نص كلمة المشير طنطاوي في الذكرى الأولى للثورة

TT

«بسم الله الرحمن الرحيم شعب مصر العظيم..

إن ما تشهده مصر الآن من تغييرات جذرية هي نتاج تضحيات شعب عظيم، وفى هذا اليوم نذكر بكل الفخر والإجلال أرواح شهداء ثورة يناير.. تحية إجلال وإكبار لشهدائنا الأبرار ومصابي الثورة، الذين ضحوا بأرواحهم وأجسادهم الطاهرة في سبيل يوم ترتفع فيه رايات الوطن، تخفق بالعزة والشرف والإباء، كما نحتفل بانتخاب أول مجلس شعب بإرادة مصرية حرة، عبرت عن توجه شعب مصر العظيم وتطلعاته إلى الحياة الأفضل من خلال انتخابات نزيهة هي ثمرة من ثمار تلك الثورة».

وأكد طنطاوي أن القوات المسلحة أيدت الثورة منذ اندلاعها، وسارت مع الشعب في طريق الديمقراطية التي بدأت عن طريق اكتمال عقد مجلس الشعب الذي انعقد أول من أمس وأمس في أولى جلساته، قائلا «لقد مرت مصر خلال الفترة الماضية بظروف صعبة ودقيقة أدت إلى قيام الشعب بثورته التي أيدتها القوات المسلحة بموقفها الوطني، انطلاقا من مكانها لدى الشعب، ولكونها جزءا أصيلا منه يرعى مصالح الوطن ويحافظ على مقدساته.. لقد كان أمام الشعب وقواته المسلحة هدف واضح في أن تصبح مصر دولة ديمقراطية.. لم نحد أبدا عن أهداف الثورة، التي تتفق مع أهدافنا ومواقفنا، ويأتي انعقاد مجلس الشعب الجديد كأولى الخطوات المهمة على طريق التحول الديمقراطي.. لقد كان شعب مصر الفيصل والحكم في انتخابات مجلس الشعب التشريعية، وأدلى بصوته بحرية كاملة ونزاهة تامة في إقبال غير مسبوق، وإليه أتوجه بالشكر والتقدير، لحرصه على المشاركة الإيجابية في هذه الانتخابات ولتحمله أعباء وصعوبات ومتطلبات هذه المرحلة من تاريخه الوطني فأثبت أنه شعب جدير بالتقدير والاحترام.

لقد حرص المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أدائه لمهامه على التواصل والتشاور مع مختلف القوى السياسية وجميع طوائف الشعب ومع شباب الثورة.. وشاركتنا المسؤولية ثلاث حكومات متتالية، أقدم لرؤسائها ووزرائها الشكر والتقدير على ما تحملوه من مسؤولية في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والأمني.. وأشير هنا إلى أن حكومة الإنقاذ الوطني التي تتولى المسؤولية في هذه المرحلة محملة بأعباء جسام، وأوجه الشكر إلى الدكتور كمال الجنزوري، رئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الوزارة، على ما قاموا به من جهد، متمنيا لهم التوفيق في ما يحملونه من مهام ومسؤوليات.

إنني لعلى ثقة بأن مجلس الشعب سوف يكون منبرا حرا للديمقراطية، وحصنا دستوريا يُعبِّر عن إرادة الشعب وأهدافه ومصالحه العليا حتى تتواصل مسيرة العطاء والبناء والتنمية بجميع أبعادها ومجالاتها، وحتى يتعزز الإصلاح الديمقراطي الذي يقيم منظومة تشريعية ودستورية حديثة تمهد الطريق أمام إصلاحات تحقق الاستفادة من القدرات البشرية الخلاقة والإبداعية لشعب مصر، وتؤكد إمكانات ممارسة الحقوق السياسية والوطنية لجموع الشعب دون تفرقة أو تمييز، وتدعم التنمية الاقتصادية الشاملة التي تؤكد العدل الاجتماعي، وترفع عن كاهل الشعب كل أسباب المعاناة، وتتيح لأبنائه فرصَ العمل المتكافئة، وتصون الحقوق والواجبات، وتعلى سيادة القانون.

إن مصر تعِي مسؤولياتها الإقليمية والدولية، وتدرك ما يحيط بها من مخاطر وصعاب وتحديات، ودور مصر الإقليمي والدولي تفرضه مكانتها ورسوخ مؤسساتها الوطنية والدستورية وعراقة حضارتها وثقافتها وقوة جيشها وأصالة شعبها.. وأؤكد لكم قدرة مصر على مواجهة هذه التحديات والصعاب والمخاطر، بجيش يحميها، وشعب عريق قادر على صنع التاريخ، لا تفرط في سيادتها واستقلال إرادتها، ولا تقبل شروطا أو إملاءات تنال من كرامتها وحُريتها. تحمي أمنها القومي وأبعاده المتعددة، ولا تتهاون مع من يحاول زعزعة أمنها واستقرارها أو يمس وحدة شعبها ويحاول الوقيعة بين أبناء الشعب.. إن مصرَ ماضية في تحمل مسؤولياتها الإقليمية والدولية. تدافع عن قضايا أمتها، وتحمي أمنها القومي، وتدافع عن مصالحها.. ملتزمون بالأهداف الوطنية العليا ومصالحنا الاستراتيجية التي تقوم على ثوابت راسخة تؤمِّن مصالحنا وتخدم أهدافنا من خلال علاقات إقليمية ودولية تحترم سيادتنا وتحفظ حقوقنا ومصالحنا الحيوية، ونسعى لتحقيق هذه المصالح بمنظور شامل يمتد إلى قضايا منطقتنا وعلاقتنا الدولية، كما أننا ملتزمون بمعاهداتنا واتفاقياتنا الدولية ونمدُّ يد الصداقة والتعاون لجميع دول العالم، نرفع علم مصر، ونعلي مكانتها، ونحفظ سيادتها، ونصون عزتها وكرامتها».

واتخذ طنطاوي قرارا بإنهاء حالة الطوارئ، مؤكدا أن ذكرى الثورة ستظل «عيدا للتلاحم بين الشعب وقواته المسلحة، التي وقفت إلى جانبه وانحازت إليه، تحمي ثورته وتساند ثواره.. واليوم وبعد أن قال الشعب كلمته واختار نوابه في مجلس الشعب ليتولوا مسؤولياتهم التشريعية والرقابية، فإنني قد اتخذت قرارا بإنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية إلا في مواجهة جرائم البلطجة، على أن يسري هذا القرار اعتبارا من صباح الغد الخامس والعشرين من يناير (كانون الأول) لعام 2012.

شعب مصر العظيم..

إن مصر أرض الحضارات والتاريخ، ولقد أعاد شعبها صياغة هذا التاريخ بثورة وطنية، وحفاظه على سلامة ووحدة الوطن رغم كافة التحديات والصعاب التي واجهتنا، وكان على مستوى المسؤولية يوم أن توجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليه في مجلس الشعب، وأكد توجهه الوطني الصادق، وإليه أتوجه بالشكر والتقدير على هذا الإنجاز العظيم.

يا شباب مصر.. إن مصر تناديكم، فأنتم عدتها وعتادها وأنتم من فجرتم ثورتها وأدعوكم إلى تأسيس كيان حزبي له دور سياسي يتطلع إليه الشعب، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يؤكد دعمه الكاملِ لكم في هذا المجال حتى تتمكنوا من ممارسة الدور السياسي الذي نتمناه لكم.

يا رجال الشرطة الأوفياء.. لقد عبَرتم مرحلة حرجة وعدتم إلى مهامكم بفكر جديد يحترم القانون والمواطن.. وفقكم الله إلى ما فيه خدمة الوطن.

إنني أتوجه إلى قضاة مصر بالشكر والتقدير على ما يتحملونه من مسؤوليات ومهام تؤكد نزاهتهم وصدق ضميرهم، مؤكدا أن قضاء مصر الشامخ سيظل دوما قلعة للعدل والحق.

أما أنتم يا أبنائي رجال القوات المسلحة.. لقد قدمتم صورة مشرفة للعسكرية المصرية، حافظتم على عهدكم، وضعتم المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، حافظتم على الثورة، وفرتم الحماية لأهلكم من شعب مصر، تعرضتم للكثير من التحديات، وهذا عهد مصر بكم وثقة الشعب في أدائكم.. ومن المؤكد أن كل من اختزل دور القوات المسلحة ومجلسها الأعلى في موقف ما، فعليه أن يراجع موقفه الوطني، وفور انتهاء المرحلة الانتقالية سوف تتفرغ القوات المسلحة لدورها في حماية الوطن، وهو الدور الذي تحملته على مر التاريخ يملؤها العزة والفخار ويحيط بها تقدير واحترام شعب مصر العظيم.

إن الدماء الذكية لشهداء ومصابي الثورة ستظل مصانة في ذاكرة هذه الأمة.

يا أبناء الوطن.. ضعوا مصر وشعبها في قلوبكم وعقولكم وأفئدتكم.. واعملوا على تحقيق آمالها وطموحاتها في أن يسود الأمن والأمان، ويعم العدل الاجتماعي تحت سماء هذا الوطن العزيز.

حمى الله مصر ورعى شعبها ووفقنا جميعا إلى ما فيه خيره.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه».