«أبناء الصحوة» السابقون لا يجدون مكانا لهم في العراق الجديد

أحدهم ممن تلقى تدريبا أمنيا مع الشرطة ثم سرح: أرغب في عودة الأميركيين

عنصر الصحوة السابق مهند محمود يعمل الآن كهربائيا (واشنطن بوست)
TT

لا يستطيع مهند محمود العثور على مكان له في العراق الجديد، فقد انسحب الجيش الأميركي، الذي عينه هو وأكثر من 80 ألف مقاتل سني آخر للقضاء على عناصر تنظيم القاعدة، الذين لم ينسحبوا بالتأكيد.

وتعتزم الحكومة العراقية، التي تزداد سيطرة الشيعة عليها، الاستعانة بهؤلاء المقاتلين في قوات الأمن. وحتى إن كان محمود قادرا على الحصول على وظيفة مثل هذه، فإن بعض رفاقه من السنة لا يثقون في الحكومة الجديدة وقد يعتبرونه خائنا إن عمل معها. وباعتباره من أبناء صحوة العراق، الذين كان لهم فضل مساعدة القوات الأميركية في استعادة الاستقرار في البلاد منذ عدة سنوات، يشكو محمود ورفاقه من التهميش رغم أن عناصر «القاعدة» يطاردونهم يوميا. مع ذلك يقول محمود، خلال استراحة من عمله كعامل صيانة خطوط كهرباء «إنني على استعداد لمعاودة قتالهم».

ويتعرض أبناء الصحوات مع تزايد وتيرة العنف هذه الأيام إلى خطر الاغتيال يوميا. فالأسبوع الماضي، تم استهداف أربعة من العراقيين الذين على علاقة بالصحوات في يوم واحد، وتوفي اثنان يوم الثلاثاء في انفجار أمام منزلهما في على أطراف الفلوجة. وقتل حسن عبد الله التميمي، الذي ترقى إلى رتبة نقيب في شرطة أبو غريب، على أيدي عناصر متمردة اقتحموا منزله وقتلوا زوجته وأبناءه الثلاثة أيضا على حد قول العقيد صباح الفلاحي، قائد قوات الشرطة في المنطقة. أما الرابع فهو نديم الجبوري، الذي أردي قتيلا بطلق ناري من مسدس كاتم للصوت بحسب مسؤولي أمن. وكان الجبوري في يوم الأيام عنصرا من عناصر «القاعدة» في العراق، لكنه ترك التنظيم عام 2007 وأقنع الكثير من السنة بمقاومة التنظيم الإرهابي. وأقام عامين في الأردن، لكنه كان يزور العراق ويتحدث مع قادة الصحوة والقادة السنة. وقال ستيرلنغ جينسين، الذي يدرس الحركة في مركز جنوب آسيا والشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية الذي كان يعمل مترجما للقادة الأميركيين خلال الحرب: «إنهم الأكثر استهدافا وضعفا في العراق».

وقال مصطفى شبيب الجبوري، القيادي في الصحوات، الذي نجا من 4 انفجارات بسيارات مفخخة: «نحن مستهدفون من قبل كل الإرهابيين». ويرى أن هناك الكثير من أبناء الصحوات الذين يتعرضون لهجمات يوميا في مختلف أنحاء البلاد.

ومن المؤكد أن أبناء الصحوات معروفون في حي الأعظمية، وهي منطقة أغلب سكانها من السنة، وتقع في شمال بغداد، حيث يقضي محمود أيامه في إصلاح خطوط الكهرباء. وعودة إلى عام 2007 عندما سيطر تنظيم القاعدة على المنطقة، عرف محمود أن قادة الجيش الأميركي يجمعون مقاتلين ويدفعون لهم نحو 300 دولار شهريا، وتبين أن هذا كان في إطار الاستراتيجية الأميركية لإنهاء الحرب. شارك محمود في معارك رئيسية كبيرة ضد عناصر «القاعدة»، وكذلك في الدوريات التي كانت تجول شوارع الأعظمية. وانتشرت أنباء عن هروب بعض أبناء الصحوات من الحي مثل زياد فاروق نعوش، الذي هرب إلى مصر بعد اختطافه، ثم إطلاق سراحه عقب دفع الفدية. وقال نعوش الذي عاد عام 2008: «أخبرتني أسرتي أن أبناء الصحوات يسيرون في الشوارع بحرية وأن الوضع تحسن».

في ذلك الوقت تزايد أعداد أبناء الصحوات ووصل إلى مائة ألف وكان من بينهم عدد قليل من الشيعة. وسلمت الولايات المتحدة السلطة بالكامل إلى الحكومة العراقية عام 2009 على أساس توفير وظائف في الجيش والشرطة لـ20 في المائة من المقاتلين ومحاولة الحكومة العراقية إيجاد وظائف للباقين في القطاعات المدنية الأخرى أو القطاع الخاص. مع ذلك سارت الأمور ببطء، حيث يقول أبناء الصحوات إنهم لم يحصلوا على أي وظائف لأنهم من السنة، في الوقت الذي ترحب فيه الحكومة بتوظيف المقاتلين الشيعة. وتؤكد الحكومة التزامها بتعيين أبناء الصحوات، لكن المؤهلات العلمية تمنع بعضهم من الحصول على وظائف في الأمن. ويقول علي الموسوي، المتحدث باسم رئيس الوزراء نوري المالكي: «لا يتم التعامل معهم على أساس طائفي».

وقال زهير الجلبي، رئيس لجنة المصالحة الوطنية، إن قوات الأمن في بغداد عينت 9 آلاف من أبناء الصحوات. ويقول إنه يود أن يرى الشرطة تعين 7.600 منهم في مناطق أخرى من البلاد. وما يزيد من ضبابية مستقبل أبناء الصحوات التعليقات الأخيرة لمكتب المالكي، حيث صرح عامر الخزاعي، مساعد رئيس الوزراء لشؤون المصالحة، لقناة «الشرقية» الإخبارية بأن قوات الأمن توقفت عن تعيين أبناء الصحوات. ولم يتسنّ التوصل إلى الخزاعي للتعليق على هذا الأمر.

ويقول محللون إنه ما دام المالكي يوطد دعائم سلطته، فسيقع تحت ضغط من جانب الحلفاء الشيعة لوقف تعيين أبناء الصحوات في قوات الشرطة أو الجيش. ويقول جينسين، المترجم السابق لدى الجيش الأميركي الذي قد تحدث للكثير من أبناء الصحوات «لن يقوم بأي عمل مؤثر لمد يد العون لأبناء الصحوات». ويخشى جينسين وآخرون من أن تسعى الحكومة العراقية للتخلص من أبناء الصحوات في الوقت الذي يمثلون فيه عنصرا أساسيا لمحاربة تنظيم القاعدة الذي يبدو أنه عاد للظهور مجددا في العراق.

ومع الاتجاه المتزايد للتخلص من أبناء الصحوات، ربما يكون هؤلاء الباقون ممن يشعرون بالتهميش من قبل الحكومة أكثر استعدادا لتحويل ولائهم لجهات أخرى. وفي الأسبوع الماضي، تركز انتباه زعيم مجالس الصحوات، أحمد أبو ريشة، على شائعات مفادها بأن محافظة كربلاء ستحاول ضم جزء من محافظة الأنبار يهيمن عليه السنة. وقال: «قوات أبناء الصحوات مستعدة للوقوف ضد تلك النظم الناشئة من إيران».

وقال محمود، عامل الصيانة الكهربائية، إنه لم ييأس من محاولة الحصول على وظيفة بالشرطة، على الرغم من الصعوبات التي واجهها حتى الآن. وقال محمود إن جهاز شرطة قام بتعيينه هو وآخرين من مقاتلي أبناء الصحوات كحراس ليليين في حي الأعظمية. وتلقى الرجال تدريبا مدته شهر، لكن تم تسريحهم دون دفع أجور لهم. وقال إنه على غرار آخرين من أبناء الصحوات، كان يشعر بمزيد من الأمان عندما كانت القوات الأميركية - الرعاة الرئيسيون لهم - موجودة في الدولة. وأنهى حديثه قائلا «أرغب في عودة الأميركيين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»