الخصاونة لـ «الشرق الأوسط» : التخويف والتهويل من الحركات الإسلامية مبالغ فيه

رئيس وزراء الأردن: لا يمكن أن يكون المرء مصلحا في الاقتصاد ورجعيا في السياسة في الوقت نفسه

رئيس الوزراء الأردني عوني الخصاونة
TT

يرى رئيس الوزراء الأردني عوني الخصاونة، أن التدخل الأجنبي في سوريا سيكون صعبا. وقال في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» على هامش المنتدى الاقتصادي في دافوس بسويسرا إن «مثال ليبيا غير موجود، ومثال بنغازي غير موجود، والدولة في سوريا أقوى من ليبيا، ودرجة الالتزام الصيني والروسي أقوى معها.. لكننا في منطقة لا يمكن الجزم فيها بأي شيء». وعبر الخصاونة عن رفضه للعقوبات على سوريا، ضاربا مثلا بالعقوبات التي فرضت على العراق، مضيفا أن العقوبات من الناحية الأخلاقية مضرة بالشعب.

وتحدث الخصاونة عن الإصلاحات بقوله إن الأردن قرر أن يتبنى مجموعة من الإصلاحات في المجال السياسي والدستور، بالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى الإصلاح في المجال الاقتصادي. وأضاف «أتكلم أولا عن الإصلاح القانوني والدستوري.. فقد كانت هناك مطالبات بفتح بعض مواد الدستور، تقريبا في الربيع الماضي، وجلالة الملك كان متجاوبا جدا مع هذه المطالب». وحسب الخصاونة فإن حكومته التزمت ببرنامج زمني واضح لهذه الإصلاحات السياسية «والفكرة الأساسية أن تنشأ لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات النيابية وإدارتها. هذه فكرة جديدة ولم تكن موجودة في السابق، وهي موجودة في الهند وجنوب أفريقيا وغيرهما، وأهميتها أن الحكومات من الآن فصاعدا لن تقوم بإدارة الانتخابات». وستكون هذه اللجنة، كما يقول الخصاونة، مستقلة، وستتكون من 5 أشخاص «حسب مشروع القانون الذي أرسلناه إلى مجلس النواب، ولم يتم التصويت عليه بعد».

وعن الحركات الإسلامية، اعتبر الخصاونة أن هناك تهويلا في حجم وتأثير هذه الحركات، وإن اعترف بوجودها وأهميتها. وفي ما يلي نص الحوار..

* أين أنتم الآن من تحقيق الأهداف الأساسية للإصلاح في الأردن اليوم؟

- الإصلاح هو طبعا هدف في حد ذاته، لكن بعد حدوث ما يشار إليه بمسمى الربيع العربي أصبح الإصلاح مسألة مهمة وملحة في كل أقطار العالم العربي. وتحت قيادة جلالة الملك، قرر الأردن أن يتبنى مجموعة من الإصلاحات في المجال السياسي والدستور، بالإضافة إلى ذلك هناك حاجة إلى الإصلاح في المجال الاقتصادي. أتكلم أولا عن الإصلاح القانوني والدستوري، فقد كانت هناك مطالبات بفتح بعض مواد الدستور، تقريبا في الربيع الماضي، وجلالة الملك كان متجاوبا جدا مع هذه المطالب. كان هناك مطلب مثلا بإنشاء محكمة دستورية، ومطلب بأن تصبح الحكومات منتخبة، وذلك لم يحدث حتى الآن، لكننا نسعى في هذا الاتجاه. وهناك مطالب بأن تكون إدارة الانتخابات نزيهة وشفافة، ومطالب تتعلق بالأحزاب السياسية وطرق عملها.

* وما هو التقدم الذي أحرزته حكومتكم في هذا المجال؟

- منذ أن أتت حكومتي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أول ما فعلناه أننا مددنا أيدينا إلى جميع الأطياف السياسية، بما في ذلك الحركات الإسلامية والحركات القومية والمعارضة بشكل عام وحتى الحركات اليسارية، وطلبنا منهم دخول الحكومة، وكان ذلك جزءا من سياسة عامة بأن الإنسان لا يمكن أن يكون مصلحا في الاقتصاد ورجعيا في السياسة في الوقت نفسه. وبالنسبة لهذه الأحزاب فإنها لن تشارك في الحكومة، وهذا شيء طبيعي. لكن على الأقل أعتقد أن هناك طريقا للتفاهم والتعايش بينها وبين الحكومة، وهذا أدى بشكل مباشر إلى انخفاض ما يسمى بالحراك في الأردن وتوقف عملية التصعيد التي كان من الممكن أن تؤدي إلى انفجار في البلاد لا سمح الله. وللتوضيح فإننا لسنا ضد الحراك السلمي. وأنا أنطلق من نقطة أساسية وهي أنه ليست هناك هوة لا يمكن تجسيرها بين النظام والمعارضة، وهذا طبعا ليس موجودا في بعض الدول العربية الأخرى. السبب في هذا يعود إلى أن المعارضة، عدا أصوات قليلة جدا، لا تدعو إلى تغيير النظام وإنما تدعو إلى إصلاح النظام، وهي مؤمنة بالقيادة الهاشمية. والنظام وعلى رأسه جلالة الملك أيضا يدعو إلى الإصلاح، لذلك فإن إمكانية أن يكون هناك إصلاح يجنب البلد ما مر على الدول العربية الأخرى من الثورات والدماء والقتل هي أمر نبيل في حد ذاتها. الحكومة أيضا التزمت ببرنامج زمني واضح لهذه الإصلاحات السياسية، والفكرة الأساسية أن تنشأ لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات النيابية وإدارتها. هذه فكرة جديدة ولم تكن موجودة في السابق، وهي موجودة في الهند وجنوب أفريقيا وغيرهما، وأهميتها أن الحكومات من الآن فصاعدا لن تقوم بإدارة الانتخابات.

* هل شكلت الهيئة؟

- الهيئة ستكون مستقلة، وستتكون من 5 أشخاص حسب مشروع القانون الذي أرسلناه إلى مجلس النواب، ولم يتم التصويت عليه بعد. وحتى يقر من قبل مجلس النواب سيأخذ فترة طويلة، وهذا ما يجعلنا نتريث قليلا في الإعلان عن موعد محدد للانتخابات.

* لكن هناك تساؤلات عن تأخير موعد إجراء الانتخابات..

- كانت هناك تساؤلات ولكنها ليست لها أي أساس من الصحة، نحن مثل من يبني العملية، الأساس هو أن تكون هناك هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات، وإلا ستجرى الانتخابات على الطريقة القديمة، وسنكون قد عدنا إلى المربع الأول. القانون نفسه أرسل إلى البرلمان في نهاية ديسمبر (كانون الأول) وننتظر تبنيه. هناك نحو 6 أشهر حتى تقوم هذه اللجنة من الناحية اللوجيستية. فعلى سبيل المثال، في الهند، وهي المثال الأساسي لهذه اللجنة، الهيئة يرأسها شخص من الأقلية الإسلامية اسمه محمود قريشي، ولديها نحو 30 ألف موظف، لكن وقت الانتخابات لديها مليونا موظف، ولها القدرة على أن تطلب من الجيش أن يساند الانتخابات. إنشاء الهيئة بالنسبة لي أمر مهم جدا، لأنه المفتاح لعملية انتخابية ديمقراطية حقيقية. ونحن نعمل الآن أيضا على قانون الانتخابات بحيث إنه بمجرد أن يكون مغطى لوجيستيا نجري الانتخابات. ونأمل أن يتم ذلك في الخريف، أي نهاية السنة الحالية.

* أي لا تريدون تأخيرها..

- ليست لدينا رغبة في أن تؤخر عملية الانتخابات النيابية إلى العام القادم، المهم ليس فقط متى تتم الانتخابات بل جودة الانتخابات.

* هل تفكرون في الترشح للانتخابات؟

- لا لا، ليست لدي أي رغبة في الانتخابات. أنا ترشحت في انتخابات على المستوى الدولي لثماني مرات، والحمد لله نجحت فيها.

* ما هو الهدف الأساسي والنهائي للإصلاح؟

- أولا وفي الوقت الحاضر الأمر المهم هو الوصول بالبلد إلى بر الأمان في هذا الوضع، لكن ذلك لا يعني أن ننتظر عاصفة الربيع العربي، علينا أن نؤسس للأردن على أسس ثابتة كي تعيش البلاد على تلك الأسس. الربيع العربي قد أثبت أن الطريقة القديمة في العالم العربي لم تعد مجدية، الهدف أن نجد معادلة، بحيث تعود الدولة المدنية الموجودة في الدستور من خمسينات القرن الماضي إلى الواجهة، وأن يذهب التمييز بين المواطنين، وألا تزور إرادة الشعب، هذه كلها ليست منة من الحكومات، بل حقوق للأردنيين وللمواطنين العرب. نحن نريد أن نستعيد ما كان موجودا في الخمسينات، نريد أن يكون العدل والقانون هما الضمانة الحقيقية لبقاء الدول واستمرارها. في الأردن لا توجد مشكلة، لأن النظام ليس قائما على شخص أتى على متن دبابة أو في انقلاب عسكري، وإنما على سلالة ملكية لها سلالة دينية، لذلك لا يوجد ما يمنع توافق مصالح النظام ومصالح الناس.

* هناك صعود الآن للحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، وهناك من يخاف من تلك الحركات، وهناك من يشكو من هذا التخوف، فما رأيكم؟

- إنها ليست جمعيات خيرية، وهي حركات سياسية، لكن هذا لا يمنع ولا يغير من حقيقية أن لها الحق المشروع من أن تمارس دورها ولها ثقل في المجتمع الأردني، كما أن لها ثقلا في المجتمعات العربية الأخرى. لكن أنا أعتقد أولا أن هناك مبالغة في ثقلها في الأردن، لكن هذا تنبؤ. لندع الصناديق تثبت، لا نستطيع أن نقرر أن هناك خوفا، وأن نبني كل شيء على هذا الخوف. أنا أرى أن التخويف والتهويل من الحركات الإسلامية مبالغ فيه. أنا التقيت بهم عدة مرات، وأكدوا أنهم ضد رفع سقف الشعارات، وأنهم مع القيادة الهاشمية في الأردن ولا يريدون تغييرها. في الوقت نفسه، هناك أيضا درس مستفاد مما يحدث في العالم العربي، فمحاولة إقصائهم هي التي جلبت لهم الشعبية، وتخلي الدول عن دورها هو الذي أعطاهم هذا الدور، فلتكن المنافسة بين من يخدم الناس أكثر بكل بساطة.

* مع العلم بأن هناك تحديات داخلية فإن هناك أيضا تحديات خارجية واضطرابات على حدود الأردن.. إلى أي درجة أنتم قلقون من تبعات التطورات في سوريا على الأردن؟

- أنا لا أعتقد أن هناك إنسانا عنده صورة واضحة عما سيحدث في سوريا أو عن طريقة التعامل معها. وبالنسبة لنا فإن سياستنا قائمة أولا على ألا يضر نظام العقوبات بالشعب السوري، وثانيا أن يراعي الوضع الأردني. نحن متداخلون مع السوريين حتى على المستوى العشائري، بالإضافة إلى الاقتصاد مثل الزراعة، وقطاع النقل كله يتأثر بما يحدث في الأردن. لكن في النهاية المشكلة ليست بين الأردن وسوريا، المشكلة بين الحكومة السورية وجزء مهم جدا من شعبها. نحن نتألم لما يحدث في سوريا، وهذا يضعنا أمام خيارات خلقية وإنسانية صعبة جدا، وهناك من يتنبأ بأن النزاع في سوريا سيكون مطولا، وذلك طبعا سيكون سيئا جدا للشعب السوري، وهناك من يتنبأ بانهيار النظام في سوريا.. لكن كلها تكهنات.

* هل تتوقعون تدخلا دوليا في سوريا؟

- لا ذلك صعبا، يعني مثال ليبيا غير موجود، ومثال بنغازي غير موجود، الدولة في سوريا أقوى من ليبيا، ودرجة الالتزام الصيني والروسي أقوى معها. لكن نحن في منطقة لا يمكن الجزم فيها بأي شيء. عندما فرض نظام العقوبات على العراق، وقتها طلبنا استثناء للأردن استنادا إلى المادة 50 التي تسمح بالاستثناء، والأردن مع الإجماع العربي، لكننا دائما نضع هذا البند. وأنا أعتقد أنه يمكن صياغة العقوبات بطرق مختلفة، من دون إيذاء الشعب وتهديم المجتمع السوري مثلما حصل في العراق.

* هل العقوبات هي الطريق الأفضل لمعالجة هذا الأمر؟

- أنا شخصيا ضد العقوبات، طبعا هي متاحة للأمم المتحدة، لكن من الناحية الأخلاقية دائما العقوبات مضرة، مثلما حصل في العراق على مدار 13 عاما وكان شيئا محزنا ومؤلما ودليلا على الفشل الأخلاقي لنظام العقوبات.

* ننتقل إلى المفاوضات الأولية التي رعاها الأردن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما هي رؤيتكم، وهل من الممكن أن تنجح في الظرف الحالي؟

- الأمر ليس سهلا، ونحن مدركون ذلك. الأردن رأى أن من واجبه أن يقوم بمحاولة لأن ترك الأمور على ما هي عليه، والإدارة الأميركية منشغلة، قد يؤدي إلى نتائج أخرى. المحاولة كانت أن يوضع الطرفان أمام مسؤولياتهما، وأن الكلام أحسن من الصمت في هذا الموضوع. واضح أن الوضع الحالي غير موات للقيام بعملية السلام، وهناك مصاعب جمة، وتغير كبير في المجتمع الإسرائيلي، وأهداف استراتيجية أكبر من ذلك، وانشغال للإدارة الأميركية (بالانتخابات الأميركية).. نأمل أن يتغير كل ذلك بعد هذه المرحلة. في الوقت الراهن العملية هي إدارة للنزاع لعدم السماح له بالتفاقم.