مسقط رأس ثاتشر يجلب الزوار

في بلدة غرانثام انقسام حول أداء «المرأة الحديدية» بمناسبة فيلم جديد عنها

صورتان لثاتشر والملكة إليزابيث الثانية في «نادي المحافظين» ببلدة غرانثام («نيويورك تايمز»)
TT

إنها قصة مؤثرة، تحكيها، بشكل لا يقل عن غيرها، الأعداد المتفرقة من الجماهير الموجودة في سينما «ريل»، التي تقع على بعد مسافة قليلة من واجهات مباني وسط المدينة الجميلة، التي يعود طرازها للقرن الثامن عشر.

هنا، في مسقط رأس مارغريت ثاتشر، الذي يتميز بكونه مكانا باردا، في وسط سهول لينكولنشاير، ويحث على العمل بجدية ونشاط، ولعب دورا كبيرا في تشكيل شخصية ثاتشر، المرأة الجادة التي لا تقبل الأعذار، لا يوجد الكثير من الضجيج ولا الكثير من الأمور المتعلقة بالمشاعر التي تخص المرأة التي احتلت منصب رئيسة وزراء بريطانيا لأطول فترة خلال القرن العشرين.

لا يوجد هناك جمهور كبير سوى في فترات ما بعد الظهيرة، عندما تمنح السينما تذاكرها بنصف الثمن للمتقاعدين، لمشاهدة فيلم «المرأة الحديدية»، وهو الفيلم المثير للجدل الذي يدور حول ثاتشر، التي تبلغ الآن الـ86 من عمرها. وقد حصل الفيلم، على جانبي المحيط الأطلسي، على نقد إيجابي وافتنان بأداء ميريل ستريب، في دور البطولة، قابله انتقاد لتركيز الفيلم على معركة ثاتشر، المهينة في كثير من الأحيان، مع الخرف (اضطراب في القدرات الإدراكية) في السنوات الأخيرة.

وقد وجد هذا الرأي صدى لدى المشاهدين، على الرغم من أن البعض أشار إلى أن الفيلم دفع مجموعة من أصدقاء رئيسة الوزراء السابقة ومساعديها إلى القول إن الصورة التي أظهرها بها الفيلم ليست غير صحيحة تماما، على الرغم من قسوتها. فقد ذكر جوناثان ايتكن، وهو أحد الوزراء السابقين، أن ثاتشر بدت، أثناء إحدى الحفلات التي أقيمت مؤخرا في لندن، مرتبكة وحائرة عند ذكر اسم ديفيد كاميرون، وكأنما لا تعرف أنه رئيس الوزراء المحافظ الحالي.

وبخلاف ذلك الجدل، أثار الفيلم موجة جديدة من النقاش الحماسي في بريطانيا حول الإرث السياسي للسنوات التي قضتها ثاتشر في الحكم، الذي يتضح من سيل التعليقات التي أظهرت عدم انحسار شدة الخلاف في الرأي، والإعجاب والازدراء، منذ عام 1990، وهو العام الذي وضع فيه التمرد الذي حدث بين وزراء حكومة ثاتشر، وهتاف مجلس العموم «لا! لا! لا!» الشهير ردا على اتخاذ أي خطوت إضافية على طريق التكامل مع أوروبا، حدا لرئاستها للوزراء، بعد 11 عاما قضتها في المنصب.

في بلدة غرانثام، التي تقع على بعد 120 ميلا إلى الشمال من لندن على الطريق المؤدى إلى أسكوتلندا، كان النقاش أقل صرامة، وإن لم يخل من تطرف، حيث كان هناك اثنان أو ثلاثة من الأهالي الذين يعيبون عليها كونها متسلطة للغاية، وغير مكترثة، إلى حد كبير، بالفقراء في المجتمع، وغير مهتمة كثيرا بالعناية بمسقط رأسها، غرانثام، لكل واحد من الأهالي الذين تحدثوا بإعجاب عن الطريقة التي تعاملت بها ثاتشر مع القضايا الكبرى؛ المعارك مع النقابات، وتخفيض نفقات الرعاية الاجتماعية في فترة ما بعد الحرب، وحرب جزر فولكلاند، ومواجهات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.

كان المزاج العام متخما، حتى في داخل المتجر المبني بالطوب الأحمر، الذي يقع في أحد الأركان، والذي ترعرعت فيه بوصفها ابنة بقال، حيث لا توجد سوى لوحة متواضعة على المبنى مكتوب عليها «مسقط رأس مارغريت ثاتشر، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية».

وقد تحول الآن متجر البقالة القديم، الذي كان صاحب المتجر يستعمله يوما ما كمختبر لاقتصادياته، وهو أمر كان سمة مميزة من سمات «الثاتشرية»، إلى عيادة صحية تقدم العلاج بالطحالب البحرية والتنويم المغناطيسي.

وقالت ساندرا غريين، وهي موظفة استقبال، إن القليل من الناس يأتون لزيارة المكان في هذه الأيام، وهم يأتون في الغالب عندما تكون هناك أنباء عن ثاتشر، أو عن أنها ليست على ما يرام. ولدى لورين هول (24 عاما)، أحد الأطباء المعالجين، رؤيتها الخاصة حول الموضوع، فتقول: «معظم الناس الذين يأتون إلى غرانثام يكونون أكثر اهتماما بإسحاق نيوتن»، الذي كان يدرس في مدرسة البلدة خلال الفترة من 1655 إلى 1661، ويوجد تمثال له في ساحة البلدة الرئيسية. وأضافت قائلة، لمن لا يعرفون مكان نيوتن في التاريخ من الزوار: «هل تعلمون أنه هو الذي اخترع (باب القط)؟».

والسياسي الوحيد الذي يستحق تمثالا في هذه البلدة، هو فريدريك جيمس توليماشي، وهو أحد مشرعي القرن الـ19، ولعب دورا ثانويا في تعزيز مستوطنة نيوزيلندا. وألفريد روبرتس، والد ثاتشر وعمدة غرانثام الأسبق، هو من يحظى بالاحترام في الآونة الأخيرة.

المكان الوحيد الذي يوجد فيه شعور ملموس بالفخر بابنة البلدة الشهيرة، هو مدرسة كيستفين وغرانثام للفتيات، التي تقع على تل مرتفع عبر نهر ويتهام قبالة وسط البلدة، حيث تبين إحدى العبارات المكتوبة بأحرف ذهبية على لوحة الشرف أن التلميذة مارغريت روبرتس كانت رئيسة الفتيات في عام 1943، وهو العام الذي حصلت فيه على مقعد لدراسة الكيمياء في جامعة أكسفورد.

وقال إيان تود، مساعد مدير المدرسة، الذي يرافق الزائرين في جولاتهم داخل المدرسة: «كانت مارغريت تتميز دائما بعزيمتها القوية»، حيث إنها رتبت أمر ذهابها إلى إحدى مدارس البنين المحلية، عندما أرادت أخذ دورات علمية لا تتوفر في مدرسة كيستفين، ودرست تلك الدورات هناك. وأضاف قائلا: «لقد علمت نفسها اللغة اللاتينية من أجل امتحانات القبول في جامعة أكسفورد».

بدت مجموعة من الطالبات، اللاتي كن يجلسن حول طاولة في البهو ويذاكرن استعدادا لاختبار في الدراسات الدينية، حيث كان الموضوع الذي يتدارسنه هو إيمانويل كانط، فيلسوف القرن الـ18 الألماني، حريصات أيضا على التعبير عن آرائهن المختلفة. وقالت غريس داوسون، 18 عاما: «أنا معجبة بثاتشر لأنها كانت أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء»، بينما قالت إميلي تشيزمان، 17 عاما: «أنا لا أعرف ما فعلته ثاتشر تحديدا، ولكنني أعرف الكثير من الناس الذين يكنون لها مشاعر سيئة، لأنها جرت وراء أحلامها، والكثير من الناس لا يحبون ذلك. أعتقد أنها قد أضرت بفرص غيرها من النساء في أن يصبحن رئيسات للوزراء».

وعودة إلى وسط المدينة، حيث كان هناك أولئك الذين عاصروا سنوات حكم ثاتشر، واعترضوا على ذلك بشدة. ويقول مايكل كولدينى، 42 عاما، وهو بستاني تجعد وجهة من أثر العوامل الجوية، وكان يقوم بتفريغ حمولة من جذوع الأشجار أمام فندق «أنجيل آند رويال»، وهو نزل يعود تاريخه للقرن 13، واستضاف مجموعة من الملوك الإنجليز، ضمنهم ريتشارد الثالث: «لقد أحببتها كثيرا، حيث إنها أخرجت البلاد من حالة الركود التي كانت تعاني منها، وعندما نلقي نظرة على الحمقى الذين أضروا بالبلاد من بعدها، فماذا عسانا أن نقول؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»