قادة شمال أفريقيا الجدد يسعون إلى طمأنة العالم الخارجي في «دافوس»

بن كيران: المغاربة يريدون ملكيتهم * الجبالي وأبو الفتوح يؤكدان دور المرأة.. وموسى: نريد بدء مرحلة جديدة

المرشح المصري المحتمل للرئاسة عمرو موسى اثناء استراحة على هامش اجتماعات المنتدى الإقتصادي العالمي المنعقد بسويسرا (أ.ب)
TT

كانت الجلسة الأولى من اليوم الثالث من اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس مختلفة تماما عن جلسات أخرى في المنطقة، فتم إجراؤها بالكامل باللغة العربية وفي القاعة الرئيسية للمنتدى. وتحت عنوان: «من الثورة إلى التطور: شمال أفريقيا»، شارك رئيس وزراء المغرب عبد الإله بن كيران، ورئيس وزراء تونس حمادي جبالي، مع مرشحي الرئاسة المصرية عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، في جلسة حامية تناولت التغييرات الدستورية في كل بلد، بالإضافة إلى تداعيات الثورات في العالم العربي وجهود الإصلاح. وكان من اللافت أن 3 من المتحدثين هم من تيارات إسلامية، سعوا إلى توصيل رسالة واضحة للعالم الخارجي وهي التزامهم بمواصلة التجارة العالمية والاقتصاد المنفتح، مع الدعوة إلى عدم التسرع في الحكم على التطورات في شمال أفريقيا والعالم العربي.

ولفت رئيس وزراء تونس إلى أنه «على العالم الانتباه إلى الثورة، لأنها في مصلحة الجميع وتعطي نموذجا جيدا للتحول السلمي».

وردا على سؤال حول المطالب بالإصلاح في المغرب، قال بن كيران: «الآن نحن لا نطالب بإصلاحات، نريد إنجازها». وأضاف: «يجب أن نضع دستورا واقعيا، الدستور يسمح بأمور كثيرة الآن، إصلاحات كثيرة حققت؛ وأهمها استقلال القضاء». وشدد على أهمية انتظار قدرة الحكومات الجديدة على الحكم وتحقيق طموحات الشعوب، قائلا: «سنجرب.. وسنرى ما هي قدراتنا في العمل معا». وأضاف: «المغاربة قاموا بإصلاحات تناسبهم.. المغاربة يريدون ملكيتهم.. الشباب طلعوا سنة.. لم يطالبوا علنية بإسقاط النظام، ولكنهم احتجوا ضد الفساد والاستبداد، ونحن ضد الفساد والاستبداد أيضا». وتابع أن الملك محمد السادس تفهم ذلك، قائلا: «الأمور صعبة وليست مضمونة، ولكن إذا كانت مقبولة - إن شاء الله - من قبل الشعب، فستكون جيدة». ولفت إلى حصول حكومته على الثقة في البرلمان هذا الأسبوع بالإضافة إلى تهدئة الشارع المغربي وتراجع المظاهرات في البلاد. وتابع: «الثقة في الحكومة تصل إلى 88 في المائة، وهذه إحصاءات مستقلة قرأتها في الصحافة.. نحن نسير باتجاه تجربة قد تسهم في تحسين الأمور».

وحذر عبد المنعم أبو الفتوح من التسرع في الحكم على الرأي العام في مصر، قائلا: «لا يوجد توجه في مصر للتعبير عن فئة بعينها أو اتجاه معين.. الذي يحكم الآن الشعب المصري، هو الذي يحكم وطنه، والدستور سيعقد بالتوافق مع الشعب المصري». واستخدم أبو الفتوح تعبيرات باللغة الإنجليزية مرات عدة للتعبير عن رأيه وتأكيده أهمية التعددية وتمسكه بها، وقال إنه حريص على «التواصل مع العالم.. القيد الوحيد للتواصل مع العالم هو مصلحة مصر». وأشاد أبو الفتوح بانعقاد منتدى دافوس الذي يجمع أطيافا مختلفة من العالم، قائلا: «أقدر هذا التجمع الإنساني.. وآمل أن يستخدم للاستقرار والأمن الدوليين»، مظهرا حرصه على إبداء القدرة على التواصل الدولي، ودفع قوي في حملته الانتخابية للرئاسة. وأضاف: «نحن نريد التواصل مع العالم.. ونريد بناء دولة ديمقراطية حداثية لحماية كل الشعب المصري ونعمق حق المواطنة، دون تمييز بسبب الجنس أو الدين».

وتحدث بعد أبو الفتوح، منافسه على الرئاسة المصرية، عمرو موسى، الذي كان الشخصية المصرية الوحيدة المترددة على المنتدى في السابق، وعاد إليه هذا العام بوضع جديد. وقال: «في مصر، اتفقنا على جدول زمني للتحول السلمي للسلطة وهو ضمان للتحول، والانتخابات في منتصف يونيو (حزيران) وهذا أمر مهم». وأضاف: «نحن نعي خطورة المرحلة.. نريد بدء مرحلة جديدة»، مجيبا عن سؤال حول الدستور بالقول: «الدستور ممكن التكلم فيه كثيرا، والكثير من المبادئ التي يتم بحثها موجودة حتى في الدساتير القديمة، ولكن يجب أن نجعل الناس يحمونها.. (الأساس هو) حكم راشد وحماية الشعب».

وعبwر موسى عن اختلافه مع الحديث عن شمال أفريقيا، قائلا: «أنا معترض على الكلام عن شمال أفريقيا.. التغيير يتم في العالم العربي والثورة ضد سوء إدارة الأمور.. وهو ما يحدث في سوريا واليمن.. يجب أن لا نقع في الكلام الكبير ونثير مشاعر الجماهير». ولفت إلى عنصرين مهمين لتحديد مستقبل مصر، هما: «الدستور والعمل.. الشعب يريد أن يعيش بشكل جيد وأن يعيش بكرامة، يجب أن نجني مكاسبنا بناء على الكرامة». وتابع: «المهم هو حكم رشيد وبعيد عن الفساد، عداؤنا كلنا الفقر وسوء إدارة الأمور والفساد». واتفق جبالي مع هذا الرأي، قائلا: «شعار الثورة التونسية والثورات العربي هو الكرامة: الكرامة السياسية ومقاومة الاستبداد والديكتاتورية، ونحن خطونا باتجاه التقدم السياسي.. وهناك الكرامة الاجتماعية، ونحن أمام التحدي الاجتماعي، كيف نربي الجناح الثاني للكرامة وهو العدل الاجتماعي». ولفت إلى أن تحسين الوضع الاجتماعي هو الذي سيسهم في تأمين الوضع الأمني، موضحا: «نأمل أن نصل في أقرب وقت إلى حل بعض المشكلات؛ أولاها التشغيل ومقاومة البطالة». ومرة أخرى وجه رسالة إلى رجال وسيدات الأعمال والمال في المنتدى الاقتصادي، قائلا: «إنها فرصة لدافوس إرسال هذه الرسالة ودعم التنمية». ولفت إلى أهمية مواجهة الفساد لجذب الاستثمار، قائلا: «الإمكانيات لا تضيع في السرقات».

وطرح سؤالا على المشاركين في الندوة من مدى تخوف المستثمرين الأجانب من وصول الأحزاب الإسلامية إلى السلطة، في إشارة مباشرة إلى دول الإخوان المسلمين والسلفيين في الحكومة المصرية المقبلة والتأثير على التجارة والسياحة وغيرهما من المجالات. ورد بن كيران بحماس قائلا: «هل جاءهم مشكل من الإسلاميين؟ ساندوا المستبدين ولم ينظروا بعيدا وضاعت عليهم استثمارات.. الإسلاميون ديمقراطيون وحداثيون وانفتاحيون. المصالح الحقيقية مضمونة أكثر اليوم». وأضاف: «ولكن إذا كان من الضروري أن يكون في الضفة الأخرى من يشبهون الناس هنا، فهناك مشكلة»، في إشارة إلى أهمية قبول الطرف الآخر على اختلافاته. ومن جهته، قال جبالي: «لا أتفق مع من يقول إن الأنظمة التي خرجت من رحم الثورة هي الإسلام السياسي.. هذه أنظمة ديمقراطية فازت في انتخابات شفافة». وأضاف: «هناك حكومة توافقية تونسية وهذا هو المطلوب، 3 أحزاب فازت، هم توانسة قبل كل شيء..»، وقاطعه بن كيران بالقول: «مسلمون.. يهود.. أي شيء هم توانسة». وعاد جبالي وقال: «لا بد أن نفرز الأشياء، نحن مع حرية المبادرة.. لا بد من دور للدولة في التعديل وأيضا هذا يكون حكما في الحياة الاقتصادية ولا يكون منافيا لحرية الاستثمار، ولكن لا بد من تعديل المنظومة الاقتصادية لحرية الشعب». وأضاف: «نحن لسنا ضد النظام الغربي الاقتصادي، ولكن لا بد من دور لحماية الآخرين».

أما أبو الفتوح، فقال: «نحن نتجه في المجتمع المصري 20 في المائة دون خط الفقر، 15 في المائة بطالة.. توجهنا أننا مع الاقتصاد الحر مع إعادة النظر في النظام الضرائبي يحقق العدالة». وأضاف: «نحن لا نؤمن فقط الملكية في القطاع العام والخاص بل الملكية الاجتماعية بناء على المجتمع المدني». وأضاف: «علينا إعادة النظر في الليبرالية الغربية.. فبعد أن خرج شباب (وول ستريت) في أميركا للاحتجاج، نحتاج جميعا أن تعيد النظر في نظام ساحق للفرد من أجل أقلية». وأضاف: «التيار الرئيسي المصري معتدل وحداثي وتقدمي». واعترض موسى على السؤال حول تأثير وصول الإسلاميين إلى الحكم في بعض الدول على جذب المستثمرين إليه أو تطوير الاقتصاد. وقال: «السؤال يعبر عن وجهة نظر غربية؛ هل يستطيعون التعامل مع هذا النوع من الإسلاميين؟»، وقد رد جبالي بوضوح وبشكل قاطع قائلا: «إن النظام سيكون ديمقراطيا، السؤال هو: هل يمكن للغرب التعامل مع الديمقراطية العربية؟». وأضاف: «هناك أفكار غربية تدعم الديمقراطية على أن تكون بنتيجة تعجبهم، هذا ما حصل في فلسطين وهذا ما يحصل معنا. أنا مرشح للجمهورية، وإذا فزت فلا بد أن هناك توافقا مصريا، توافقا عربيا، نحن في مرحلة إعادة بناء الوفاق».

وعن دور النساء في ظل حكومات إسلامية، قال جبالي: «لا يمكن أن تكون الديمقراطية مبتورة»، مشددا على أهمية الحقوق المدنية. وأضاف: «هناك 49 من 100 عضو في المجلس التأسيسي نساء، 42 منهم من حركة النهضة الحزب صاحب الميول الإسلامية». وأضاف: «نحن لا نؤمن بمجتمع يتخلى عن نصف المجتمع - هذه تهم مجحفة توجه لنا». وتابع: «صحيح هناك ممارسات نجذبها، هناك وضع سيئ للمرأة العربية، المرأة الآن تحظى بضمانات كبرى»، موضحا: «تكفل حقوق المرأة في الإسلام وستكفل في الدستور».

وعن المرأة، قال أبو الفتوح: «المرأة ظلمت في العالم العربي وفي العالم الغربي بعد أن أصبحت سلعة للبيع». وكرر رأيه في أن المرأة ستحمى من خلال حماية الحقوق الجديدة.

وشدد بن كيران على أهمية التواصل مع الجميع وحتى من يعتبره الغرب متشددا. وقال: «صحيح أن هناك أشخاصا لديهم أفكار متشددة ككل الكون.. الحل هو إخراجهم إلى الناس.. أسجنهم وأخفيهم يزيدون تشددا، بل تدعوهم إلى دافوس للانفتاح على العالم». وأضاف: «هكذا كنا في الشباب، وكبرنا الآن، ونرى الأمور بشكل مختلف». ولكنه شدد على أهمية أسس معينة مبنية على المعتقدان. وقال: «لا تضعوا الخمر على مائدتي، هل هذا تشدد؟ هذا كل ما أطلبه، إذا أردتم أن نأكل على المائدة نفسها، لا تضعوا الخمور على طاولتي».