإغاثة ظلوا ينتشلون الجثث التي تناثرت في شوارع المدينة السبت، حيث كانت الحصيلة في مشرحة المستشفى الذي يعمل به 162 قتيلا. وأضاف الطبيب الذي لم يكشف عن اسمه: «رغم أن غالبية الجثث نقلت إلى هنا فقد نقلت جثث إلى ثلاثة مستشفيات أخرى كذلك».

وأعلن متحدث باسم جماعة «بوكو حرام» المسؤولة عن هجمات كانو أنها رد على رفض السلطات إطلاق سراح عناصر من الحركة تحتجزهم. وكانت الجماعة أعلنت مسؤوليتها عن استهداف المصلين بتفجيرات عيد الميلاد قرب العاصمة أبوجا، ما أسفر عن مقتل 44 شخصا على الأقل في كنيسة كاثوليكية، فضلا عن تفجير انتحاري لمقر الأمم المتحدة في أبوجا في أغسطس (آب) الماضي أوقع 25 قتيلا.

وكانت هجمات كانو الجمعة استهدفت ثمانية مواقع على الأقل في المدينة، بينها مراكز للشرطة ومقار لإدارة الهجرة ومقار أخرى. وسمع دويّ نحو 20 انفجارا، كما أطلقت الأعيرة النارية في عدد من المناطق، وقتل صحافي يعمل لتلفزيون محلي أثناء تغطيته أعمال العنف. وندد مجمع الفقه الإسلامي الدولي أمس بأعمال العنف التي تشهدها نيجيريا وطالب المرجعيات الدينية بالتدخل لوقف «هذا المسلسل الدامي الخطير». وأكد بيان نقلت نصه وكالة الصحافة الفرنسية أمس أن «مجمع الفقه الإسلامي الدولي تلقى بجزع بالغ الأحداث المؤلمة المتمثلة في الاقتتال بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا، ولا شك أن الممارسات العدوانية تترتب عليها مفاسد عظيمة وفتن كبيرة». وتابع أن المجمع «يدين هذه الجرائم ويدعو إلى التوقف عنها فورا، حفظا للدماء، ويذكر بالنهي الوارد عن قتل غير المسلمين من المعاهدين والمستأمنين، مؤكدا أنه لا يجوز شرعا قتل غير المسلم المستوطن أو الوافد المستأمن». وأضاف أن «الجميع مدعوون إلى الوقوف صفا واحدا أمام محاولات إثارة الصراع والتوتر بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما يوجب على المرجعيات التدخل ببذل كل ما في وسعها لإيقاف هذا المسلسل الدامي الخطير والعمل على إزالة أي توتر ديني».

كذلك أدانت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بشدة هذه الهجمات، بينما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن «صدمته»، داعيا إلى إجراء تحقيقات شفافة في الهجمات التي أوقعت عشرات القتلى. وقال بان كي مون في بيان أصدره متحدث باسمه مساء أول من أمس إن الأمين العام «يدين بأشد العبارات الهجمات المتعددة التي وقعت في أنحاء مدينة كانو بشمال نيجيريا، ما أوقع العدد الكبير من الضحايا فضلا عن دمار هائل للممتلكات». وتابع أن «الأمين العام يشعر بالصدمة والاشمئزاز من وتيرة وشدة الهجمات الأخيرة في نيجيريا، التي تعكس ازدراء مشينا بحياة البشر».

وجاءت هذه الهجمات في كانو التي كانت قد نجت حتى الآن من أسوأ أشكال العنف التي تتهم بوكو حرام بها خلال الأشهر الأخيرة، لتثير خوف السكان الذين أخذوا في النزوح من مناطق سكنهم أو التزموا المنازل خشية مزيد من الهجمات. وقال أحد تجار الأغذية ويدعى شيحو لاوان: «كيف أخرج وقد قُتل كل هذا العدد من الناس؟! علي احترام الموتى». وحتى يوم أمس بقيت عشرات الجثث موجودة في المشارح بانتظار التحقق من هويات أصحابها والقيام بالدفن.

وكان الرئيس غودلاك جوناثان أعلن حالة الطوارئ في مناطق من أربع ولايات في الحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بين الأكثر تضررا من جراء هجمات سابقة تتهم «بوكو حرام» أيضا بالمسؤولية عنها.

لكن مدينة كانو لم تكن ضمن المناطق الخاضعة لحالة الطوارئ ولم تكن بين المناطق المعرضة للهجمات التي شهدتها نيجيريا مؤخرا، إذ تركزت الهجمات سابقا على المناطق الشمالية الشرقية من البلاد، غير أن حالة الطوارئ لم توقف الهجمات التي تواصلت واتسع نطاقها ليشمل مناطق أخرى. وتعد نيجيريا أكبر بلد أفريقي من حيث تعداد السكان، كما أنها المنتج الأكبر للنفط في القارة، وتنقسم بالتساوي تقريبا بين شمال مسلم وجنوب ذي غالبية مسيحية. وأبرزت الهجمات التي استهدفت الكنائس يوم عيد الميلاد عجز السلطات النيجيرية، فقد فرّ من يشتبه في كونه العقل المدبر لإحدى تلك الهجمات من قبضة الشرطة في ظروف غامضة.

وكانت الهجمات التي استهدفت المسيحيين بالأخص قد أثارت مخاوف من نزاع ديني أشمل في البلاد، حيث قال القادة المسيحيون إنهم سيضطرون إلى توفير الحماية لأنفسهم مع استمرار عجز السلطات عن حماية مقارهم. وأثار ذلك مخاوف من اندلاع حرب أهلية في البلاد. وشملت هجمات «بوكو حرام» أهدافا أخرى غير المسيحيين كان بينها مسلمون.