أردوغان يندد بالقانون الفرنسي حول الأرمن لكن دون إعلان رد

باريس تدعو إلى «الهدوء».. و«التعاون الإسلامي» ترفض القانون «المتعارض مع حقائق التاريخ»

قوات مكافحة الشغب التركية تحرس القنصلية الفرنسية في إسطنبول خشية وقوع أعمال تخريب، أمس (رويترز)
TT

تكثفت ردود الفعل التركية الغاضبة أمس بعد تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على قانون يقضي بتجريم إنكار الإبادة الأرمنية، بينما دعت باريس أنقرة إلى الحفاظ على «الهدوء». فقد وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مشروع القانون بأنه «عنصري وتمييزي»، لكنه لم يعلن ردا ملموسا في انتظار أن يصادق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على القانون. وقال أردوغان في البرلمان أمام نواب حزب العدالة والتنمية إن «مشروع القانون الذي اعتمد في فرنسا تمييزي وعنصري». وأكد أن هذا القانون «باطل ولاغٍ» بالنسبة إلى تركيا، وأن بلاده ستفرض «بشكل تدريجي» على فرنسا العقوبات التي حذرت منها «دون إمكان التراجع». وحذر من «أننا سنعلن خطنا للعمل وفقا للتطورات في الملف»، مؤكدا أن «تركيا لا تزال تلزم الصبر».

وأمام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي طالب بإصدار مشروع القانون مهلة 15 يوما للمصادقة على القانون. وأعرب أردوغان الذي اعتمد لهجة أكثر اعتدالا مما كان متوقعا إزاء باريس عن أمله في «تصحح فرنسا خطأها». وأوضح أن حكومته تسعى لكي يقوم أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي باللجوء إلى المجلس الدستوري من أجل إلغاء مشروع القانون.

لكن رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية أعلن أمس أنه لن يرفع إلى المجلس الدستوري القانون رغم التحفظات على هذا النص. وقال برنار اكواييه العضو في الأكثرية اليمينية إن «اللجوء إلى المجلس الدستوري غير مطروح حاليا».

من جهته عبّر الرئيس التركي عبد الله غل عن أمله في أن يقوم «60 من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي بتحرك» في اتجاه إلغاء القانون، محذرا من أنه حين تتم المصادقة عليه «من الأكيد أن العلاقات التركية - الفرنسية لن تبقى كما كانت عليه».

وفي الوقت الراهن سيبقى السفير التركي في منصبه في باريس، لكن أنقرة التي استدعته لفترة وجيزة بعد أول تصويت في مجلس النواب الفرنسي في 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي تفكر هذه المرة في استدعائه إلى أجل غير مسمى، وأن تخفض مستوى تمثيلها في فرنسا حين يأخذ النص مفعول قانون، كما قال مصدر مطلع.

وبعد أول تصويت أعلنت أنقرة عن تجميد تعاونها السياسي والعسكري مع فرنسا، محذرة من سلسلة ثانية من الردود. ونظم حزب قومي تركي أمس مظاهرات أمام السفارة الفرنسية في أنقرة والقنصلية الفرنسية في إسطنبول للتنديد بتصويت مجلس الشيوخ الفرنسي. وكتب على لافتة: «الإبادة الأرمنية كذبة إمبريالية».

واعتبر وزير العمل التركي فاروق جليك أن الرئيس الفرنسي الذي دعم النص يقوم بتشويه التاريخ، وأجمعت الصحافة التركية من جهتها أمس على التنديد بالضربة التي وجهتها فرنسا لحرية الرأي. وعنونت صحيفة «وطن» الشعبية التركية «فرنسا.. عار عليك». وكتبت أن «فرنسا التي انطلق منها مفهوم الحرية وجهت أقسى ضربة لحرية التعبير»، مشيرة إلى أنه عبر تصويتها على القانون «إنما تنكرت لماضيها». كما كتبت صحيفة «بوستا» الشعبية أن «الرئيس الفرنسي ساركوزي ازدرى الحرية وتركيا مقابل بضعة أصوات».

وإزاء هذه الردود الغاضبة دعا وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه تركيا إلى الحفاظ على «الهدوء». وقال جوبيه متحدثا لشبكة «كانال بلوس» التلفزيونية الفرنسية: «أود أن أدعو أصدقاءنا الأتراك إلى الهدوء»، مؤكدا «مد اليد إلى هذا البلد الكبير، هذه القوة الاقتصادية والسياسية الكبيرة». وتابع: «نحن بحاجة إلى إقامة علاقات جيدة» مع تركيا. وأضاف أنه «بعد تخطي هذه المواقف المبالغ بها بعض الشيء، أنا مقتنع بأننا سنستعيد علاقاتنا البناءة» مع أنقرة. وقال: «أنا أمد اليد وآمل أن تقابل بالمثل». وأضاف: «أدعو إلى التهدئة، فهناك شركات فرنسية عدة في تركيا، ولدينا علاقات تجارية واقتصادية في غاية الأهمية». ومضى يقول: «نحن بحاجة إلى تركيا وتركيا بحاجة إلينا، ولهذا أعتقد أن الواقعية ستغلب على العاطفة».

من جهتها أعلنت منظمة التعاون الإسلامي أمس رفضها هذا القانون الفرنسي المثير للجدل. وأكد مسؤول في الأمانة العامة في بيان: «رفض المنظمة لهذا القانون باعتباره يتناقض مع حقائق التاريخ ويعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا التاريخية الكبرى». وندد بـ«السعي إلى توظيف هذه الأحداث في خدمة أغراض سياسية وانتخابية داخلية». وأشار إلى أن «هذا القانون يتناقض مع مبدأ حرية التعبير والنقد العلمي الموضوعي ومبادئ حقوق الإنسان».

كذلك رفضت أذربيجان، الناطقة بالتركية والتي هي في نزاع مع أرمينيا حول جيب ناغورني قره باخ، النص الذي يعاقب بالسجن سنة ودفع غرامة 45 ألف يورو لكل من ينكر كل الإبادات المعترف بها في فرنسا وبينها إبادة الأرمن.

وفي المقابل شكرت أرمينيا، المعنية مباشرة بالأمر، فرنسا. وقال الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان في رسالة وجهها إلى ساركوزي: «إنه يوم تاريخي للأرمن في العالم أجمع». وترفض تركيا تسمية «إبادة» ولو أنها تقر بوقوع مجازر وبمقتل نحو 500 ألف أرمني في الأناضول بين 1915 و1917، بينما يؤكد الأرمن سقوط 1.5 مليون قتيل.