الحوار التركي ـ الخليجي: توافق على إدانة «التعنت» السوري.. وتباين في الموقف من إيران

سعود الفيصل: لا يمكن الحديث عن اعتراف بالمجلس الوطني في هذه الفترة.. لكن ذلك لا يعني تجاهله

الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ووزير الخارجية التركي أحمد أوغلو والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف بن رشيد الزياني أثناء مؤتمر صحافي في اسطنبول أمس (أ.ب)
TT

حضت تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي النظام السوري على قبول خطة الجامعة العربية لوقف إراقة الدماء «دون إبطاء»، وحملت النظام السوري مسؤولية عدم تقدم المبادرة «نتيجة التعنت الذي أبداه»، بينما أشارت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أنقرة «متفاهمة بالكامل» مع جامعة الدول العربية في المسار الذي يتم سلوكه لحل الأزمة، مشيرة إلى أنها «مستعدة للقيام بكل ما يُطلب منها، في إطار الجامعة العربية ومجلس الأمن، لإنهاء هذا الوضع الشاذ».

وتوقعت المصادر «حراكا مختلفا نتيجة تصاعد الحركة الشعبية ضد النظام، وامتدادها إلى مناطق جديدة»، في إشارة إلى مدينتي حلب ودمشق. وأعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بدوره، أنه «لا يمكن الحديث عن اعتراف بالمجلس الوطني السوري لأن الاعتراف يكون بين الدول»، لكنه شدد على أن عدم الاعتراف بالمجلس «لا يعني تجاهله».

غير أن التوافق العربي ـ التركي توقف عند الحدود السورية، مع ملاحظة تباعد في المواقف من الملف الإيراني، مع إصرار أنقرة على تحييد نفسها عن كل ما يتعلق بالعقوبات ضد إيران، وإعلانها صراحة عدم تنفيذ أي عقوبات لا تصدر عن مجلس الأمن الدولي.

وأشار مشاركون في الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجانب التركي كان حريصا على إبداء موقفه فيما خص الموقف الإيراني، مشيرا إلى أن تركيا تستورد 30 في المائة من طاقتها من إيران، ولا تظن أن أحدا في إمكانه تعويض هذا النقص في حال امتنعت عن النفط الإيراني.

غير أن الناطق بلسان الخارجية التركية، سلجوق أونال، نفى لـ«الشرق الأوسط» وجود «تباين في أي من المواضيع التي طُرحت»، مشيرا إلى أن موقف بلاده «واضح من الملفين السوري والإيراني، وهو موقف لا يحتمل التأويل، مكررا اهتمام بلاده الشديد بتطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون. وبعد جلسة صباحية مغلقة، استغرقت وقتا أطول من المتوقع، افتتح وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، أعمال المؤتمر، بالتأكيد على أهمية استمرار التعاون بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي في المجالات كافة، مشيرا إلى أن بلاده «وقعت اتفاقيات تعاون استراتيجية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كافة، وأنها تسعى لتعزيز هذا التعاون». ورأى أن استمرار التعاون بين الجانبين التركي والخليجي يصب في صالح الشعب التركي والشعوب الخليجية، لا سيما في المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية والثقافية وغيرها من المجالات التي تهم الجانبين.

وأشاد داود أوغلو بمبادرة العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بتشكيل لجنة تقصي الحقائق في الأحداث التي شهدتها المملكة في الآونة الأخيرة، معتبرا أن «النهج الإصلاحي في البحرين يمضي قدما».

وأكد داود أوغلو أن بلاده تتابع «بحرص شديد» تطورات المبادرة العربية لوقف العنف في الأراضي السورية، وأنها تجري اتصالات دائمة مع دولة قطر التي تترأس اللجنة العربية الوزارية المعنية بالأزمة السورية، معربا عن استعداد أنقرة لتقديم أي مساعدة في هذا الإطار. وأعرب عن «الأسف لاستمرار العنف والاضطرابات في سوريا، بالإضافة إلى رفض النظام السوري إجراء أي إصلاحات تستجيب للتطلعات الديمقراطية للشعب السوري».

وحذر من أن «استمرار العنف في سوريا بالشكل الحالي قد يفجر صراعا طائفيا»، داعيا إلى «تكاتف الجهود لتفادي انزلاق الأوضاع نحو هذا المنحى». وأكد أن بإمكانه التحدث عن «تطابق» في وجهة النظر بين تركيا ودول الخليج حول الأوضاع في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع وفد مجلس التعاون الخليجي، برئاسة وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، في إسطنبول، قال أوغلو: «في هذا الإطار، نتابع كل التطورات، وخاصة في سوريا، ونحن في تركيا وفي مجلس التعاون الخليجي ندعم ما تقوم به جامعة الدول العربية، ويجب وقف الدم المهدور في سوريا، ونأمل أن نقوم ببعض الأعمال معا في سوريا، ونريد من القيادة السورية التجاوب مع المبادرات والدخول في مسيرة إصلاحية بما يتناسب مع تطلعات الشعب السوري وتقدير الموقف بشكل جدي».

وأضاف: «هناك مجالات عدة للتعاون بين تركيا ومجلس التعاون الخليجي، ونحن ندعم المصالحة الوطنية في فلسطين، لأنها مهمة جدا للفلسطينيين، كما ندعم حق إقامة دولة فلسطينية، ونريد دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وندعم دخول فلسطين في الأمم المتحدة ونبارك دخولها اليونيسكو»، وأضاف، ردا على سؤال: «نحن دائما في علاقة جيدة مع دول المجلس الخليجي، سواء كان الموضوع إيران أو غير إيران، وعلاقتنا مع إيران بالنسبة للطاقة ستتبع مسار الأمم المتحدة التي نحن عضو فيها».

وفي ما يتعلق بالعراق، اتهم الوزير التركي أحزابا وقوى عراقية (لم يسمها) بأنها «ذات نفس طائفي وتريد إقصاء الطوائف العراقية الأخرى، والتفرد بالسلطة، وهو الأمر الذي سيضر التحول الديمقراطي في العراق والمنطقة بأسرها». أما فيما يتعلق بالأمن في منطقة الخليج، فأكد داود أوغلو رفض بلاده لأي تهديدات بإغلاق مضيق هرمز، قائلا: «إن القانون الدولي كفل حرية الملاحة في البحار والمضايق العالمية، خاصة في هرمز»، واصفا مضيق هرمز بأنه «معبر حيوي للنفط في العالم».

كما استعرض داود أوغلو التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خاصة التطورات في منطقة شمال أفريقيا، مؤكدا أن التحولات الديمقراطية التي جرت في تونس وليبيا ومصر «بدأت تسير في الاتجاه الصحيح»، في إشارة إلى الانتخابات «الديمقراطية» التي جرت في هذين البلدين. وأضاف أن بعض دول المنطقة الأخرى تسير في الاتجاه نحو إجراء مثل هذه الانتخابات، من ضمنها ليبيا، التي ذكر أنها تحاول القيام بذلك «على الرغم من دخولها حربا أهلية دامية، ومحاولتها في الوقت الحالي إعادة بناء ما دمرته الحرب».

وأعرب الوزير التركي عن الشكر لدعم دول الخليج لتركيا في تصديها للإرهاب الذي تمارسه عناصر حزب العمال الكردستاني المحظور.

من ناحيته، شدد الفيصل على «أهمية الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا»، وردا على سؤال حول اعتراف محتمل للسعودية بالمجلس الوطني السوري المعارض، قال الفيصل: «نحن التقينا فعلا في القاهرة مع المجلس الوطني السوري بعد اجتماعهم بأمين عام جامعة الدول العربية، نبيل العربي، لكن مسألة الاعتراف تكون بين دول، وهذا لا يعني تجاهل المجلس ووجوده، إلا أن الاعتراف كلمة قانونية ولا يمكن أن أتكلم عن اعتراف أو عدم اعتراف في هذه الفترة».

وبشأن استعداد السعودية لتعويض نقص السوق النفطية، بسبب الحظر على النفط الإيراني، رد الفيصل: «المملكة العربية السعودية يهمها توازن السوق، ونتفق في هذا الأمر مع دول الخليج كافة». وعما إن كان مصدرو النفط الخليجيون سيعوضون الإمدادات التي تحصل عليها تركيا، في حالة قيام أنقرة بوقف استيراد الخام من إيران، قال: «ما تريد السعودية رؤيته هو سوق نفط متوازنة. هذا مهم بالنسبة للسعودية».

ثم تلا أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، بيانا عن اللقاء جاء فيه: «اتسمت المحادثات بالصراحة والوضوح والهدف تطوير العلاقات بين الجانبين، وتم الاتفاق بين الجانبين على تطوير مشاريع النقل الجوي والبري، وعلى دعم والتعاون بين رجال الأعمال، ورحب الوزراء بما اتُّفق عليه من قبل المجتمعين على تشجيع التعاون العلمي، وأبدى الوزراء ارتياحهم لمستوى التعاون القائم بين الجانبين، وأصدر الوزراء توجيهاتهم لإعداد فترة التعاون بين 2013 و2015».

واعتبر الوزراء أن «التعديلات الدستورية في البحرين من شأنها تعزيز دور المجلس النيابي وتعميق الممارسة والمشاركة الشعبية في شؤون البلاد، وذلك تأكيدا لاستمرارية النهج الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة، بما يساعد على تطوير المسيرة الديمقراطية ودعم أسس دولة الحق والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان والازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهو ما يحقق تطلعات شعب مملكة البحرين نحو المزيد من التقدم والتطور والنمو والرخاء».

وبحث المجتمعون أهم وآخر المستجدات في الشرق الأوسط والقضايا والدولية ذات الاهتمام المشترك، وخاصة آخر تطورات القضية الفلسطينية واليمن والعراق، مؤكدين في هذا الصدد على أن العلاقات بين دول المنطقة يجب أن تكون مبنية على حسن الجوار والاحترام الكامل لسيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها، ورؤيتهما المشتركة حيال تحقيق وإرساء الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.

وأعرب المجتمعون عن أسفهم البالغ إزاء العنف الجاري، وارتفاع عدد الضحايا من المدنيين في سوريا، مؤكدين على «الحاجة الماسة للعمل الجماعي، من خلال اتخاذ إجراءات عاجلة بالتشاور مع المجتمع الدولي، وتأييدهم القوي للتنفيذ التام لمبادرة جامعة الدول العربية، مشيدين بجهودها الحثيثة الرامية إلى إنهاء الأزمة في سوريا».

وأقر في الاجتماع إنشاء سكة حديد بين دول المجلس وتركيا، وزيادة التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والسياحة والصحة والكهرباء والماء والبيئة والزراعة والأمن الغذائي والتعليم والثقافة، والتأكيد على مواصلة تطوير النقل الجوي والبحري والبري، ودعم التعاون بين رجال الأعمال لزيادة التبادل التجاري والاستثمارات وتنظيم منتدى لرجال الأعمال، والتأكيد على مواصلة التعاون في مجال الطاقة وعلى وجه الخصوص النفط والغاز وخطوط الأنابيب والطاقة المتجددة والثروات المعدنية.