الأمين العام للاتحادي الديمقراطي السوداني: حزبنا قلب الطاولة منذ نهاية التسعينات

د. جلال الدقير مساعد الرئيس لـ «الشرق الأوسط»: الظرف الحالي يستدعي مشاركة الجميع في تحمل المسؤولية

د. جلال يوسف الدقير الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي ومساعد الرئيس السوداني («الشرق الأوسط»)
TT

كان الحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجل) من أوائل الأحزاب التي تواثقت على برنامج عمل مشترك مع حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) في السودان، ولذلك صُنف هذا الحزب بأنه من أحزاب الموالاة، إذ إن مشاركته في حكومة الإنقاذ جاءت عبر مبادرة الحوار الشعبي الشامل، التي أطلقها الشريف زين العابدين الهندي، الأمين العام للاتحادي الديمقراطي، في عام 1996، ومن تداعيات إعلان هذه المبادرة حدوث انشقاق الحزب، ومن ثم عودة الشريف زين العابدين الهندي إلى السودان، وعدد من قيادات الحزب التي وافقت على المبادرة، وبعد خمسة أعوام من الحوار مع المؤتمر الوطني، تواثق الحزبان على المشاركة في السلطة في الصيغة الموصولة بالبرنامج الوطني في عام 2001. وخلال هذه السنوات الطوال، كثير من المياه جرت تحت جسر الحزبين، ووثقت هذه العلاقة، التي أفضت إلى تلبية الاتحادي الديمقراطي (المسجل) لدعوة المؤتمر الوطني للأحزاب والقوى السياسية، موالاة ومعارضة، المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة، ولمعرفة الكثير عن أسباب شراكة الاتحادي الديمقراطي للمؤتمر الوطني في حكوماته المتعاقبة، طوال أكثر من عشر سنوات، وغيرها من القضايا والمواضيع، التقت «الشرق الأوسط» بالدكتور جلال يوسف الدقير، الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي.. فإلى تفاصيل الحوار.

* بداية، وبحكم أنه الحدث الأقرب، ما رؤيتكم للمشاركة السياسية في الحكومة ذات القاعدة العريضة التي دعا إليها المؤتمر الوطني وشاركتم فيها، خاصة وأنتم من أوائل أحزاب الموالاة المشاركة في حكومات المؤتمر الوطني المتعاقبة؟ ماذا تعني لكم هذه المشاركة عن غيرها من المشاركات الأخرى؟

- نعم، نحن أول حزب سياسي يوثق برنامج عمل مع حزب المؤتمر الوطني عبر حوار شاق وطويل استغرق زمنا طويلا، في ذلك الوقت كانت ديناميكية العمل السياسي داخل السودان مختلفة تماما، وكان الوضع الدولي يختلف كثيرا عن الآن، وكانت البلاد تمر بكثير من نواحي القصور السياسي والاقتصادي، وكانت عليها التزامات قومية كبرى وكانت الدعوة التي أطلقناها، تحت اسم «مبادرة الحوار الشعبي الشامل» قد وجدت صدى كبيرا بين القوى السياسية، لكن هذه الحكومة ذات القاعدة العريضة، امتد بها الحوار وتختلف عن سابقاتها، فقد كونت في أوضاع دستورية مختلفة وأوضاع اقتصادية وسياسية مختلفة. وقد تم تكوينها عقب انتخابات عامة هي الأولى منذ أكثر من ربع قرن، ومهما قيل عن الانتخابات، فقد شهد لها المراقبون بأنها كانت انتخابات سياسية حقيقية على الرغم من بعض التعليقات حول المعايير الدولية، لكن على أي حال كان هناك حراك سياسي حر انطلقت فيه كل الأحزاب، حتى التي قاطعتها قبل التصويت، وكانوا قد طرحوا برامجهم، وهذا دلالة على أن الانتخابات صاحبتها حرية لانطلاق الرأي الحزبي من كل صوب ومنحى، ولم يكن هناك حجر على أي قوى أو حزب يعبر عن رأيه بالطريقة التي أرادها، وهذا هو الخلاف الديناميكي الأساسي بين الوقت الذي شاركنا فيه والوقت الذي جرت فيه هذه الأحداث، ثم جاءت النتيجة كما هو معروف، وحصل المؤتمر الوطني على تفويض شعبي، بعد ذلك طرح السيد رئيس الجمهورية، المشير عمر البشير، في أول خطاب له، أنه على الرغم من فوزهم بالانتخابات، فإن الظرف والمهام الوطنية الكبيرة تستدعي مشاركة كل القوى الوطنية في تحمل المسؤولية، وهذه الدعوة في نظري ليست تفضلا ولا تكرما بقدر ما هي وعي عميق جدا لمتطلبات الساحة السياسية في السودان، ولمواجهة التحديات الكبرى أمام البلاد، ولم تكن دعوة انفرادية، إنما دعوة حقيقية دخل فيها المؤتمر الوطني في نقاش مكثف مع كل القوى السياسية لم يكن فيها إقصاء لأحد، وقبل أن يدخل في هذا النقاش والحوار معظم القوى السياسية في السودان، وأيضا هذا شيء يميز مقدمات تكوين هذه الحكومة عما سواها، وفي النهاية، دخل الحكومة الآن نحو 15 حزبا، وهي الحكومة الأعرض منذ الاستقلال، وحتى الذين لم يدخلوا بصورة كاملة، دخلوا «نص كم» (يشير هنا إلى تعيين العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي مساعدا لرئيس الجمهورية، وهو ابن السيد الصادق الصديق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي)، وهناك شخصيات وطنية قومية شاركت في هذه الحكومة بجانب البرنامج المشترك الذي يتم تنفيذه في إطار السياسة العامة للدولة، ليبقى في النهاية أن هذه الحكومة تتكون من قوى سياسية مختلفة.

لقد قلنا جميعا إن هذه القوى المختلفة يجب أن تتحدث بلسان واحد ويجب أن ترمي عن قوس واحد لكي نستطيع أن نتخطى التحديات التي تواجهنا، ويجب أن تتحد مكامن القوة الوطنية، لتكون قوة واحدة ضاربة تدفع بمسيرة هذا الوطن إلى الأمام، متجاوزة كل العراقيل والعقبات، وتواجه تحديات المرحلة المقبلة.

* ما تقييمكم للمشاركة في الحكومة التي سماها الحزب الحاكم بـ«الحكومة ذات القاعدة العريضة»، خاصة أن البعض يرى أنكم نلتم من المؤتمر الوطني مخصصات وزارية أكثر من حجمكم الجماهيري الحزبي؟

- من الذي يحدد حجمنا الجماهيري؟ لا أحد يستطيع أن يحدد حجم حزب رائد وموجود وقائم في الساحة السياسية قبل أن تولد دولة السودان الحديثة، بل إن الدولة ولدت على يديه. وكان هو الأب، وكان هو القابلة التي تسلمت المولود، وكان هو المرضعة التي أرضعت المولود حتى شب عن الطوق، ولم يبرح حزبنا موقعه الرائد في أخذ المبادرة في الأهداف الوطنية المختلفة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. هذا أولا، ثانيا: هذا الحزب من الأحزاب القومية الوسيطة التي تنتشر في جميع ولايات السودان بفروعها ولجانها ومكاتبها السياسية وأماناتها العامة.

* أصحاب هذا الرأي (حتى نكون منصفين لهم) لا يتحدثون عن الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ أن كان في عهده الأول، لكنهم يتحدثون عنه بعد مسيرة السنين وانشقاق حزبكم عن الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني، مما يعني بالضرورة أن الحزب (الأصل) جماهيره أكثر؟

- للحقيقة نحن أقرب ما نكون الآن في الأصل للرؤية الوطنية، والمستقبل يعد بتلاقي وتلاحم الحركة الاتحادية، لكن إذا أراد الناس أن ينصفوا، فإن الحزب الاتحادي الديمقراطي مكوناته التاريخية معروفة، فالانشقاق الذي حدث بعد الانتفاضة هو الانشقاق الأول، وفق مكونات تاريخية معروفة، وارجع إلى مضابط الانشقاقات المختلفة تجد أن الحزب الاتحادي الديمقراطي، الذي نمثل نحن ورثته، وتسلمنا رايته من السيد إسماعيل الأزهري، وتسلمها الشريف حسين الهندي، ومن ثم الشريف زين العابدين الهندي، معروف وضعه الجماهيري، وعندما دخلنا الانتخابات كان هناك معسكر للمعارضة، وما أسهل وأحلى المعارضة، خاصة وأنت تمسك بالميكرفون وتنتقد الحكومة، لكنننا نرى أن النظرة للقضية الوطنية هي الأعلى، وعندما تصطدم هذه النظرة دائما ثقلنا يذهب للمصلحة الوطنية، وهذا أساس مبادرة الحوار الشعبي الشامل، ونحن لم نحد عن ذلك، وأمضينا خمس سنوات في حوار مع المؤتمر الوطني منذ اتفاق دمشق، مرورا بالميثاق الوطني الذي وقعناه معه في عام 1997، الذي على أساسه بني الدستور، الذي حكم عام 1998، والذي كان أساسا في كثير من مناحيه للدستور الانتقالي الحالي، وأهم ما فيه هو الانتصار لدستور الحق والواجب ودولة المواطنة، ثم أتى البرنامج الوطني عام 2001، منذ ذلك الحين نحن وضعنا يدنا في يد الرئيس عمر البشير، وأخذنا على أنفسنا أن نخرج بهذه البلاد من وهدتها، أولا في إيقاف الحرب وإنفاذ السلام، ثم السعي حثيثا نحو التنمية. عندما جاءت الانتخابات بُني برنامجنا الانتخابي على ذات المعاني والمبادئ، لم يبن على الأثر السياسي، ولم يبن على المزايدات السياسية، فحزبنا دخل للانتخابات بنفس البرنامج الذي دخل به السيد الرئيس عمر البشير، فنظمنا أكبر حملة انتخابية بعد حملة الرئيس البشير، بل إنها فاقت حملة المؤتمر الوطني، ولو كانت الانتخابات تعبر عن القوى السياسية فمرشحنا للرئاسة قد فاز، وهذا يكفينا فخرا، فضلا عن ولاة الولايات الذين هم في الأصل مرشحون لحزب المؤتمر الوطني، ونحن صوتنا لهم. وقد فقدنا في هذه العملية الانتخابية الكثير من الأصوات طوعا، وذلك عندما صوت ناخبونا لصالح الرئيس البشير ولصالح ولاة الولايات الذين رشحهم المؤتمر الوطني. ودعني هنا أتساءل؛ كم يمثل الموقف السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي؟ وكيف يقيم هذا الموقف الرائد الذي قلب الطاولة السياسية منذ نهاية التسعينات إلى الآن في اتجاه التغيير الضخم الذي حدث في الساحة السياسية السودانية واستطاع أن يأخذ بيد المجتمع السوداني من حال إلى حال؟

* ما فلسفتكم ورؤيتكم لإشراك الشباب الاتحاديين في إدارة شؤون الحزب والدولة على مستوى المركز والولايات في المرحلة المقبلة، بالاستناد إلى شراكتكم في الحكومة الجديدة، خاصة أن مشاركة حزبكم تعد هي الأكثر في الدفع بالشباب إلى المناصب الدستورية التي نلتموها، وفقا للمحاصصة الوزارية الاتحادية والولائية؟

- دائما التغيير الإيجابي يعطي أملا للحكومة التي تواجهها تحديات كبيرة.. والأمل دائما يكون فيه الرهان على الأجيال الجديدة، وأنا على قيادة هذا الحزب أصحح هنا أننا لسنا حزبا رئاسيا، وظللت أردد دائما عند مخاطبتي لقيادات الحزب في الملتقيات العامة واللجان المركزية لحزبنا، أنه لا بد من ضخ دماء جديدة، سواء كانت في القيادة السياسية للحزب أو السلطة التنفيذية، حتى لا تصاب بالتخثر، ومن يخرج، فهذا لا يعني أنه خرج إلى اللاوجود، بل سيكون له وجود فاعل في الأمور الحزبية المختلفة، والدفع بها وسكب عصارة تجربته، وإخواننا الذين خرجوا من الحكومة الجديدة ولم يتم اختيارهم فيها سيكون لهم دورهم المتميز، وكنا دائما عندما يأتي أي تشكيل وزاري تكون هناك ثلاثة أو أربعة أسماء تدور في الفلك حتى ظن الآخرون أن هذا الحزب ليس به غير هذه الأسماء، وللحقيقة والتاريخ، فعندما بدأت إرهاصات تكوين الحكومة الجديدة كنت أول من قال إنه سيترجل عن العمل الحكومي والتنفيذي إلى مهام الحزب، وعبرت عن ذلك في الصحف. وقلت إنه بعد إطار زمني معين لا بد أن يترك الشخص مهامه للآخرين وينتقل لمهمة أخرى، ولذلك قلنا إن الطاقم الذي سيتولى المهمة هذه المرة سيكون طاقما جديدا، وهذا ما حدث، وأيضا على مستوى كل الولايات، دفعنا بشخصيات جديدة ليكونوا سندا لحكوماتهم الولائية، وهذا يقوي الحزب ولن يضعفه أبدا، ونتمنى من الآخرين أن يحذوا حذونا في المستقبل.

* هناك أمر أثار جدلا في الأوساط السياسية في السودان؛ لماذا أحجمتم عن إشراك المجموعة التي انشقت من الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) وانضمت إليكم مؤخرا، حيث كانوا يتوقعون ويأملون في المشاركة، خاصة أن انشقاقهم كان بحجة دعوتهم للمشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة التي دعا إليها الحزب الحاكم؟

- هذه نقطة مهمة، وسأرد عليك فيها بصراحة؛ لما أتى هؤلاء الأشقاء إلينا قلنا لهم إن حزبنا ليس فيه قدامى وقادمون، وقد فرغت اللجان المشتركة من وضع التصور النهائي لاستيعاب تلك القيادات في مؤسسات الحزب، وستجدونهم في أرفع المواقع في الحزب، وللحقيقة عندما اتصلوا بنا كان حوارانا مع المؤتمر الوطني ورؤيتنا حول المشاركة قد انتهت، وقلنا لهم إننا لا نستطيع أن نلحقكم بالحكومة، فكان ردهم على لسان القيادي بالمجموعة والشقيق أحمد علي أبو بكر: إننا لم نأت للمشاركة في الحكومة وإنما أتينا لنعمل في الحزب ويمثلنا من يمثلنا، لكن في النهاية أعطيناهم نسبة كبيرة تجاوزت الـ40 في المائة من جملة المشاركين في الحكومة الجديدة من حزبنا.