التقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية تعتبر التهديدات الإيرانية بالرد العنيف غير جادة

معظم التصريحات العامة الإسرائيلية هدفها توصيل رسائل أكثر منها سياسة حقيقية

TT

شككت تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية المدعومة بالدراسات الأكاديمية في احتمال أن يؤدي توجيه ضربة عسكرية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية إلى أحداث كارثية، مثل اشتعال المنطقة أو انتشار الأعمال الإرهابية وارتفاع أسعار النفط بشكل كبير. وخلصت التقديرات، التي يعتقد في صحتها أكثر المسؤولين في إسرائيل، إلى أن التهديد الإيراني بالرد العنيف على أي هجوم ضدها غير جاد إلى حد بعيد. ويمثل هذا جزءا من الحسابات الإسرائيلية حول اتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة ضد إيران أو محاولة إقناع الولايات المتحدة بالقيام بذلك، حتى إن كانت طهران تواجه عقوبات اقتصادية جديدة من الغرب. وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، لمحطة إذاعة إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قائلا «إن الحرب ليست نزهة، لكن إذا كانت إسرائيل تشعر بضرورة اتخاذ موقف، فلن يكون الانتقام خطيرا، فلن يقتل 10 آلاف أو حتى ألف، ولن تدمر دولة إسرائيل». وهددت الحكومة الإيرانية، التي تؤكد على أن أغراض برنامجها النووي سلمية، بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره 90 في المائة من نفط الخليج، وأنها إذا تم الهجوم عليها فسوف ترد بكل قوتها العسكرية. مع ذلك لا يتم النظر بجدية إلى هذه التهديدات بحسب التقديرات الإسرائيلية. وقد تبنى إيهود باراك ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذه التحليلات في تركيزهما على كيفية إثناء إيران عن عزمها تصنيع سلاح نووي من وجهة نظرهم. ولا يوجد ما هو أهم في إسرائيل أكثر من الجدل الدائر حول حكمة وجدوى توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. ويقول البعض إنه حتى في حال توجيه ضربة عسكرية ناجحة، فإنها لن تفلح سوى في عرقلة سعي إيران نحو الحصول على سلاح نووي، وربما تزيد من عزمها الحصول على القدرة النووية. ولا ينفك مسؤولو الأمن يتهربون من الصحافيين أو يمتنعون عن مناقشة قضية إيران. وتكون أكثر التصريحات العامة في إطار توصيل رسائل أكثر من كونها سياسة حقيقية. وفي ظل الاضطرابات التي تمر بها المنطقة وموافقة الدول الأوروبية على تشديد العقوبات ضد إيران، يمكن للتقديرات الاستراتيجية أن تفقد صلاحيتها. وقال مسؤول رفيع «إنها مثل علب اللبن، ينبغي أن يتم بيعها قبل انتهاء صلاحيتها». ومع ذلك تشير بعض الأحاديث مع ثمانية من مسؤولي الأمن الإسرائيليين الحاليين والسابقين إلى عدة أمور.. الأول هو أن تطبيق العقوبات سيستغرق أشهرا نظرا لأن إسرائيل تطلب تشديد العقوبات ضد إيران، ومنها حظر التجارة في النفط ومصادرة أصول المصرف المركزي الإيراني. الأمر الثاني هو أن العقوبات ينظر إليها هنا باعتبارها غير كافية على الأرجح. أما الأمر الثالث فهو أن الضربة العسكرية لا تزال خيارا حقيقيا، والأمر الرابع هو أن الوضع بعد الضربة العسكرية سيكون أقل خطرا من الوضع في حال امتلاك إيران سلاحا نوويا. وقال مسؤول رفيع المستوى «انظر إلى كل سيناريو لمواجهة إيران أو ردها هي وعملائها في الدول الأخرى، ثم اسأل نفسك كيف سيبدو الوضع إذا امتلكت إيران سلاحا نوويا. ستجد أن الموقف أسوأ تقريبا في كل سيناريو». ويقوم التحليل الأساسي على اختبار المصالح والقدرات الإيرانية، وكذلك التهديدات والصراعات الأخيرة. فقبل حرب عام 1991 ضد العراق بقيادة الولايات المتحدة، توعد صدام حسين بحرق نصف إسرائيل في حال مهاجمة العراق. وأطلق 40 صاروخ «سكود» على إسرائيل، وهو ما أسفر في النهاية عن دمار محدود. كذلك كانت هناك مخاوف مشابهة من رد النظام العراقي المحتمل عام 2003. وكذلك كانت هناك مخاوف عام 2006 الذي شهد الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله في جنوب لبنان، وأطلق حزب الله في تلك الحرب نحو أربعة آلاف صاروخ على إسرائيل، لم تتسبب سوى في دمار محدود. وقال مسؤول متقاعد رفض ذكر اسمه «إذا وضعت كل هذه الأشكال من الرد العسكري معا وأضفت إليها الإرهاب الذي شهدته الأعوام القليلة الماضية، فنحن إزاء جميع ما سبق على نطاق أوسع». وقال مشيرا إلى دراسة محلية «أنا لا أقول إن إيران لن ترد، لكن ردها لن يكون مثل رد لندن خلال الحرب العالمية الثانية».

ويعتزم معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إصدار ورقة بحثية من تأليف عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، ويوئيل غوزانسكي، الذي كان رئيسا لقسم الشؤون الإيرانية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي حتى عام 2000. وتوضح الورقة أن التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز ليس جادا إلى حد بعيد. وتشير الورقة إلى أنه رغم مخاطر استفزاز إيران، فإنها لن تستطيع إغلاق الممر المائي لمدة طويلة، وأن ذلك ليس من مصلحتها. ويوضح غوزانسكي قائلا «إذا كان الآخرون يغلقون منافذهم في وجهك، فلم تغلق أنت المنفذ الخاص بك؟». ويمكن أن يؤدي إغلاق مضيق هرمز إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، وهو أمر يعتقد المؤلفان أن إيران تريد تجنبه. مع ذلك يعتقد كل من إيهود باراك ونتنياهو أن هذه المخاوف لا تذكر في مقابل نجاح إيران في تصنيع سلاح نووي. وكان هذا من الموضوعات التي طُرحت في منتدى عام أقامه الجنرال أمير إيشيل، رئيس هيئة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، في القدس خلال الأسبوع الحالي. وقال مشيرا إلى الزعيمين السابقين لليبيا والعراق «من كان ليجرؤ على التعامل مع القذافي أو صدام حسين إن امتلكا أسلحة نووية؟ لا أحد». وأضاف أنه تم طرح سؤال على مسؤول هندي رفيع المستوى خلال زيارة أخيرة له، حول سبب عدم رد الهنود على هجمات مومباي 2008. وقال مشيرا إلى باكستان «عندما تكون لدى الطرف الآخر القدرة النووية، ويكون على استعداد لاستخدامها، فعليك أن تفكر مليا قبل اتخاذ هذه الخطوة».

يرى كل من نتنياهو وإيهود باراك أن فرض العقوبات على القطاع المصرفي وقطاع الطاقة الإيراني، من خلال العقوبات التي يتم العمل على تنفيذها، ضروري للضغط على الحكومة الإيرانية داخليا وجعلها في وضع مخز أمام العالم، لكنهما يشكان في قدرة هذه العقوبات على عرقلة تقدم إيران في برنامجها النووي، لذا يفكران في أمر توجيه ضربة عسكرية ضدها.

وصرح باراك للإذاعة الأسبوع الحالي قائلا «مع كل العقوبات غير المسبوقة، لا أعتقد أننا اقتربنا من حمل القادة الإيرانيين على النظر في أعين بعضهم بعضا والاعتراف بأنهم لم يعد أمامهم سوى التوقف عن المضي قدما في البرنامج النووي».

وأخبر نتنياهو زائرين بأن الحكومة الإيرانية ستفقد شعبيتها وتواجه شعورا بالمقت والازدراء، وأن المواطنين الإيرانيين ربما يرحبون بتوجيه ضربة عسكرية حذرة ضد منشآتها النووية، وأنها ربما تكون بمثابة فرصة لتقويض نظام مكروه.

على الجانب الآخر، فإن لأكثر المحللين هنا وفي الخارج رأيا مختلفا. إنهم يقولون إنه في الوقت الذي يفتقد فيه النظام الإيراني الشعبية، يحظى البرنامج النووي بدعم كبير في إيران، وسيؤدي توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران إلى توحيد الشعب وراءه. وعبّر مسؤول سابق مطلع على الوضع الأمني عن قلقه من رغبة باراك ونتنياهو في مهاجمة إيران، وهو يرى أنها تتطلب موافقة وزراء آخرين، ويعتقد أنها ستؤدي إلى نتائج كارثية من الناحية العسكرية والدبلوماسية.

وقال «تمتلك إيران 400 صاروخ يمكن قصفها على إسرائيل. تخيل عزلة إسرائيل بعد الهجوم على إيران، ومن أجل ماذا.. تأجيل البرنامج لمدة عام ونصف العام تقريبا. نحن نقوم بالفعل بتأجيله من خلال طرق أخرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»