«عملية الصومال» كادت تعطل خطاب أوباما

فرقة «سيلز» الخاصة حررت رهينتين بعد ترتيبات سرية دامت شهورا على غرار عملية قتل بن لادن

جيسيكا بيوكانان (أ.ب) وبول ثيستيد (أ.ب)
TT

قبل إلقائه خطابه السنوي أمام الكونغرس مساء الثلاثاء الماضي، فاجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما الحضور، بقوله لوزير الدفاع ليون بانيتا، بعد مصافحته «عمل ممتاز الليلة». وفي اليوم التالي، عمدت وزارة الدفاع (البنتاغون) للتوضيح أن الرئيس أوباما كان يهنئ الوزير بانيتا على نجاح عملية إنقاذ رهينتين، شابة أميركية ورجل دنماركي، كانا محتجزين لدى قراصنة في الصومال منذ ثلاثة أشهر.

وكشفت الوزارة أن الرئيس أوباما كان قد أصدر قبل أسبوع الأمر بتنفيذ العملية، حسب خطة قدمها له وزير الدفاع، وأنه (أوباما) ظل يتابع سيرها أولا بأول، إلى أن نفذتها بنجاح فرقة «سيلز» (سلاحف بحرية) رقم ستة، التابعة للقوات الخاصة. وهي القوة الخاصة نفسها التي قتلت زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في مدينة أبوت آباد بباكستان العام الماضي. وقبل مغادرته البيت الأبيض إلى الكونغرس لإلقاء خطابه حول حالة الاتحاد، تبلغ أوباما من قبل وزارة الدفاع بأن العملية نجحت. ولهذا، عندما صافح وزير الدفاع في مبنى الكابيتول، قال له «عمل ممتاز»، وسط استغراب الحاضرين والصحافيين.

وكانت الفرقة قد أسقطت جنودها من طائرة تابعة لسلاح الجو تطير على ارتفاعات عالية فوق مدينة غدادو الصغيرة بالقرب من الحدود مع إثيوبيا. وتعمدت الفرقة تنفيذ العملية بالليل لتستفيد من النظارات ذات التكنولوجيا المتقدمة والتي تمكن من الرؤية ليلا. كما انتظرت الفرقة حتى اختفى القمر لزيادة الظلام. وكان واضحا أن القراصنة لم يكونوا فقط أقل استعدادا وتنظيما، وإنما أيضا عاجزين عن الرؤية في الظلام.

وحسب تفاصيل أصدرتها وزارة الدفاع في وقت لاحق لأول عملية عسكرية أميركية في الصومال منذ أن انسحبت القوات الأميركية من هناك سنة 1993، بعد أن قتل الصوماليون 19 جنديا أميركيا في معركة خلدها فيلم «سقوط النسر الأسود»، قالت الوزارة إن التخطيط الأولي للعملية بدأ مباشرة بعد اعتقال الأميركية جيسيكا بيوكانان (32 سنة)، والدنماركي بول ثيستيد (60 سنة). ورغم أن الوزارة لم تعلن ذلك، فقد ذكرت مصادر إخبارية أميركية أن القوات الأميركية كانت تتابع الأحداث داخل الصومال، وكانت تقوم بعمليات مراقبة وتجسس منذ أكثر من سنتين، وذلك لمواجهة زيادة قوة منظمة الشباب الإسلامية. وأضافت المصادر الإخبارية نفسها، في حينه، أن القوات الأميركية تلعب دورا في دخول كل من القوات الإثيوبية والقوات الكينية إلى الصومال، الأولى من ناحية الشرق والثانية من ناحية الجنوب، لمواجهة مقاتلي «الشباب»، وأن القوات الأميركية توفر صور الأقمار الفضائية التي تحدد مواقع مقاتلي «الشباب».

وحسب معلومات وزارة الدفاع التي تعمدت عدم الكشف عن التفاصيل قبل العملية، فإنه تم جمع معلومات عن مكان الرهينتين الأميركية والدنماركي، وعن تدهور صحة الشابة الأميركية. وأمس، قال الناطق باسم البنتاغون، النقيب جون كيربي، إنه في يوم الأربعاء الماضي كانت «هناك فرصة للنجاح العسكري. وخلال الأسبوع الماضي، تمكنّا من ربط كل النقاط مع بعضها بعضا، وأصبحنا جاهزين». وأضاف أنه يوم الأربعاء وصلت معلومات بأن صحة الرهينة الأميركية ساءت. وفي اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة أوباما، قال جون برينان، مستشار أوباما في مواجهة الإرهاب، إنه بالإمكان القيام بعملية إنقاذ خلال أسبوع. وأمر أوباما بالاستعجال. ويوم السبت، أطلع برينان أوباما على تطورات الخطة. ويوم الاثنين، قابل توماس دونيلون، مستشار أوباما للأمن الوطني، برينان الذي قال له إن كل شيء صار جاهزا، ولم تبق غير موافقة رسمية ونهائية من الرئيس أوباما. وتم ذلك في اليوم نفسه. ويوم الثلاثاء، تابع أوباما استعداد فرقة «سيلز» في القاعدة الأميركية الصغيرة في جيبوتي، القريبة من مكان اعتقال الرهينتين. ويوم الأربعاء، وتحديدا في الرابعة مساء بتوقيت واشنطن، أبلغ أوباما بأن الكوماندوز الأميركيين تحركوا. وتزامنا مع ذلك، وصل وزير الدفاع إلى البيت الأبيض وشاهد مع أوباما شريط فيديو حيا عن العملية الجارية في الصومال. وفي السابعة مساء، وصلت معلومات إلى البيت الأبيض بأن الرهينتين موجودان في القاعدة الأميركية في جيبوتي، وأنهما بصحة طيبة، وأن أيا من عناصر الكوماندوز لم يصب بأذى، وأن تسعة من القراصنة، وهم كل الذين واجههم الكوماندوز قتلوا.

كانت بقيت ساعتان لأوباما قبل إلقاء خطابه، وعندها غادر وزير الدفاع البيت الأبيض باتجاه لكونغرس ليكون، مع بقية الوزراء، في استقبال الرئيس. وكان على الرئيس أن يغادر هو الآخر البيت الأبيض قبل 45 دقيقة من الخطاب بسبب الإجراءات الأمنية، إضافة إلى نحو عشر دقائق تتطلب عملية مصافحة أعضاء الكونغرس قبل وصول الرئيس إلى منصة الخطاب. ولهذا، عندما وصل أوباما، وصافح الوزراء، كان وسطهم وزير الدفاع، وقال له «عمل ممتاز هذه الليلة». وكان وزير الدفاع نفسه يتابع بقية التطورات عن طريق وسائل اتصالات خاصة مع البنتاغون، وأيضا، مع كبار الجنرالات الذين كان يتعين عليهم حضور خطاب حالة الاتحاد السنوي. لكن، لم يعرف وزير الدفاع والجنرالات أن أوباما، وهو في السيارة في طريقه إلى البيت الأبيض، اتصل بوالد الرهينة الأميركية ونقل إليه الخبر السعيد. ومرة أخرى، زاد إعجاب وفخر الأميركيين بفرقة «سيلز»، وتعمد أوباما الإشارة إلى أنها الفرقة نفسها التي قتلت أسامة بن لادن.

و«سيلز» هي القوة الرئيسية في «سبيشال أوبريشنز» (العمليات الخاصة) التابعة لسلاح البحرية الأميركي. و«سيلز» هي الأحرف الأولى من كلمات «سي» (بحر) و«إير» (جو) و«لاند» (أرض). ولعبت الفرقة دورا كبيرا في الحرب على الإرهاب، بما في ذلك الهجوم المباشر وإنقاذ الرهائن، ومكافحة الإرهاب، والاستطلاع الخاص، والحرب غير التقليدية، وعمليات الدفاع الداخلية الخارجية. وتنسق «سيلز» نشاطاتها مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، خاصة فرقة «إيليت» (النخبة). وبدأ التعاون منذ حرب فيتنام، ولا يزال مستمرا حتى اليوم، وكان نشطا في حربي العراق وأفغانستان.

وبعد دور «سيلز» في قتل بن لادن، زاد إقبال الأميركيين بهدف الانضمام إليها. وانتشرت مراكز تدريب خاصة لتقديم تدريبات البحرية الأميركية. كما انتشر الاهتمام بكتب وأفلام وفيديوهات وصور «سيلز». وقالت أكثر من دار نشر إنها بالكاد تستطيع تلبية طلبات كتب عن مذكرات رجال عملوا في «سيلز» في الماضي.

وزاد عدد السياح الذاهبين إلى مدينة فورت بيرس (ولاية فلوريدا) حيث يوجد المتحف الوحيد لسلاح البحرية الأميركية عن كوماندوز البحرية عبر التاريخ، خاصة «سيلز». وزادت رغبة الشباب في الانخراط في الفرقة. وقال القائد السابق لفرقة «سيلز»، مارك ديفاين، إن مكتبه غمرته الاستفسارات منذ قتل بن لادن، وإن معظم الناس انخرطوا بعد الإثارة التي أعقبت مقتل زعيم «القاعدة» في باكستان، وإن كثيرا من الذين يريدون الانخراط ليست عندهم مؤهلات كافية، لكنهم «على الأقل، يريدون». وفي مدينة انسينتاس بولاية كاليفورنيا، يوجد مكان خاص يديره ديفاين لتدريب الذين يريدون الالتحاق بالفرقة. وقال «جاءني بريد إلكتروني اليوم من طفل يسأل إذا كان بإمكاني تدريبه، لأن والديه لا يريدان له أن ينضم إلى فرقة (سيلز)».