مسؤولو طالبان السابقون يلعبون أدوارا جديدة

عبد السلام ضعيف: فخور بما فعلت من قبل وبما أقوم به الآن

TT

توقفت سيارة تويوتا كرولا، تنقل مسؤولي طالبان السابقين، أمام منزل عبد السلام ضعيف غرب كابل، في انتظار رجل ساعد في توجيه طالبان من باكستان قبل أسره واحتجازه في معسكر اعتقال غوانتانامو.

ما إن دلف ضعيف إلى السيارة، حتى انطلق الركب إلى قصر الرئيس حميد كرزاي، حيث بات ضعيف، المتمرد السابق، ضيفا دائما، فقد دفعت آمال كرزاي في نتائج المحادثات مع طالبان في قطر، الحكومة الأفغانية إلى الاستعانة بضعيف وآخرين ممن ارتبطوا بعلاقات وثيقة بطالبان في السابق لتقديم التوجيه والمساعدة في جهود الوساطة.

وكان القادة الأفغان قد أصيبوا بحالة من الإحباط نتيجة عدم القدرة على الوصول إلى مفاوضي طالبان الذين كانوا يتحدثون بصورة مباشرة إلى الولايات المتحدة. لكنهم وجدوا بديلا في المتمردين السابقين ـ الذين سجن الكثير منهم والذين اندمجوا فيما بعد في المجتمع ـ الذين يعيشون على بعد أميال قليلة من بوابات القصر الرئاسي.

ومن ثم عاد ضعيف، الذي عمل من قبل سفيرا لطالبان لدى باكستان، إلى ممارسة دوره الدبلوماسي بشكل جديد غير متوقع، حيث يحاول هذه المرة إقناع الحكومة، والآخرين ممن سيصغون، إلى أن طالبان جادة بشأن السلام إذا ما تم تلبية الشروط المسبقة.

وقال ضعيف في مقابلة معه: «إنهم على استعداد للتفاوض حول السلام، فقد تلقوا رسائل من قيادتهم وهم مستعدون».

وكان الآلاف من مقاتلي طالبان قد تخلوا عن أسلحتهم خلال السنوات الأخيرة، وغالبيتهم من الرواتب الدنيا والمتوسطة الذين لم تكن اتفاقات سلامهم مع الحكومة غير رسمية وذات آثار سياسية محدودة. لكن القليل من أمثال ضعيف، عرض عليهم الإفراج المبكر من السجن إذا ما وافقوا على العمل مع الحكومة بدلا من العمل ضدها.

أعضاء هذه المجموعة الصغيرة كانوا يجرون محادثات عرضية مع كرزاي، لكن اقتراب محادثات السلام زادت اجتماعاتهم مع كبار المسؤولين الأفغان، بحسب أيمال فيضي، المتحدث باسم الرئيس الأفغاني.

كانت كل هذه الاجتماعات غير رسمية على الأغلب، وسرعان ما أشار المسؤولون إلى أنهم ليسوا بديلا عن المفاوضات مع دبلوماسيي طالبان في قطر. لكن غموض مطالب طالبان العامة، والمخاوف من ألا تمثل الولايات المتحدة الحكومة الأفغانية التمثيل المناسب جاء المتمردون السابقون للعب دور هام.

ويقول شاديا العبدلي، نائب مستشار الأمن القومي الأفغاني: «لدينا مفاوضات جارية، ونستعين ببعض الأشخاص مثل ضعيف كي يساعد في دفع المفاوضات، لكننا ننظر ممثلين معينين رسميا».

وخلال الزيارة إلى كابل، أول من أمس، أوضح الجنرال مارك غروسمان، المبعوث الأميركي إلى باكستان وأفغانستان أن على طالبان أن تنهي صلاتها بالإرهابيين قبل بدء تدشين مقر دبلوماسي في قطر.

ويقول آرسالا رحماني، وزير التعليم السابق في حكومة طالبان، إنه التقى الرئيس كرزاي 4 مرات هذا الشهر في محاولة لرأب الهوة بين حلفائه القدامى والحكومة التي قدمت له ملاذا.

ويشير أيضا محمد أكبر أغا، الزعيم السابق في جماعة جيش المسلمين التي تنتمي إلى طالبان إلى أنه أجرى محادثات مع طالبان بقدر ما أجرى محادثات مع الحكومة، حيث كان يجري 20 اتصالا هاتفيا مع مسؤولين من الجانبين خلال الأسابيع الأخيرة. وقال: إنه نقل مطالب طالبان بحكومة إسلامية حقة، والدعوة إلى رحيل القوات الأجنبية والإفراج عن السجناء الأساسيين.

يقدم الوسطاء خطابا أكثر فتورا ـ وأكثر احتمالية لبقاء كرزاي ضمن المفاوضات ـ مما يعلن عن مسؤولي طالبان. لكن الرجال أحيانا ما يصارعون لتوضيح هوياتهم السياسية. وهل لا يزالون جزءا من حركة طالبان، أم أنهم تحولوا إلى أعضاء في معسكر طالبان بحكم الواقع.

تقول الحكومة إنه أعيد دمجهم في المجتمع، لكن البعض يزعمون غير ذلك، فمعسكر شرطة الأمن الوطني خارج منازلهم على مدار 24 ساعة سواء لحمايتهم أو للتأكد من أنهم لا يساعدون التمرد أحد الأدلة على ذلك بحسب ضعيف.

وقال ضعيف: «كنت عضوا في طالبان إلى أن اعتقلت، وأطلق سراحي بشرط ألا يكون لي علاقة بطالبان، لكني لم أتغير فأنا لا أزال أحد أعضاء حركة طالبان. أنا لم أندمج مرة أخرى في المجتمع. أريد أن أعمل لصالح حكومة أفغانية لكن ليست هذه الحكومة».

على مدى سنوات دعا كرزاي المسؤولين السابقين في طالبان إلى الانضمام إلى حكومته. وقد انضم الكثير منهم إلى مجلس السلام الأعلى، الهيئة الرسمية المعينة من قبل الرئيس لمتابعة التسوية السياسية مع المتمردين. هذه التعيينات كان الهدف منها إرسال رسالة إلى المجموعات المسلحة في البلاد بأن الحكومة مستعدة وراغبة في احتواء «غضب إخوتهم»، بحسب وصف كرزاي.

ويقول عبد الحكيم مجاهد، الذي كان يشغل منصب ممثل طالبان إلى الأمم المتحدة ويعمل في الوقت الراهن نائبا لمدير مجلس السلام الأعلى: «نحن أعلم بعقليتهم، ونعلم كيف تعمل المنظمة»، ويفتخر مجاهد بأن الكثير من قادة طالبان الذين يتوقع أن يكونوا في قطر كانوا في السابق موظفين لديه.

أشار مسؤولون حكوميون إلى أن اجتماعاتهم لا تجرى كاستعداد لمحادثات رسمية، فيقول فيضي: إن «هذه الاجتماعات تجرى كإشارة إلى الجماعات المسلحة بأننا مستعدون للجلوس والحوار مع أي أفغاني».

في محاولة تعزيز عملية السلام الوليدة تم إقناع حكومة كرزاي في يوليو (تموز) حذف 14 عضوا من طالبا من قائمة العقوبات التي منعتهم منذ عام 1994 من السفر أو إرسال الأموال إلى الخارج. ويأتي الكثير من هؤلاء بين المجموعة التي تقوم بزيارات منتظمة إلى القصر. من بين هؤلاء مولوي كلام الدين، الذي كان يقود الشرطة الدينية في الحركة التي كانت تضرب النساء والرجال في الشوارع لتجبرهم على الالتزام بالشريعة.

وفي تصريحات لوسائل الإعلام، نفى المتحدثون الرسميون باسم حركة طالبان وجود أي علاقة بين التنظيم الحالي والمسؤولين السابقين الذين يعيشون الآن في كابل.

وقال ذبيح الله مجاهد، وهو المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان: «إنهم يخضعون للمراقبة، ولا يتحدثون بالنيابة عنا. ربما يتحدثون أو يقدمون النصائح أو الاقتراحات لأي شخص بصفتهم مواطنين أفغان عاديين، ولكنهم لا يمثلوننا».

ومع ذلك، اكتشف ضعيف ورحماني وآغا أنهم الوجوه الوحيدة المعروفة في الجماعة التي ظلت لسنوات تتجنب الدبلوماسية العامة. وبالنسبة لضعيف، تعد هذه فرصة كبيرة لتسويق سيرته الذاتية، والتي تم ترجمتها الآن إلى 10 لغات، والتي تحمل اسم «حياتي مع طالبان».

ويضم منزله الكبير الكثير من أدواته الدينية التي جمعها كزعيم لحركة طالبان، ولكن هناك بعض الدلائل والعلامات على وجود حياة علمانية جديدة في العاصمة الأفغانية: دليل لمستخدم برنامج «أدوبي فوتوشوب»، وملفات لأعماله في العقارات وجهاز «آي فون» قام بشرائه في الآونة الأخيرة، والذي أضاء عند ورود مكالمة من قصر كرزاي، وكانت نغمة الـ«آي فون» هي الأذان.

وقبل الرد على المكالمة، قال ضعيف: «أنا فخور بما فعلت من قبل، كما أنني فخور بما أقوم به الآن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»