«الربيع العربي» وراء زيادة وزن قيادة الداخل في حماس على حساب قيادة الخارج

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل
TT

أثارت التسريبات حول نية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، الترشح لولاية أخرى مجددا، الجدل حول موازين القوى داخل الحركة. وبمعزل عن مدى دقة هذه التسريبات ودوافعها، فإنه في حال تخلي مشعل عن رئاسة المكتب السياسي، فإن هذا سيعيد مجددا رسم موازين القوى داخل الحركة بشكل واضح، وهذا ليس فقط بسبب غياب مشعل الذي تربع على رأس دائرة صنع القرار في الحركة منذ 16 عاما، بل لأنه يأتي في ظل ظروف عربية وإقليمية وداخلية استجدت، وأدت حتما إلى زيادة ثقل قيادة حماس في الداخل.

يذكر أن حركة حماس تأسست في قطاع غزة في ديسمبر (كانون الأول) 1987، على يد الشيخ أحمد ياسين الذي بقي زعيما لها بلا منازع حتى اغتياله من قبل إسرائيل في مارس (آذار) 2004 واغتيال خليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بعده بثلاثة أسابيع تقريبا. بعدها انتقل ثقل القيادة عقب اختفاء معظم قيادة الداخل ونزولهم تحت الأرض جراء عمليات الاغتيال، إلى قيادة الخارج التي ظلت لسنوات عديدة الممول الرئيسي للحركة والقابضة على زمام الأمور.

ولا خلاف على أن أبرز العوامل التي قادت حماس إلى هذا الواقع هو «الربيع العربي»، والثورة السورية على وجه الخصوص، التي قلصت هامش المناورة المتاح أمام قيادة الخارج واضطرارها للبحث عن موطأ قدم خارج دمشق.. فقد علقت قيادة الخارج في موقف حرج، فهي من ناحية تدرك أن قواعد حركة حماس الشعبية، كما هو الحال مع القواعد الجماهيرية لجماعة الإخوان المسلمين، تؤيد بدون أدنى تحفظ الثورة السورية، في حين أن هذه القيادة الموجودة في دمشق غير قادرة على التعبير عن هذا الموقف.

لكن أحد أهم مصادر ضعف قيادة الخارج هو تقلص قدرتها على توفير الدعم المالي للحركة، حيث إن العديد من التقارير، أكدت أن إيران التي تعاني نفسها من أزمة مالية واقتصادية، قلصت من دعمها المالي للحركة، في رد فعل غاضب على موقف قيادة الخارج من الثورة السورية.. فقد كان الإيرانيون يتوقعون من قيادة حماس موقفا مماثلا لموقف حزب الله، الذي تحول إلى مدافع شرس عن مواقف النظام السوري، لكن «الربيع العربي» كان له تأثير آخر أسهم في إضعاف قيادة الخارج، حيث إن فوز الحركات الإسلامية في الانتخابات التي أجريت مؤخرا في عدد من الدول العربية، أسهم في تقليص الحصار السياسي الذي كان مفروضا على حركة حماس، علما بأن إحدى مهام قيادة الخارج كانت السعي لتجاوز تأثيرات هذا الحصار.

ولعل الحدث الذي يعكس هذا الواقع هو الجولة التي قام بها رئيس الحكومة المقالة في قطاع غزة إسماعيل هنية لعدد من الدول العربية مؤخرا، لا سيما زيارته لتونس، حيث استقبل هناك استقبال الأبطال، علاوة على أنه حتى القوى العلمانية في العالم العربي باتت تبدي انفتاحا على حماس، على اعتبار أن هذا السلوك يلقى قبولا لدى القواعد الجماهيرية العربية. ومن الأسباب التي زادت من ثقل قيادة الداخل صفقة تبادل الأسرى التي أسفرت عن الإفراج عن المئات من الأسرى الفلسطينيين، من بينها قيادات كاريزماتية في الحركة، على رأسها يحيى السنوار، الذي يحظى بشعبية هائلة لدى أنصار حركة حماس.

وتأثرت موازين القوى داخل حماس بالكثير من الظروف التي تعرضت لها الحركة.. فمنذ تأسيسها وحتى محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها مشعل في صيف 1997، التي تم خلالها الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، كانت قيادة الداخل صاحبة القول الفصل في تقرير توجهات الحركة، لكن بعد هذا الحدث واضطلاع قيادة الخارج بدور أكبر في مجال توفير الغطاء السياسي والدعم المالي للحركة، زاد تأثير هذه القيادة بشكل كبير. ورغم ذلك فإنه يصعب الحديث عن اتخاذ القرارات داخل الحركة على أساس جغرافي.. فعلى سبيل المثال، بات في حكم المؤكد أن قيادة الحركة في الخارج وفي الضفة الغربية وبدرجة ما في السجون، لم تظهر حماسا لمشاركة الحركة في الانتخابات التشريعية عام 2006، في حين كان لموقف قيادة غزة دور حاسم في دفع الحركة لتبني هذا الموقف، وبالفعل شاركت حماس في الانتخابات وفازت بها بالأغلبية.