«الجيش السوري الحر».. حامي الثورة العسكري

أحد قادته لـ«الشرق الأوسط»: قد ننفذ عمليات «هجومية دفاعية» لقطع الطريق أمام اقتحام المدن وقتل المتظاهرين

لقطة بثها موقع سوري معارض أمس لجانب من ترحيب الأهالي في درعا بالجيش السوري الحر
TT

منذ الإعلان عن تأسيسه في 29 يوليو (تموز) 2011، أي بعد نحو 4 أشهر على انطلاق الثورة السورية، متخذا من جنوب تركيا مقرا له، ولم يكن يزيد حينها عدد عناصره على الـ300، يشكل «الجيش السوري الحر» «حامي الثورة العسكري» الوحيد في مواجهة النظام، رغم قدراته العسكرية المحدودة مقارنة بتلك التي يتمتع بها الجيش النظامي و«الشبيحة». وهذا ما أكده أحد عناصر «الجيش الحر» الذي قال: «إن جيش الأسد يملك المدرعات والمدافع المضادة للطائرات، بينما لا نملك إلا البنادق والقذائف الصاروخية». وعلى الرغم من أن المواجهات بين «الجيش الحر» والجيش النظامي تكاد تكون يومية، لا سيما في الفترة الأخيرة، لا يزال يؤكد «الجيش الحر» أن مهمة عناصره «دفاعية» بالدرجة الأولى، مع المحافظة على سلمية الثورة، ولم تتحول حتى اليوم إلى «هجومية»، لأن الهدف الأساسي من تحركه هو الدفاع عن المتظاهرين السلميين في كل المناطق السورية. وهذا ما كان أعلن عنه في البيان التأسيسي لـ«الجيش الحر» الذي أكد أنه سيتعامل مع قوات الأمن التي تقوم بقتل المدنيين ومحاصرة المدن على أنها أهداف مشروعة.

لكن، وفي الوقت عينه، يبقى هناك نوع آخر من العمليات العسكرية التي يضعها «الجيش الحر»، في خانة العمليات «الهجومية الدفاعية»، التي تنفذ بهدف الدفاع عن المواطنين، بحسب أحد قادته، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «قد يتم الهجوم على الآليات العسكرية التابعة للجيش السوري وهي في طريقها إلى اقتحام منطقة أو مدينة سورية معينة»، مضيفا: «في هذه الحالة لا يمكننا الانتظار حتى مهاجمة المدنيين وقتلهم كي نتدخل، لكن ما نستطيع تأكيده هو أن هذا النوع من الهجوم ينفذ بناء على خطة محددة ومنتقاة بدقة كي لا يوقع عدد كبير من الضحايا. كذلك نحرص على أن لا تشمل هذه الهجمات وحدات الجيش النظامي التي لا تشارك في العمليات ضد المدنيين».

ويوضح القائد أن «العمليات التي يتولى مهمة تنفيذها (الجيش الحر)، تعتمد على خطط معينة، وأهمها القتال الذي يرتكز على (حرب الجماعات) أو بالتحديد (المجموعات الصغيرة) التي تتحرك وفق الظروف المتوفرة لديها على أرض المعركة، معتمدين أسلوب (الكر والفر)، بعيدا عن المواجهة المباشرة مع قوات الأمن والجيش النظامي، إلا إذا استطاع السيطرة على منطقة معينة، وذلك نظرا لتفاوت القدرات العسكرية بين الطرفين، إلى أن تتمكن من طرد (الشبيحة) وقوات الأمن الموجودة في المنطقة، كما يتم أيضا وبالأسلوب نفسه الاستيلاء على مخازن الأسلحة».

وهذا النوع من العمليات هو الذي يقف، إضافة إلى بنود أخرى، وراء عدم توافق طرفي المعارضة السورية الأساسيين، وهما المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية، إذ في حين يؤكد الأول على دعم «الجيش الحر» وأعلن عن إنشاء «مكتب ارتباط بينهما»، لا تزال هيئة التنسيق ترفض تسليم مهمة الدفاع العسكرية للجيش الحر متمسكة بمبدأ سلمية الثورة التي تتناقض مع العمليات التي ينفذها.

وعند الحديث عن يوميات العسكريين الذين اختاروا، بحسب أحدهم، الدفاع عن مواطنيهم بدلا من أن قتلهم، يؤكد عناصره أن المهمة الجديدة بالنسبة لهم، ليست بهذه السهولة، فهم يعيشون في حالة صعبة تفتقر في أحيان كثيرة إلى الماء والغذاء والكهرباء، ويعتمدون في تأمين حاجياتهم على الدعم المادي والغذائي الذي يقدمه لهم المواطنون، حتى أن بعضهم يقدم لهم منازلهم للمبيت فيها، كما حصل في حمص بحسب أحد الناشطين. والأمر ليس مختلفا بل هو أصعب بكثير حين يتعلق الأمر بالأسلحة التي يضطرون في أحيان كثيرة إلى دفع ثمنها أضعافا لـ«شبيحة» النظام وعناصر الجيش إضافة إلى ما يمكن وصفهم بـ«صغار تجار الأسلحة»، الذين يستغلون حاجة الجيش السوري له. وفي هذا الإطار، يقول أحد الضباط في «الجيش الحر»: «إنه حتى الآن لم يتم تقديم أي دعم مادي أو أسلحة لنا، وعلى الرغم من أن الاتفاق الذي وقع بيننا وبين المجلس الوطني نص على تقديم المجلس الوطني الدعم اللوجيستي لـ(الجيش الحر) لتأمين رواتب العسكريين ومتطلبات حياتهم، فإنه إلى اليوم لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق». ويضيف: «رغم كل ما يقال عن أنه يقدم لنا دعما عسكريا وأسلحة، لا نزال نؤكد أننا لا نحصل على أي دعم من أي جهة كانت، ونحن نطمح لتوسيع دائرة مصادر الأسلحة، لكننا محاصرون من كل العالم، لا أحد يقدم لنا السلاح ولا حتى يسمح لنا بشرائه من مصادر خارجية، وبالتالي فإن الوسائل المتوفرة بين أيدينا (لا تسمن ولا تغني من جوع)».

واليوم، وبعد 6 أشهر على انطلاق عمل «الجيش الحر»، وصل عدد عناصره إلى نحو 30 ألفا، بقيادة العقيد المنشق رياض الأسعد، ونائبه العقيد مالك الكردي، بينما يتولى مسؤولية عملياته ورئاسة أركانه، العقيد أحمد حجازي. ويتوزع عناصر الجيش الحر على 23 كتيبة منتشرة في كل المناطق السورية؛ وأهمها: «كتيبة خالد بن الوليد» في محافظة حمص، و«كتيبة القاشوش» في مدينة حماه، و«كتيبة أبي الفداء» في شمال محافظة حماه، و«كتيبة معاذ الركاض» في مدينة دير الزور، و«كتيبة الله أكبر» في مدينة البوكمال، و«كتيبة حمزة الخطيب» في جبل الزاوية، و«كتيبة الأبابيل» في مدينة حلب، و«كتيبة آل الهرموش» في معرة النعمان ومحيطها ومناطق أخرى من محافظة إدلب، و«كتيبة معاوية بن أبي سفيان» في العاصمة دمشق، و«كتيبة أبو عبيدة بن الجراح» في ريف دمشق، و«كتيبة العمري» في درعا، و«كتيبة الرشيد» في الرقة، و«كتيبة شهداء جبل الزاوية». أما ثقل وجود «الجيش الحر» فيرتكز في مدينة حمص وجبل الزاوية، وفي الفترة الأخيرة أحكم سيطرته الكاملة تقريبا على منطقة إدلب، وتوسعت دائرة وجوده في ريف دمشق، لا سيما في الزبداني ودوما وعبرين.

ومع سيطرته على عدد من المناطق السورية، صار يشكل «الجيش الحر» بالنسبة للمواطنين السوريين، لا سيما المتظاهرين منهم، «صمام الأمان» الذي يحتمون به في تحركاتهم. ويصف أحد قادته هذه العلاقة التي تجمع المواطنين مع «جيش الحر» بـ«التكاملية»، إذ في حين يقدم لهم الأخير الحماية يؤمن السوريون له الدعم المادي الأساسي ليقوم بمهامه الدفاعية، لافتا إلى أن «أمن المناطق التي سيطرنا عليها يبقى ممسوكا إلى أعلى الدرجات، بعيدا عن أي سرقات أو اعتداءات». وهنا يلفت أحد الناشطين في منطقة حمص إلى أن «وجود (الجيش الحر) لا سيما في المناطق التي يفرض عليها نوع من حظر التجول، يشكل الداعم الأساسي للمواطنين الذين يمنع عليهم إيصال جرحاهم إلى المستشفيات إذا لم تتم حمايتهم من (الجيش الحر)».

ويبدو واضحا، أن وجود «الجيش الحر» ومناطق تمركزه، تشمل بشكل أساسي تلك التي ينتمي سكانها إلى الطائفة السنية، إضافة إلى أن أبرز مؤيديه من هذه الطائفة، يؤكد أحد قادته هذا الأمر، موضحا أن السبب في ابتعاد العلويين عن هذه الثورة، لا سيما الضباط منهم، يعود بالدرجة الأولى إلى حملة الترهيب الطائفي التي ينفذها النظام منذ اندلاع الثورة، والتي أدت إلى خوف العلويين من السنة بشكل خاص، لكن هذه الضغوط بل الأكاذيب التي تلجأ إليها قوات الأسد، بحسب القائد، «بدأت تتضح بالنسبة للمدنيين العلويين، لا سيما الضباط منهم، إذ أعلن منذ فترة قريبة ضابطان علويان انشقاقهما عن النظام وانضما إلى (الجيش الحر) ونقوم نحن بحمايتهما، لكن خوفهما من رد فعل النظام لا تزال تمنعهما عن الإعلان عن هويتهما»، لافتا إلى أن انتقام النظام من العلويين المنشقين يكون شديدا، لكن رغم ذلك هناك اتصالات دائمة تجري بين «الجيش الحر» وبعض الضباط العلويين الذين قد يعلنون انشقاقهم في وقت قريب.

وفي موازاة العمل العسكري الذي يقوم به «الجيش الحر» في مرحلة الثورة السورية التي تهدف إلى إسقاط النظام السوري، فقد عمد أيضا إلى وضع خطته للمرحلة الانتقالية التي تلي سقوط الأسد، وذلك بإعلانه في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، تشكيل المجلس العسكري الذي يتولى رئاسته العقيد رياض الأسعد، ويضم 9 أعضاء آخرين برتبة عقيد. أما أهداف المجلس العسكري فقد حددت بـ24 بندا، وأهمها: إسقاط نظام الحكم الحالي في سوريا، وحماية المواطنين السوريين.