«كلنا خالد سعيد» مهدت الطريق نحو ميدان التحرير

شباب ثورة مصر يروون أسرارها في عيدها الأول

مشهد من مليونية تكررت كثيرا في ميدان التحرير بمصر على مدار العام الماضي
TT

عاشت الثورة المصرية سباقا مع الزمن، خاصة خلال الـ18 يوما التي شهدت حشدا جماهيريا غير مسبوق بميدان التحرير بالعاصمة القاهرة.. في كواليس هذا المشهد نبتت بطولات وحكايات وأسرار، كما تشكلت، خطوط اتصالات وغرف عمليات للثورة، أصبحت بمثابة محور لضبط الإيقاع في الميدان، والتنسيق لعمليات التعبئة، وترتيب المهام والأولويات، والزحف لمناطق وأمكنة حساسة للنظام بالعاصمة، بهدف حصاره والضغط عليه سلميا وإجباره على التخلي عن السلطة، في الوقت نفسه، زاد من مهام هذه الغرف اشتعال الثورة في معظم المحافظات بالبلاد.

من أبرز هذه الغرف، التي أسسها شباب ناشطون بأدوات بسيطة، تعتمد في الأساس على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، كانت صفحة «كلنا خالد سعيد» التي فجرت الشرارة الأولى للثورة.. فعلى كومبيوتره المستقر فوق منضدة صغيرة، بشقة قريبة من ميدان التحرير، جلس أحمد صالح يجمع خيوط التحركات لثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، عقب اعتقال الناشط وائل غنيم مؤسس الصفحة، بعد يومين من اندلاع الثورة؛ حيث أسند للأول تولي غرفة عمليات الصفحة التي حركت ملايين المصريين للنزول إلى ميدان التحرير لإسقاط نظام قمعي فاسد دام أكثر من 30 عاما.

في ذلك الوقت، وصل عدد المشتركين بالصفحة إلى نحو مليوني مشترك، وزاد من الإقبال عليها مجموعة من الوقفات الاحتجاجية بملابس الحداد نظمها نشطاء وسياسيون من الشباب على كورنيش الإسكندرية مسقط رأس الشاب خالد سعيد الذي لقي حتفه عقب اعتداء أفراد من الشرطة عليه.

ومنذ الأيام الأولى للثورة، حظيت الصفحة باهتمام كبير ومتابعة عن كثب من الأطياف المصرية والعربية والدولية، مما دفع سياسيين إلى وصفها بـ«الدينامو» الذي حرك مفاعلات الثورة المصرية.

ويروي صالح، الذي يعمل حاليا محاميا في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، «أدمن» (مسؤول) الصفحة خلال الثورة قائلا: «في الأيام الأولي للثورة كنت أتعاون مع الصفحة دون أيه مسؤوليات مفروضة علي، ولم أكن أعلم أن الأدمن هو وائل غنيم على الرغم من أننا كنا نتراسل عبر البريد الإلكتروني، وكان غنيم قلقا من اعتقاله، فتحدث إلي وأخبرني أنه في حال اعتقاله أكون أنا (أدمن) الصفحة، وسيساعدني في ذلك صديقه في أميركا، وتم الاتفاق مع وائل على ماذا سأفعل».

وأضاف صالح: «بعد اعتقال غنيم وحبسه 12 يوما، بدأت من 28 يناير (كانون الثاني) الماضي.. كان في هذا اليوم الإنترنت مقطوع، وبعد عودة الاتصالات والإنترنت صباح يوم 2 فبراير (شباط) وهو اليوم الذي حدثت فيه موقعة الجمل، أرسلت لي نادين (الصديقة التي تعيش في أميركا)، كلمه السر لأكون أدمن الصفحة»، مشيرا إلى أنه كان خائفا لأن الصفحة مسؤولية كبيرة.. «كل ما أكتبه محسوب علي وكل الأنظار تتابع الصفحة، كنت أريد أن أنزل للشارع بدلا من أن أتابع العملية من خلال غرفة عمليات (كلنا خالد سعيد)، التي انتقلت إلى شقتي التي أجرتها بمنطقة قريبة من ميدان التحرير».

وتابع صالح، ابن محافظة الإسكندرية (33) عاما: «فوجئت بوجود صفحات مضادة للثورة، تشن هجوما كبيرا على الصفحة، وتعليقات لناس تطالب بالتوقف عن الثورة عقب خطاب مبارك الأول، ولكنني تجاهلت كل الهجوم، وركزت على الوضع في التحرير، ومن هذا الهجوم ما كان ينشره الإعلام وصفحات (فيس بوك) المضادة للثورة، التي أشاعت وجود بلطجية في الميدان وأجندات ووجبات (كنتاكي) توزع على الثوار، فقررت النزول إلى الميدان وفضلت انتقاء الصور الفكاهية التي تختلف عن المشاهد الدامية، وفي الوقت نفسه تثير اهتمام الشباب».

وبعد مقتل عدد من الثوار وتشويه الإعلام الثورة، وحول إدارة الصفحة في تلك الأيام العصيبة، حاول صالح التذكر، وقال: «كنت أدخل بطريقة لا يتمكن الأمن من معرفة من يدير الصفحة، وكانت من المشكلات التي تواجهني بطء سرعة الإنترنت، وكنت أدخل عن طريق كروت شحن الهواتف الجوالة التي كنت أجد صعوبة شديدة في إيجادها خلال هذه الأوقات العصيبة»، مشيرا إلى أن أساليب الدخول لم تكن خارقة؛ و«كنت أعتقد أن الأمن يجهل هذه الطريقة للدخول وإلا كان حدد مكاني وتم اعتقالي».

وعن أصعب ما واجهه صالح يقول: يوم موقعة الجمل حيث تردد وجود اشتباكات في التحرير، فنزلت في بادئ الأمر فلم أجد شيئا فعدت وطلبت من الناس النزول للميدان، وبعد لحظات عدت للميدان لأجد المعركة. فكرت في الخروج حيا من التحرير، فقالت زميله لي: (نحن من أخبر الناس بالنزول)، وقتها تذكرت أني أخبرت الناس أيضا بأن يذهبوا للتحرير، فقررت أن أبقي.

وعن بداية الثورة وتوحد القوى الثورية تحت رايتها، يروي الشاب عمرو عز، عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة، كيف اتفقت القوى الثورية في ما بينها، فيقول: «عام 2010 كانت هناك انتخابات شبابية للبرلمان الموازي للبرلمان الرسمي، حينها تعرفت القوى الثورية بعضها على بعض، التي تضم (حملة دعم البرادعي)، و(حركة شباب الحرية والعدالة) وحزب الجبهة و6 أبريل. وبدأنا في الحديث عن القيام بعمل يجمع القوى الثورية تحت مظلة واحدة وأن نوحد جهودنا، وكنا نجتمع بشكل دوري، وكان آخر اجتماع قبل الثورة في مقر تيار التجديد الاشتراكي بمنطقة وسط البلد، واتفقنا على النزول يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، وأن تكون المجموعات السياسية جسدا واحدا، كنا لا ندخل أحدا غير معروف بيننا، ونتقابل في أماكن غير معتادة وأوقات غير معتادة، يبلغ بعضنا بعضا بها وجها لوجه، كان التحدي لدينا هو حشد أكبر عدد من المتظاهرين، وكنا على دراية خلال اجتماعاتنا بأنه إذا تم معرفة ما نتفق عليه سيفسد حلمنا».

وعن عملية التنظيم، أوضح عز أن «كل مجموعة كان لها رئيس، بدأنا من منطقة ناهيا بالقليوبية، وقررنا أن تكون الدعوة الرئيسية بميدان مصطفي محمود بالمهندسين، وذلك لأن العديد من المناطق الشعبية تقع بالقرب منه. وبعد احتشاد العديد من الناس، كان القرار التوجه لميدان التحرير.. كان عدد الناس هو عامل الحسم في أن نكمل أو لا نكمل. استمررنا أكثر من شهر في دعوة أهالي ناهيا (قليوبية)، كنا ننشر منشورات للنزول وأسبابه، كان مهما لدينا تهيئة المكان الذي سنخرج منه، لم نكن نتوقع تجاوب الناس وأن يكون العدد بهذا الحجم».

ويتذكر عز: «لم يكن الأمن في 25 يناير عنيفا، لأن الأعداد كانت ضخمة، ويصعب على الأمن استخدام العنف بنصف قوته، فاضطر للتعامل السلمي، ومنعنا من دخول ميدان التحرير لفترة كبيرة، حتى استطعنا الدخول، حينها اجتمعنا لنرى ما سنقوم به، وحينما اقتحم الأمن مساء 25 يناير الميدان، وتم إلقاء القبض على العديد منا، اجتمعنا يوم 26 صباحا و27 مساء في منطقة المقطم، واتفقنا على الطريقة التي سنعد بها أنفسنا يوم جمعة الغضب 28 يناير».

وأوضح عز: «يوم 28 يناير قطعت الاتصالات، ولكن لم يكن قطع الاتصالات أمرا عائقا للدعوة العبقرية التي خرجت من كل المساجد لميدان التحرير، لهذا لم تتأثر المظاهرات، خرجنا من أكثر من مكان، 6 مناطق تقريبا، كنا سنخرج مع الدكتور البرادعي وقت علمنا بمجيئه لمصر، ولكننا قررنا أن نغير وجودنا معه لإدراكنا الوجود الأمني الذي من المؤكد أنه سيعتقلنا، فنقلنا مكان المسيرة إلى إمبابة بعد أن تجمعنا في مساء 27 يناير، واتفقنا في ما بيننا أن من لم يستطع الانضمام لأي مسيرة يصلي في أي مسجد ويخرج للميدان».

وعن قطع التظاهر يومي 26 و27 يناير، قال عز: «فضلنا قطع الاعتصام في هذين اليومين وذلك لعدة أسباب، أننا لم نكن على الاستعداد الكامل للاعتصام، فقررنا تجهيز الإسعافات وتنظيم شكل الميدان، وتوفير إمكانيات للاعتصام، وتنظيم إدارة الميدان.. كان الأمر يحتاج لاستعدادات.

وبعد 28 يناير ووصولنا للميدان، كنا نجتمع في أي مكان عشوائي، قمنا بأول مليونية الثلاثاء 1 فبراير وكان العديد من الناشطين والثوار محتجزين، فقمنا بدعوة لمليونية يوم الأحد 6 فبراير، وخرج مبارك بخطابه العاطفي.. ناس روحت وناس أحبطت، وحدث يوم الأربعاء موقعة الجمل، كنا حينها مجتمعين بالدكتور البرادعي، ويوم الخميس تم اعتقالي ثلاثة أيام في المخابرات العسكرية».

ويحكي خالد تليمة، عضو ائتلاف شباب الثورة، جانبا آخر من مشهدها، فيقول: «يوم 25 يناير بعد أن قررنا إطلاق عنان الثورة، كان من المفترض أن ألتحق بالمسيرة التي انطلقت من منطقة إمبابة بالجيزة، ولكني كنت في منطقة وسط البلد، فانطلقت إلى ميدان رمسيس، وهناك فوجئت بعدد الناس الذي لم أكن أتوقعه.. استجاب الشعب لمطالبنا، وأثناء سيرنا كسرنا ما يقرب من 4 أطواق أمنية، كنا أول مجموعة وصلنا لمجلس الشعب.. بعض الناس طالبوا باقتحامه، كنا لا نعرف ماذا نقرر.. حتى تمت مهاجمتنا من قوات الأمن المركزي، فتراجعنا إلى ميدان التحرير، ووقفت على مدخل الميدان أنظر للأعداد التي تتوافد، فوجدتها لا تقف.. بكيت حينئذ، وعلمت أن الشعب أدرك أن لديه حقوقا يطالب بها».

وأضاف تليمة، الذي كان يعمل وقتها صحافيا بجريدة الأهالي: «كانت لدينا تسريبات بأن الإنترنت والاتصالات سوف يتم قطعها، لهذا كنا نستخدم التليفونات الأرضية، وفوجئنا أن الشباب المصري تمكن من التحايل على فكرة قطع الإنترنت ونشر البعض منهم طرقا أخرى للدخول مثل التليفون الأرضي، وقام الشباب بفضح ممارسات النظام على الإنترنت؛ ولكن الجميل في الأمر أن أغلب هؤلاء الشباب لم يكن من منظمي الدعوات للثورة، بالإضافة إلى نشطاء عرب ساعدونا كثيرا في فضح النظام. كنا نجتمع 20 أو 30 شابا في بعض الخيام في ميدان التحرير، أو في مقرات الأحزاب بمنطقة وسط البلد، كنا نجتمع سرا وفي أوقات مختلفة وأماكن مختلفة حتى لا تتم معرفة أو توقع ما نقوم به، كنا نبلور أفكارا، نتناقش فيها في ما بعد ذلك، كنا نعي أنه يجب أن تكون لدينا ردود فعل سريعة، فكنا نطبع البيانات والمنشورات ونوزعها على الناس، كما كنا نستخدم إذاعة الميدان لتحفيز الحماس لدى الناس، كان أهم ما يشغلنا هو كيف نحافظ على قوتنا في الميدان».

وتابع تليمة: «الناس رغم احتشادها بقوة في الميدان يوم جمعة الغضب، فإن العديد منهم أمام تشويه الإعلام الرسمي وغير الرسمي للثورة وضغط أهاليهم عليم كانوا يتركون الميدان، كما انتشر التوتر بالميدان.. الموقف كان يقلقنا، قطاع كبير من الناس بدأ يمشي، حتى جاء ما اعتبرته هديه مبارك لنا، وهو الخطاب الذي سبق موقعة الجمل، حينها الناس تفهمت أن مبارك يخدعهم ولا يريد التنحي وسوف يورث الحكم». وتابع: «أمام محاربة الإعلام، كنا نصدر بيانات للناس تحضهم على الحفاظ على الثورة وقيمة التمسك بالاعتصام بالميدان. وأقمنا لجانا شعبية من الناس للتأمين.. كانت الثورة بمثابة خبرة جديدة نكتسبها، كنا نقف عند بعض المواقف لا نعرف ماذا نفعل ولكن كانت الأمور تسير».

وترى كريمة الحفناوي، القيادية بحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، أن الحشد المعنوي للناس بدأ قبل الثورة بشهور حين قادت الجمعية الوطنية للتغيير حملة المليون توقيع لإجراء حزمة إصلاحات سياسية ودستورية في مصر، كما أطلق شباب الجمعية «جروبا» على «فيس بوك» تحت اسم: «حملة طرق الأبواب لجمع مليون توقيع على بيان التغيير»، وهو ما أطلق شرارة الغضب في نفوس الناس.

وتقول الحفناوي إنه بعد فض مظاهرات 25 يناير ليلا، كان هناك قرار عفوي وجماعي داخل الجمعية الوطنية للتغيير بمواصلة التظاهر في اليوم التالي والعودة لميدان التحرير، ومع تظاهر المئات في اليوم التالي على سلالم النقابات المهنية في وسط البلد.. حينها قلت لنفسي: (سنفعلها)». وتؤكد الحفناوي أن الحشد للثورة تم بطريقة تلقائية وعفوية من قبل المصريين؛ نتيجة للعنف الذي استخدمه النظام السابق في قمع المتظاهرين. ولفتت إلى أن الخلاف الوحيد الذي حدث أثناء الثورة تعلق برفض جميع قوى الثورة تفاوض الإخوان المسلمين مع النظام.

ويتذكر محمد عباس، أحد أعضاء ائتلاف شباب الثورة، ما حدث يوم جمعة الغضب قائلا: «بتنا في الميدان، حيث اجتمعت مجموعة العمل قبلها بيوم في بيت والدة زياد العليمي (أحد شباب الثورة؛ عضو الائتلاف)، واتفقنا على مسارات للخروج في يوم جمعة الغضب، وكان أهم ما ركزنا عليه أن تكون المسيرات في مناطق شعبية بسيطة، تستطيع اجتذاب الناس البسطاء (المقهورين) من حكم مبارك. وأعلنا يومها عددا من المسارات التي نشرتها صفحة (كلنا خالد سعيد) على موقع (فيس بوك) وشبكة (رصد) الإخبارية، ولكننا سلكنا طريقا آخر غير هذه المسارات المعلن عنها للوصول لميدان التحرير في هذا اليوم تحديدا».

عباس الذي ينتمي لشباب جماعة الإخوان المسلمين، والذي تمرد على قرار الجماعة في البداية بعدم المشاركة في مظاهرات 25 يناير الماضي، استعان بشباب الإخوان أنفسهم لتحديد خريطة المسيرات للخروج من قبضة الأمن، ويقول: «يوم 26 مات في ميدان التحرير 13 شابا على يد قناصة العادلي، ويومها عرفنا أننا يا إما نحقق اللي بنطالب بيه أو نموت زيهم، ودا كان هدفنا في جمعة الغضب، ونزلنا الميدان على الرغم من أننا كنشطاء كنا عارفين إن القناصة معاهم صورنا وأوامر بالتصويب علينا أول ما يشفونا، بس إحنا كنا عاوزين الشهادة.. ووصلنا لميدان التحرير بعد أكثر من 3 ساعات من السير في الشوارع الضيقة التي يصعب على الأمن التعرض لنا فيها، خاصة أن المسيرة وصلت لعشرات الآلاف من الأشخاص، وبمجرد وصولنا التحرير حاصرتنا قوات الأمن عند كوبري قصر النيل وبدأ ضرب مدافع الماء، بعدها كان ضرب القنابل المسيلة للدموع والخرطوش، وناس كتير ماتت، وكل ما كان بيموت واحد من اللي كانوا معانا، كنا بنزيد إصرار وتحدي لرد دماء الشهداء الذكية وإن الدم ميضعش هدر».

وفي يوم الأربعاء 2 فبراير، كان ميدان التحرير والثوار على موعد فاصل في ثورتهم، فقد شهد هذا اليوم ما أطلقت عليه وسائل الإعلام العربية والأجنبية (موقعة الجمل)».

أحمد التابعي، مهندس طباعة (24 عاما) أحد النشطاء السياسيين، عضو في «حملة كاذبون»، يتذكر مشهد الموقعة الفاصلة قائلا: «منذ أول يوم وأنا في الميدان، ويوم موقعة الجمل كنت عند المدخل من ناحية عبد المنعم رياض. وبدأت الواقعة الساعة 12 ظهرا.. لم أكن في أول صف من المتظاهرين اللي فوجئوا بالناس دي بتهجم عليهم.. لكن المنظر أعطاني شعورا بأن الزمن عاد للوراء وأنني أشاهد أحد أفلام البدو القديمة.. كثير منا وقف غير متخيل ما يحدث، مرة واحدة جمال وخيول وناس فوقها معاها سيوف وسكاكين وعصيان بتهجم علينا، وماكنش معانا غير الحجارة اللي ندافع بيها عن نفسنا».

وقال التابعي: «النظام السابق كان يعتقد أن الناس اللي في التحرير شباب مستهتر، يمكن تخويفه بالبلطجية أو بالسيوف أو القنابل.. لكن الحقيقة إن الشباب اللي كان هناك شباب بيحب مصر فعلا.. وكل اللي كانوا بيحلموا بيه هي الحرية والكرامة مش أكتر؛ وكانوا مستعدين يموتوا عشان يحققوا الهدف ده».

يضيف أحمد: «عندما توقف الضرب الذي أوقع العشرات من الشهداء في هذا اليوم.. جلسنا بالليل نتحدث مع هؤلاء الذين جاءوا ليقتلونا وكان الحديث عبر الحاجز الذي فصل بيننا وبينهم. وجدناهم مجموعة من بسطاء الطبقة الكادحة حركتهم الأموال لفعل هذا الأمر. وأثناء الحديث معهم وقبل أن نبدأ في محاولة إقناعهم بقضيتنا.. أشار إليهم بعض الأشخاص المرتدين زيا رسميا (بدلة وكرافتة) بالابتعاد، وبالفعل ابتعدوا عنا على الفور وكأنهم يتلقون الأوامر من هؤلاء؛ الذين لم نكد نتعرف على شخصياتهم بسبب الظلام».ويروي أحمد بحرقة: «المشهد كان عظيما، المئات منا أصيبوا وكان الشاب بمجرد علاجه من إصابته، وكأن هناك روحا جديدة تنبعث في الثوار، يقوم جريا إلى مكان الاشتباكات وكأنه يريد أن يصاب مرة أخرى.. لا أستطيع أن أحصى عدد المصابين أو القتلى، ولكن اللي متأكد منه إن كل من كان موجودا في الميدان في هذا اليوم كان على استعداد لتقديم نفسه فداء للوطن. والروح دي هي اللي أجبرت النظام السابق على التخلي عن السلطة، وهي اللي هتساعد كل الشباب على أن يستكملوا ثورتهم».