مصريات يشعرن بالغضب من الإخوان وتيار الإسلام السياسي بعد عام من الثورة

انخرطن في العمل العام بعد فقدهن أبناءهن وبعضهن يعارضن المجلس العسكري

متظاهرون في ميدان التحرير بالقاهرة يطالبون بتحقيق أحداث الثورة في عيدها السنوي الأول («نيويورك تايمز»)
TT

في ميدان التحرير حيث يستمر الانقسام بين احتفالات جماعة الإخوان المسلمين بالذكري الثانية لثورة 25 يناير بمصر، ومطالب الثوار باستمرار الثورة والقصاص للشهداء وتسليم السلطة، جلست صفاء محمد (45 عاما) وسط مجموعة من النساء، مرتدية ملابسها السوداء، وتحتضن صورة ولدها الذي تقول إنه «استشهد في جمعه الغضب» يوم 28 يناير (كانون الثاني) من العام الماضي.

وتقول الأم صفاء، مثل أخريات فقدن أبناءهن، إنها لن تغادر ميدان التحرير إلى بعد أن تتم إعادة حق ابنها بالقصاص ممن تسبب في مقتله، لتصبح واحدة من مئات السيدات اللائي فقدن أبناءهن خلال الاحتجاجات المليونية التي أسقطت حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

وواجهت جماعة الإخوان والتيار السلفي، وتيارات إسلامية أخرى، ممن حصدوا أكبر نسبة من المقاعد في أول برلمان منتخب بعد مبارك، حملة شرسة من التيارات السياسية والشبابية التي تتهم الإسلام السياسي بـ«ركوب الثورة» والحصول على مكاسب «على حساب دماء الشهداء» على الرغم من أن هذه التيارات الدينية لم تظهر في الأيام الأولى للثورة.

ودعت التيارات السياسية الإسلامية إلى الاحتفال لكن أسر «شهداء الثورة»، والائتلافات الشبابية الأخرى، رفضت موضوع الاحتفال وهاجمت منصات الإخوان في القاهرة وعدة محافظات، وواجهات الأمهات احتفالات الإخوان والسلفيين بصور أبنائهن، لتذكير الجميع بأن مسيرة الثورة لم تنته بعد. وتقول الأم صفاء إن ابنها يدعى «كمال سيد»، وإنها لا تشعر أن أي شيء إيجابي قد تحقق بعد التخلص من حكم مبارك، فيما عدا سيطرة النواب الإسلاميين على مقاعد البرلمان. وتتفقد الأم مشهد ميدان التحرير بعد مرور عام على الثورة المصرية، وهو نفس اليوم الذي فقدت فيه ولدها.

وفي كل ركن من ميادين الثورة في القاهرة وفي المحافظات تجد امرأة تتشح بالسواد تبحث عن «حق ابنها»، وتروي لك آخر الساعات التي جمعتها مع ولدها قبل أن يصلها خبر وفاته في خضم الأحداث الكبرى التي شهدت إطلاق النار وفوضى الأمن وغيرها من أحداث يجري التحقيق فيها حاليا مع كبار رموز النظام السابق، وعلى رأسهم مبارك نفسه، ووزير داخليته وعدد من كبار رجال الأمن.

وتقول الأم إنها في مثل هذا اليوم (28 يناير) من العام الماضي، أحضرت لابنها طعام الإفطار وودعته وهو متجه للالتحاق بالألوف من أقرانه في ميدان التحرير. وتضيف والدموع تسقط من عينيها: «كانت تلك آخر مرة أراه فيها حيا». وسقط في الاحتجاجات ضد حكم مبارك نحو 850 قتيلا، كما سقط قتلى آخرون في احتجاجات على حكم المجلس العسكري في الأشهر الأخيرة من العام الماضي.

وبدأت مظاهرات شارك فيها ملايين المصريين منذ يوم الأربعاء الماضي بمناسبة ذكرى الثورة بداية من يوم 25 يناير الحالي، ولعدة أيام استمرت حتى يوم أمس.. وظهر التباين واضحا بين توجهات التيارات الإسلامية والتيارات الليبرالية واليسارية. فالفريق الأول بدأ بالاحتفال متوافقا مع توجهات المجلس العسكري الحاكم، والفريق الثاني بدأ بالمطالبة باستمرار الثورة ورحيل المجلس العسكري.

وعلى مرمى حجر من جلسة عدة سيدات يحتضن صور أبنائهن في ميدان التحرير كان أتباع جماعة الإخوان، وبينهم نواب جدد في البرلمان، يحتفلون عبر مكبرات الصوت بنجاح الثورة. استمعت الأم صفاء للهتافات، ثم قالت متسائلة: «بماذا يحتفل الإخوان والمجلس العسكري؟ لم نأخذ حق الشهداء، دم ابني لم يبرد، أرض الميدان ملونة بدماء الشهداء، أين القصاص؟».

وكان ابن الأم صفاء يبلغ من العمر 24 عاما قبل مقتله، وكانت تأمل أن يجد فرصة عمل ويساعدها في شؤون الحياة، وأن تفرح به حين يعقد قرانه على من يحب.. وتضيف أنه «قتل قبل يومين من خطوبته.. كان يعمل موظفا بهيئة النقل العام، ويعول الأسرة المكونة منها وأخيه المعاق ذي الـ15 عاما، وأخته المتزوجة، بعد وفاة والده».

وتقول الأم التي كانت تجلس على كرسي بلاستيكي أمام مجمع التحرير وتطل بعينيها على الميدان: «الإخوان والمجلس العسكري يحتفلون بفوزهم وليس بالثورة».

وفي السابق لم تكن الأم وكثير ممن فقدن أبناءهن يعرن السياسة أي انتباه، لكن أبناءهن الذين رحلوا فتحوا أعينهن على عالم السياسة وتقلباته. وتقول الأم صفاء، من بين عشرات السيدات اللائي يحملن صور فلذات أكبادهن، إنها لم تكن تعرف أن هناك ثورة.. و«لما أخبرني زوج ابنتي بسوء الوضع في التحرير، حاولت الاتصال بابني ولكن كانت جميع الاتصالات مقطوعة، وفي اليوم الثاني اتصلوا بي وقالوا لي إن كمال ابني استشهد وجثته في المستشفى»، قائلة إنها عرفت حينذاك ما يجري في مصر من ثورة، مضيفة أن «الثورة لم تستكمل»، مشيرة إلى أن «البلد عقب تولي المجلس العسكري إدارة البلاد أصبحت في أسوأ أوضاعها».

وتلتقط المرأة أنفاسها وتضيف في حسرة: «لا جديد.. لم يحدث شيء.. حتى الآن لم تصدر أحكام ضد قتلة أولادنا.. البلد في النازل والمجلس العسكري لم يأت بحقوقنا، بل زادت الأمور تعقيدا بعد مقتل العديد من الشباب بعد سقوط مبارك، وذلك أمام مبنى ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء (في الأشهر الأخيرة من 2011)، لهذا جئت لأعتصم، وأطالب بإسقاط حكم العسكر». ويقول المجلس العسكري والحكومة إنه تقرر إنشاء صندوق لرعاية «أسر الشهداء ومصابي الثورة»، وصرف أموال كتعويض لهم، إضافة إلى تشغيل المصابين في وظائف. لكن الأم صفاء تقول غاضبة: «بعد أن قتلوا أولادنا يرمون لنا ببعض الأموال.. لا توجد أموال تعوضني عن ابني.. أريد أن أعرف من قتل ابني وأن يتم القصاص منه». وتقول إنها رأت جثمان ابنها في المستشفى قبل دفنه «وكانت تخترق جسده رصاصتان واحدة في الصدر والأخرى في الظهر، وتم دفنه بالرصاصتين ورفضنا إخراجهما من جسده».