باكستان تتحسب لانقلاب.. من نوع مختلف

الحكومة «منتهية» والجيش منهك.. والمحكمة العليا صاحبة الدور المرتقب

الشرطة تحرس مبنى المحكمة العليا في إسلام آباد أمس خلال جلسة تحقيق بشأن «المذكرة السرية» التي يعتقد أن الحكومة أرسلتها إلى الولايات المتحدة طلبا للمساعدة في كبح جماح الجيش النافذ (أ.ف.ب)
TT

قبل أيام قليلة فقط، كانت هناك حالة تذمر وسخط بادية في باكستان، مردها وجود شعور بأن الحكومة المدنية تتجه لتوبيخ المؤسسة العسكرية، وقيام الجيش بالتحذير من العواقب ثم توليه الحكم. وصرخت وسائل الإعلام المحلية محذرة من أن انقلابا عسكريا يلوح في الأفق. لكن مع ذلك، لم يحدث شيء، وبدلا من ذلك، انزلقت باكستان مرة أخرى لما أصبح أحد الطقوس المألوفة. فلو نجحت الحكومة في النجاة من الانهيار المتوقع، ستكون بذلك أول حكومة منتخبة تتمكن من إنهاء فترتها الدستورية.

وتلا ذلك جدل كبير عما إذا كان الجيش الباكستاني يحاول الانقضاض على السلطة بشكل خفي، أو ما إذا كانت الديمقراطية الناشئة في هذه الدولة المعرضة للانقلاب العسكري ستتنامى بشكل حقيقي. وقال رضا الرومي، وهو كاتب عمود في إحدى الصحف ويصف نفسه بأنه واحد من المتفائلين بالوضع القادم: «هناك مساحة واسعة من الديمقراطية، ولذا تعد هذه إحدى اللحظات المثيرة للاهتمام. قد تبقى الحكومة أو لا، ولكن التأكيد على حق المدنيين هو الأمر الأهم».

وتعكس الأزمات السياسية الراهنة، والتي تشمل فضيحة المذكرة ومزاعم الكسب غير المشروع، العناصر التي ساعدت على إسقاط حكومات مدنية سابقة والتي تتلخص في سياسيين مخادعين وأحزاب معارضة تكتفي بالكلام، وقضاة يتكيفون مع كافة الأوضاع واقتصاد فاشل يقال إنه يقلق الجنرالات.

ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أن العناصر التي ساعدت على الانقلابات السابقة، مثل الدبابات والتعتيم الإعلامي، لا تجدي نفعا في باكستان اليوم، والتي برزت فيها وسائل الإعلام والسلطة القضائية كمراكز جديدة للقوة، مما أعطى رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني والرئيس آصف علي زرداري ثقة مدهشة جعلتهما يعلنان بشكل واضح تحديهما للمؤسسة العسكرية في مشهد يجعل الإنسان يشعر بأن هناك لعبة تنطوي على خداع كبير. وبثقة يحسد عليها، صرح مسؤول بارز في حزب الشعب الباكستاني، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية هذه المسألة، بأن الحزب «لا يرى فرصا لتدخل الجيش بصورة مباشرة».

بادئ ذي بدء، يعاني الجيش من بعض المشكلات الداخلية، حيث يسعى الجنرال أشفق كياني، قائد الجيش، لاستعادة صورة القوات المسلحة في الحياة العامة منذ انتهاء الحكم العسكري في عام 2008، ولكنه واجه انتقادات داخلية غير مسبوقة بعد الغارة الأميركية التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وقال أحد المسؤولين العسكريين، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بمناقشة هذه المسألة علنا، إن مقاومة التمرد الإسلامي لا تترك للجنرالات وقتا كافيا لإدارة المسائل الاقتصادية.

وقال الجنرال المتقاعد طلعت مسعود، وهو محلل بارز في النواحي الدفاعية: «المؤسسة العسكرية تتحمل فوق طاقتها ومشغولة بشكل كامل بمحاربة المسلحين». ويرى محللون أن نفوذ الجيش قد أصبح أكثر تأثيرا من ذي قبل، فقد ظهر في باكستان خلال السنوات الأخيرة عدد كبير من الكتاب المثيرين للجدل ووكالات الأنباء العدوانية التي تتخذ موقفا مناهضا للحكومة بشكل عام. وأصبح البرلمان يحترم الجيش بشكل أقل من ذي قبل، كما أن حزب المعارضة الرئيسي الذي يقوده نواز شريف، ليس مؤيدا للجيش الذي أطاح به في عام 1999.

والشيء الرئيسي الذي يمنع حدوث انقلاب، حسب رأي البعض، هو جرأة المحكمة العليا، التي أصبحت تلعب دورا فعالا في الحياة العامة. ومثلها مثل وسائل الإعلام والجيش، أظهرت المحكمة العليا كراهية واضحة للحكومة من خلال تعقبها لقضايا الفساد المزعومة، والتي تشمل مزاعم بغسل أموال ضد زرداري، والتي بسببها هددت المحكمة العليا بعزل جيلاني. ولكن المحكمة تراجعت عن موقفها بعد نضال ضد الرئيس السابق برويز مشرف، ويبدو أنها لن تبارك استيلاء الجيش على السلطة من الناحية القانونية.

وقال الرومي: «لم يكن هذا هو الحال من قبل، حيث كانت المحاكم سعيدة للغاية وحريصة على العمل مع الطغاة». وهناك تحليلات أكثر تشاؤما حول الأدوار الجديدة لوسائل الإعلام والمحكمة العليا. وهناك اعتقاد على نطاق واسع بأن المخابرات الباكستانية تعمل على بث روايات مناهضة للحكومة في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى ترهيب الصحافيين لمنعهم من تغطية الأحداث التي تنتقد الجيش.

وتركز المحكمة العليا على مساوئ الحكومة - مدفوعة بالرغبة في إعادة الأموال إلى الخزينة العامة - وهو ما يؤدي إلى اتهامات بأنها تزايد على الجيش وتقوم بـ«انقلاب قضائي»، إذا جاز التعبير. وتحظى المحكمة بتأييد حزب نواز شريف المعارض. وكشفت عائشة صديقي، وهي محللة عسكرية، عن وجود كثير من الشكوك، منذ اليوم الأول، حول قدرة تلك الحكومة، التي يتم تعقبها ومطاردتها من قبل وسائل الإعلام والمحاكم، على البقاء. وأضافت: «يسألني الناس ما إذا كنت أعتقد أن هذه الحكومة ستكمل ولايتها أم لا، ويمكنني القول إن بقاءها من عدمه لم يعد مهما الآن، لأنها عديمة الفائدة من الأساس».

وثمة مناقشات وجدل عما إذا كان «صدام المؤسسات» يضعف البنية الديمقراطية في باكستان أم لا. ومن الناحية العملية، نجح الجيش خلال فترة طويلة في فرض قبضته على السياسات الخارجية والأمنية - بما في ذلك بعض السياسات، مثل رعاية المقاتلين الجهاديين المناهضين للهند، التي باتت تؤرق باكستان.

وفي إطار سعيها من أجل البقاء، أمضت الحكومة ثلاث سنوات لا تفعل شيئا يذكر لمواجهة هذه المشكلة، ولكنها تعرضت للانتقاد في الآونة الأخيرة، بعدما أصدر جيلاني بيانا وصف هنا في وقت سابق بأنه مستفز. وخلال الشهر الماضي، حذر رئيس الوزراء من وجود «دولة داخل الدولة»، وتساءل عن نوع التأشيرة التي تسمح لبن لادن بالعيش في باكستان منذ سنوات - في إشارة واضحة إلى فشل المخابرات الباكستانية في تحديد مكان وجود الرجل المطلوب الأول في العالم.

ومن خلال مباراة الشطرنج الغريبة التي يلعبها الطرفان، صرح بعض المحللين وأعضاء في حزب الشعب الباكستاني بأن الخيار الأول للحزب هو القيام بانقلاب شامل، وهو ما من شأنه أن يسمح للحزب أن يصور نفسه على أنه ضحية، وهو الدور الذي كان الحزب يروج له على مدى سنوات عديدة من الصراع مع الجيش.

وبينما تواصل الحكومة صراعها مع الجيش والمحاكم، تخاطر القيادة المدنية بفقدان تعاطف الجمهور وتسامحه معها. وبالنسبة للباكستانيين العاديين، تكمن مصادر القلق في ارتفاع الأسعار ونقص الكهرباء والبطالة والعنف، وهي القضايا التي تحظى بقليل من الاهتمام في أروقة السلطة.

والآن، يبدو أن جيلاني وزرداري يراهنان على سخاء الناس مثل عارف حياة، وهو مهندس مدني حصل على راحة من التسوق في صباح أحد الأيام الأخيرة في إسلام آباد لكي يكيل الشتائم للحكومة، وقال إن الحكومة المدنية لا تزال «غير ديمقراطية» ولا تبالي بالباكستانيين العاديين ولا تقوم بأي شيء سوى «النهب». وأضاف أن الحكم العسكري ما هو إلا بديل بغيض هو الآخر. وأضاف حياة، 41 عاما: «لا يمكن أن يغير هذا البلد سوى الديمقراطية. فقد فشل جميع الحكام العسكريين السابقين بشكل بشع، وخلقوا المزيد من المشكلات بالنسبة لنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»