ميدان العتبة.. مفتاح أزمنة القاهرة

أصبح مركز المدينة الجغرافي

TT

على عكس المعتاد تخطفك بهجة الزحام على الرغم من قسوته، وأنت تقف في ميدان العتبة الشهير في قلب القاهرة، وسوف تضحك كثيرا حينما يحضرك المشهد الذي يقوم فيه الممثل الكوميدي الشهير إسماعيل ياسين بقياس الميدان أمام مبنى المطافئ الأثري في فيلم «العتبة الخضرا» للمخرج فطين عبد الوهاب، حينما أقنع أحمد مظهر (المحتال) «سمعة الصعيدي» بشراء العتبة الخضراء بما فيها حتى الترام.

لكن المشهد الذي لا يمكن لمخرج أن يسيطر على أبطاله يتجسد واقعيا بشكل يومي، في بشر يهرولون من كل اتجاه، حتى تكاد تحسبهم يهربون من مارد جبار، أو أنهم لا يعرفون إلى أين يتوجهون! أصوات الباعة في كل الأركان تدلل على بضائعها في موجة لا تنتهي من الشد والجذب والفصال بينهم وبين الزبائن، فقد أصبح الميدان أسيرا لميليشيات الباعة الجائلين الذين يسيطرون على منافذه بشتى أنواع البضائع من الإبرة للصاروخ، وبأسعار زهيدة جدا سواء لعب أطفال أو زهور الزينة أو ملابس مستوردة ومحلية أو ساعات يد وحائط، فما إن تخرج من محطة مترو أنفاق العتبة حتى تجد نفسك مدفوعا بقوة طوفان بشري، لا يكف عن اللهاث.

المعماري الفرنسي هوسمان الذي خطط الميدان في عهد إسماعيل منحه ميزة عن كل ميادين القاهرة بل مصر كلها، وهي أنه أصبح مركز القاهرة الجغرافي، فمنه تقاس المسافات من وإلى القاهرة، لأنه يضم مبنى البوسطة (البريد) الرئيسي بمصر، الذي كان يعرف في الماضي باسم مبنى البوسطة الخديوية، وهو أقدم مبنى بريد ما زال موجودا في مصر، وقد بدأ العمل فيه عام 1888. كما انطلق منه ترام القاهرة، كما يقول المؤرخ الدكتور محمد سيد كيلاني: «إنه في أغسطس 1896 أقيمت حفلة تجريبية لإطلاق أول ترام، واصطف الآلاف على الجانبين يشاهدون أول مركبة سارت في العاصمة بقوة الكهرباء، والأولاد يركضون وراءها وهم يرددون: العفريت العفريت». وظلت العتبة مركزا رئيسيا للترام ثم الترولي باص الذي اختفى في السبعينات من القرن الماضي.