مطارد ناشطي «القاعدة» يتحول إلى متهم في أميركا

ضابط الـ«سي آي إيه» الذي اعتقل أبو زبيدة يواجه متاعب إثر حديث للإعلام

جون كيرياكو
TT

في مارس (آذار) 2002، شكل جون كيرياكو فريقا من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والاستخبارات الباكستانية، لشن غارة على منزل في باكستان كان يعتقد أن القيادي البارز في تنظيم القاعدة، أبو زبيدة، موجود فيه. وبعد تبادل إطلاق النار سارع كيرياكو إلى دخول المنزل، ليلقي القبض على رجل يعاني من إصابات خطيرة. التقط صورة لأذنه، واستخدم هاتفه الجوال في إرسال الصورة إلى محلل الاستخبارات الذي رد عليه مرة أخرى بعد مقارنة شكل الأذن في الملف الذي يضم صور أبو زبيدة.

وصف كيرياكو، الذي أعاد سرد الحادثة في مذكراته التي نشرت عام 2010، اعتقال زملائه لأول هدف كبير في التسلسل الهرمي للتنظيم القاعدة بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن على قيد الحياة، بأنه «واحدة من ألمع لحظات حياتي المهنية».

لكن كيرياكو يعيش الآن مأساة جديدة، فنفس الحكومة التي أرسلته قبل عقد من الزمان للمجازفة بحياته في الهجوم على «القاعدة»، تحاول الآن الزج به في السجن لمدة تصل إلى 30 عاما، وتتهمه بالكشف عن معلومات سرية - هوية اثنين من زملائه السابقين الذين شاركوا في استجواب المعتقلين - للصحافيين.

وقال العديد من الأصدقاء إن وكالة الاستخبارات المركزية أقالت زوجته، التي تعمل كمحللة بالوكالة من قبل التقاء الزوجين، الأسبوع الحالي بصورة مفاجئة. وقال أحدهم إنها تم الاتصال بها خلال وجودها في إجازة أمومة، وطُلب منها أن تتقدم باستقالتها (وقد رفضت الوكالة التعليق على صحة هذه الأنباء). وأوضح بلاتو كاتشيرز، محامي كيرياكو، الثلاثاء، أنه موكله مصمم على أنه غير مذنب، لكنه لن يستطيع مناقشة المسألة. لكن زملاء سابقين له في الوكالة وعددا من أصدقائه أكدوا عزمه على القتال بشراسة في القضية.

نشأ كيرياكو (47 عاما)، وهو حفيد مهاجرين يونانيين، في نيوكاسل غرب بنسلفانيا. كان والداه، المتوفيان، يعملان معلمين في مدرسة ابتدائية، ثم عمل والده في آخر حياته مديرا لمدرسة، بحسب أحد أصدقائه. ولا يزال صديقه غاري سنكو يعيش في نيوكاسل، ولا يزال صديقا لكيرياكو. وخلال مرحلة المدرسة الثانوية انضم كيرياكو إلى الفرقة الموسيقية المدرسية وكان طالبا موضع احترام الجميع، وأبدى اهتماما بالسياسة، وأوضح أنه يضع ناظريه على العالم الأرحب. ويقول سنكو «كنا نمزح بأنه سيترشح للرئاسة يوما ما».

درس كيرياكو في جامعة جورج واشنطن بمنح دراسية جزئية، وتخصص في دراسات الشرق الأوسط، ثم تقدم للالتحاق بوكالة الاستخبارات المركزية بناء على اقتراح من البروفيسور جيرولد بوست الذي عمل من قبل في الوكالة، وفقا لمذكرات كيرياكو التي نشرت في عام 2010 وحملت عنوان «جاسوس متردد: حياتي في الحرب السرية لوكالة الاستخبارات المركزية على الإرهاب». وقد بدأ كمحلل وتعلم اللغة العربية، لكنه في نهاية المطاف تلقى تدريبا كضابط عمليات، وعمل في أثينا ومنطقة الشرق الأوسط. ويروي كتابه مغامرات عدة، بما في ذلك نصب الكمائن ونزع سلاح الخصم بعد التأكد من أن الشخص كان تلقى توجيها من مجموعة إرهابية لقتله.

أوفد كيرياكو إلى باكستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لملاحقة عناصر «القاعدة». لكنه عندما عاد إلى ولاية فرجينيا الشمالية، واجه صعوبات. فقد فشل زواجه الأول في وقت سابق، وخاض معركة مريرة على حضانة ابنيه ضد زوجته السابقة، ثم تزوج من زوجته الحالية لاحقا، ولديهما الآن ثلاثة أطفال.

يصف كيرياكو في كتابه الضغوط التي واجهها مع مشرفه حول الوقت الذي تتطلبه مسؤولياته العائلية، ومن ثم قرر الاستقالة من الوكالة عام 2004، وعمل لعدة سنوات في شركة مراجعة حسابات في شركة «ديلويت»، لتحليل المخاطر الأمنية للشركات الأجنبية. وفي أواخر عام 2007، شارك كيرياكو في النقاش العام حول استخدام وكالة الاستخبارات المركزية أسلوب الإيهام بالغرق. وأجرى مقابلة مع قناة «إيه بي سي» قائلا إنها أفادت في الحصول على معلومات جيدة من المعتقلين، ولكن ينبغي ألا تستخدم هذه التقنية بعد الآن «لأننا أميركيون.. نحن أسمى من هذا».

لكنه تحول على حين غرة إلى شخصية مثيرة للجدل، وطلب منه مغادرة «ديلويت»، وفقا لعدد من أصدقائه وزملائه السابقين. وأكدت متحدثة باسم شركة «ديلويت» على أنه كان يعمل بالشركة، لكنها قالت إن الشركة لا تستطيع التعليق بأكثر من ذلك بسبب سياسة السرية.

أوقعت به المقابلة آنفة الذكر في مشكلة بطريقة أخرى. فقد ذكر أن أبو زبيدة بدأ في التعاون مع المحققين في غضون ثوان من تعرضه لعملية الإيهام بالغرق. لكن وفقا لوثيقة وكالة الاستخبارات المركزية التي نشرت عام 2009، مارست الوكالة عملية الإيهام بالغرق ضد أبو زبيدة ثلاثا وثمانين مرة، واعترف كيرياكو لاحقا بأنه لم يشهد شخصيا أيا من جلسات محاكاة الغرق.

وعلى الرغم من ذلك ظل كيرياكو على مدار عام 2008، مقصدا للصحافيين لإجراء مقابلات معه حول عمل وكالة الاستخبارات في مكافحة الإرهاب. وتقول وثائق الاتهام في القضية المتهم فيها إنه قدم اسم مسؤول سري عن عملية الإيهام بالغرق لأحد الصحافيين في ذلك الصيف، والذي بدوره نقل الاسم إلى فريق الدفاع القانوني عن المحتجزين في معتقل غوانتانامو. وهو متهم أيضا بمساعدة مراسل آخر، سكوت شين، من صحيفة «نيويورك تايمز»، في معرفة أو تأكيد اسم مسؤول آخر يشارك في برنامج الاستجواب، والذي نشر في صحيفة التايمز في يونيو (حزيران) عام 2008، وقالت متحدثة باسم الصحيفة إن الصحيفة وشين لم يتلقيا أي اتصالات من المحققين ولم يقدما أي معلومات لهم.

دخل كيرياكو في نضال أيضا مع مجلس مراجعة المطبوعات التابع لوكالة الاستخبارات المركزية في ذلك الصيف، حول ما كان يمكن أن يدرج في مذكراته، والتي سيحاول بيعها في وقت لاحق لشركة إنتاج سينمائي. ويقول الأصدقاء إنه حاول خلال الأشهر الأخيرة إثارة اهتمام المنتجين بتحويلها إلى مسلسل تلفزيوني. وكتب في بريد إلكتروني في يونيو 2008 إلى المؤلف المشارك له، وفقا للدعوى الجنائية «أعتقد أنهم سيدعوننا ننشر جزءا كبير من قصة أبو زبيدة. لقد اعترضوا على بعض تفاصيل التخطيط لعملية الأسر، ولكني أقترح أن نقول لهم إننا أضفنا الكثير من الخيال إليها (على الرغم من أننا لم نفعل ذلك)».

عمل كيرياكو مستشارا أمنيا لعدة أفلام، وسافر إلى أفغانستان لتقييم ما إذا كان الممثلون الشباب في فيلم «ذا كيت رنر» سيتعرضون لأعمال انتقامية بعد عرض الفيلم أم لا، بسبب تصويره للجوانب السلبية في المجتمع الأفغاني (وجاء قراره بأنهم عرضة لذلك ومن ثم اتخذت شركة الإنتاج السينمائي خطوات لحمايتهم). وقام أيضا بمراجعة مواد عن الشرق الأوسط لفيلم «برونو».

في عام 2009، انضم كيرياكو إلى الفريق الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ برئاسة السيناتور جون كيري، وعمل محققا في العديد من قضايا مكافحة المخدرات وتقارير مكافحة الإرهاب، لكنه ترك العمل بعد عام. وفي عام 2010 تمكن من نشر كتابه، الذي يقال إنه استقبل بفتور من بعض زملائه السابقين. وعلى الرغم من اعترافه بأن وكالة الاستخبارات «كانت العائلة الثانية له - التي أحترمها وأحبها»، فإنه أضاف أن «الكشف عن وثائق التعذيب المزعومة أسهم في خفوت حماستي نتيجة الأساليب التي اتبعتها الوكالة في إدارة أعمالها».

* خدمة «نيويورك تايمز»