مصر: الثورة الضائعة بين المرشد والمشير

الشباب يرون أن معظم مطالبهم لم تتحقق.. ونظام مبارك ما زال يحكم في ثوب جديد

متظاهرة تحمل العلم المصري في مسيرة نظمها ناشطون أمام البرلمان أمس بمناسبة انعقاد جلسته الافتتاحية (رويترز)
TT

«يمر الوقت فتضيق الحلقات ومعها الصدور. عام كامل من عمر الزمن قد مر على مصر منذ ثورتها وسقوط شهدائها وما زالت أحلام المصريين تحبو باحثة عن طريق. وما زالت الأيدي العابثة تقتل الفكرة وتنشر الفوضى، وما زالت غيامات سوداء كئيبة تلف المشهد حول الحاضر والمستقبل». بهذه الكلمات المحبطة والتي تعبر عن خيبة أمل كبيرة، كتب مجموعة من شباب الثورة المصرية رسالة إلى أعضاء البرلمان الجديد، الذين يرون أن البرلمان لا يعبر بشكل حقيقي عن الثورة وعن طموحهم في إحداث تغيير شامل للنظام.

وينظر الكثير من الشباب إلى الثورة على أنها سرقت من أيديهم، وأن غنائمها تم توزيعها مبكرا قبل أن تحقق أهدافها، بين مجلس عسكري لم يقنع الكثيرين بنيته في تغيير شامل وإسقاط نظام مبارك، وجماعات دينية كان لها نصيب الأسد من مكاسب الثورة رغم أنها لم تشارك فيها من البداية وربما حرمتها قبل أن تتحدث باسمها.

يقول عبد الرحمن ثابت، أحد شباب الثورة عضو حزب التيار المصري تحت التأسيس: «على من يجلس في البرلمان أن يعلم أن مقعده هذا جاء على دماء الشهداء وشباب مصر الطاهر، وأن الفضل في وجودهم في البرلمان يعود إلى الشباب، وأنه لولا الثورة وشبابها لكان مبارك ونواب الحزب الوطني المنحل يمارسون القمع ضدهم».

ويتابع ثابت: «المجلس الأعلى للقوات المسلحة أيضا لم يقدم أي بادرة حسن نية على اعتزامه نقل السلطة للمدنيين بشكل كامل، وما زال يلعب على عنصر الوقت وتضييعه لخداع الثوار، في حين يبقي على نظام مبارك كما هو».

من جانبه يتساءل عبد الرحمن محمد، ناشط سياسي يساري: أين مطالب الثورة التي تحققت حتى الآن؟ ماذا عن دستور الدولة الذي سيكتبه الإخوان والسلفيون حصريا بعد أن تم إسناد مهمة كتابة الدستور للبرلمان، ومصادرة سلطات الشعب في انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة دستوره الجديد الذي يعبر عن الثورة ويحقق أهدافها، كأي ثورة في العالم تكتب دستورها ولا يكتبها البرلمان. ويتابع محمد: «خرجنا نهتف بسقوط مبارك لأنه كان يعتقل آلاف المعارضين في ثلاثين عاما، فاعتقل المجلس العسكري 13 ألف ناشط سياسي يحاكمون محاكمات عسكرية، في عام واحد فقط».

ومن أهم مطالب الثورة التي فشل المجلس العسكري في تحقيقها أو تغاضى عنها عمدا، كما يقول محمد: «تطهير جهاز الشرطة والكشف عن قتلة نحو ألف شهيد سقطوا خلال الثورة، ما زال كبار رجال الشرطة ينعمون بحياة طبيعية، مع بطء شديد في محاكمات عناصر النظام السابق.. ربما يخرجون براءة».

أما عبد الرحمن هريدي، عضو ائتلاف شباب الثورة، ومرشح خاسر في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، فيرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أجرى انتخابات غير عادلة ظلم فيها شباب الثورة، ومنح الأغلبية لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين عن غير حق، حين سمح لهم بتكوين أحزاب دينية في مخالفة واضحة للدستور والقانون دون أي اعتراض، ثم أجريت انتخابات غير عادلة شابها الكثير من عمليات التزوير والدعاية المخالفة باستغلال الدين.

ويتداول العشرات من الناشطين الرسالة رقم (28) للمجلس العسكري، والصادرة بتاريخ 30 مارس (آذار) من العام الماضي، وهي الرسالة التي تضمنت تأكيدا قويا من المجلس على أن انتخابات رئاسة الجمهورية ستتم قبل بداية عام 2012، للتأكيد على عدم جدية المجلس العسكري في تسليم السلطة وأن وعوده ذهبت أدراج الرياح، ما يجعلهم غير واثقين من التعهد الأخير للمجلس العسكري والذي أكد فيه البدء بإجراءات الانتخابات الرئاسية نهاية يونيو (حزيران) القادم.

ويرى كثيرون أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يرغب في تغيير شامل لنظام حسني مبارك السابق وأنه اكتفى بإجراء بعض الإصلاحات الشكلية عليه، بالاتفاق مع أكبر التنظيمات السياسية الموجودة، وهي جماعة الإخوان المسلمين، مع منحها مزايا كثيرة أولها الاعتراف بها رسميا، معتمدا على ثقلها وشعبيتها في الشارع.

يقول مجدي أحمد حسين، رئيس حزب العمل، إن «الإخوان» قدموا الكثير من التنازلات خالفت مطالب الثورة خلال الفترة الماضية، في اتفاق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أجل تطمين المجلس، لأنهم في نفس الوقت ليسوا متعجلين (لتولي أمور السلطة كاملة).

ويزيد حسين قائلا: «إننا ثورة وثوار، ولا بد من حسم كل القضايا فيها بشكل سريع، ولا تحتمل الحلول الوسط لفترة طويلة، وإنه لا بد أن تكون كل مفاتيح السلطة في يد عناصر مشاركة في الثورة ومؤمنة بأهدافها».

من جهته، حدد «ائتلاف شباب الثورة»، وهو أبرز الائتلافات الشبابية التي تكونت في ميدان التحرير وكان يقود الثورة في بدايتها، مطالب قدمها لنواب البرلمان الجديد أهمها تنفيذ مطالب الثورة من تغيير وحرية وعدالة اجتماعية، وعدم التفريط في حق شهدائها، وألا تكون هناك لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة وضعية خاصة في الدستور، في إشارة للجيش، وطرح حيثيات القرارات والأزمات بشفافية ووضوح أمام الرأي العام.

وأعلن الكثير من الثوار والحركات السياسية رفضهم المشاركة في أي مظاهر احتفالية في الذكرى الأولى للثورة يوم غد، والتي يحرص كل من الجيش والتيارات الدينية على الاحتفال بها، قائلا: نحن نعتبر أن الثورة لم تكتمل بعد، وأن مسارها لم يتخذ الطريق المنشود.

يقول حزب المصريين الأحرار، وهو حزب ليبرالي أنشئ حديثا، إن هناك 4 خطوات يطالب بها الحزب لتعديل مسار الثورة، هي: فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية فور الانتهاء من انتخابات مجلس الشورى في مارس القادم، وإلغاء حالة الطوارئ المفروضة من 1981. وإيقاف العمل بكافة القوانين الاستثنائية، والوقف الفوري للمحاكمات العسكرية للمدنيين، والإفراج الفوري عن سجناء الرأي، وأخيرا إعادة النظر في المنظومة الإعلامية الحالية بشكل يضمن تطهيرا حقيقيا لوسائل الإعلام.