حزب البيض في جنوب أفريقيا يختار زعيمة سوداء لتحسين صورته

مازيبوكو تلقت تعليمها بمدرسة يهودية واستاءت من الصورة النمطية عن المسلمين بعد 11 سبتمبر

لينديوي مازيبوكو ( «نيويورك تايمز»)
TT

تملك لينديوي مازيبوكو جذورا أفريقية لا تخطئها العين، من مسقط رأسها (مملكة سوازيلاند)، إلى إحدى لغاتها الأم (إيسيزولو)، إلى بشرتها السوداء. ولكن بالنسبة لكثير من الناس، فإن مازيبوكو ليست سوداء بما يكفي..

فقد وصفها أحد وزراء الحكومة هنا، خلال دورة هذا العام البرلمانية، بأنها تشبه ثمرة جوز الهند (بيضاء من الداخل وبنية اللون من الخارج). كما وصفها أحد المعارضين السياسيين بأنها «الفتاة التي تقدم الشاي»، أو الخادمة، لزعيمة حزب المعارضة الرئيسي في البلاد. وقد قذفها مستخدمو «توتير»، إلى جانب هذا، بإهانات عنصرية، ونعتوها بأنها تحفة لا تضر ولا تنفع، وبأنها إنسانة ساذجة. ووصل الأمر لدرجة أن أحد أعضاء حزبها نقل عنه قوله إنه عندما يغلق المرء عينيه ويستمع إلى مازيبوكو، «فإنه سيعتقد أنه يستمع لحديث شخص أبيض».

هناك تناقض عميق يحيط بمازيبوكو، 31 عاما، مما يمثل تحديا قويا أمام حزبها، «التحالف الديمقراطي»، في جهوده الرامية إلى انتزاع السلطة من الحزب المهيمن الحاكم، حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.

وكانت مازيبوكو قد أصبحت أول زعيمة سوداء لحزب «التحالف الديمقراطي» في البرلمان بعد عملية التصويت الداخلي التي أجراها الحزب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقد أصبح وجهها الآن رمزا للجهود المبذولة لمحاولة تنويع قيادة الحزب، والتخلص من الصورة النمطية للحزب كحزب للنخبة البيضاء في جنوب أفريقيا، وإعطائه قدرا من الأمل في اللحاق بركب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي حصل على أكثر من 65% من الأصوات، مقابل نسبة الـ16% التي حصل عليها حزب التحالف الديمقراطي خلال الانتخابات البرلمانية عام 2009.

ولكن لا تزال الانتقادات تلاحق مازيبوكو من قبل النقاد، الذين يقولون إن دراستها في المدرسة الخاصة، ولكنتها البريطانية المصقولة، هي بمثابة إشارات إلى أنها بعيدة كل البعد عن معظم سكان جنوب أفريقيا السود. كما يقول منتقدوها إن حزبها قد دفعها لتولي ثاني أقوى مركز في الحزب، على الرغم من افتقارها إلى الخبرة، وذلك ببساطة لكونها ذات بشرة سوداء، ولأنها ربما تساعد في زيادة شعبية الحزب. وقالت باليكا مبيتى، رئيسة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي: «مازيبوكو لا تستطيع أن تجتذب سوى نوعية معينة من الشباب السود، وليس كل الشباب السود بتنوع فئاتهم. لا أعتقد أن الناس الذين ستجذبهم سيشكلون أغلبية».

ولكن ما يراه المعارضون في مازيبوكو على أنه ضعف، يراه حزبها، المدعوم من نحو 5% من السود في جنوب أفريقيا، على أنه مصدر قوة محتمل. وهناك عدد كبير من السكان غير المستغلين من الناخبين السود الشباب، الذين ترعرعوا في بيئات الطبقة المتوسطة، مثل مازيبوكو، الذين يتحدثون مثلها وولدوا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، وسيكونون قادرين على التصويت في الانتخابات الرئاسية لأول مرة في عام 2014.

وقال ساجاموثوبو ماتو، وهو عضو في البرلمان عن حزب التحالف الديمقراطي: «ينبغي لحزب التحالف الديمقراطي أن يغير من مفهومه لنفسه على أنه حزب البيض وأن مهمته هي الحفاظ على امتيازات البيض، حيث ينبغي لقادة الحزب أن يدركوا أن دور الحزب قد أصبح أكبر من هذا، وأن الحزب قد أصبح حزبا لكل مواطني جنوب أفريقيا. ولذا، فإن وجود مازيبوكو باعتبارها مشاركة في قيادة الحزب (مع قائد ثان) على المستوى الوطني، يعد أمرا في غاية الأهمية».

ولكن على الرغم من ذلك، فإن أكثر منتقدي مازيبوكو حدة، هو ماسازولى منكاسلا، وهو عضو في حزبها ونائب في البرلمان. فقد كتب قبل أشهر في رسالة إلى زعيمة الحزب، هيلين زيلي، إن مازيبوكو «ليست لديها شعبية كبيرة في دوائر السود، مما سيؤدى إلى فشلنا في تحقيق أهدافنا في اجتذاب أصوات السود».

لكن منكاسلا، الذي يواجه اتهامات تأديبية من حزبه بسبب تعليقه هذا وغيره من التعليقات، كان أكثر دعما في إحدى المقابلات التي أجراها، حين قال: «إنها فرصة جيدة أن نحظى بزعيم أسود، خاصة امرأة سوداء، وهى فرصة عظيمة في حد ذاتها للحزب».

وقالت زيلي، التي تعد واحدة من أكبر مؤيدي مازيبوكو، إنه من السخافة الإشارة إلى أن مازيبوكو قد انتخبت لأنها كانت سوداء فقط. وتساءلت زيلي: «ألا يمكن أن نحكم على الناس من خلال شخصياتهم؟ فمازيبوكو ذكية جدا، وقديرة للغاية، ولديها قدرة كبيرة على التعبير، بالإضافة إلى كونها سياسية جيدة جدا، وامرأة سوداء».

نجحت مازيبوكو في الحفاظ على هدوئها وسط هذا السيل من التساؤلات حول سواد بشرتها، قائلة إنها كانت تسمع مثل هذا الكلام منذ طفولتها، وأشارت إلى أن وضع نمط معين لسلوك وطريقة تفكير الأشخاص السود يعد نوعا من التفرقة العنصرية، مضيفة أن الناس كان يتصلون بها، خلال بعض مقابلتها الإذاعية، ليطلبوا منها التحدث بالإيسيزولو. وقالت: «أنا أرفض أن أفعل ذلك. لا أعتقد أن سواد البشرة يعد جائزة يمكن أن يمنحها الناس للمرء».

ولدت مازيبوكو في مملكة سوازيلاند الصغيرة، الواقعة بين جنوب أفريقيا وموزمبيق. وكان والدها مصرفيا إلى جانب كونه من صغار المشتغلين بالأعمال الحرة، كما كانت والدتها ممرضة. انتقل والداها عندما كانت في السادسة من عمرها إلى جنوب أفريقيا التي كانت تمزقها التفرقة العنصرية، حيث كانا يعتقدان أن هذا البلد سيوفر لهما فرصا جديدة، على الرغم من العنصرية الموجودة به.

وعلى الرغم من أن مازيبوكو عاشت لمدة ست سنوات في أولمازا، وهى إحدى بلدات السود، فإن أسرتها تمكنت من الحفاظ على نمط حياة الطبقة المتوسطة الذي اعتادت عليه. وقد تلقت تعليهما في مدرسة يهودية لأن والديها لم يتمكنا من إلحاقها بإحدى المدراس الكاثوليكية. وكان والداها يقومان، في الـ16 من يونيو (حزيران) من كل عام، الذي يواكب ذكرى انتفاضة سويتو، وهي الانتفاضة التي اندلعت في عام 1976 ضد نظام التعليم في ظل التمييز العنصري، بتهريبها بعيدا عن المظاهرات الموجودة في الشوارع لتوصيلها للمدرسة، حتى إنهما كانا يخبآنها في بعض الأحيان في صندوق سيارتهما.

وبعد وفاة والدها، انتقلت العائلة إلى حي راق في شمال مدينة دوربان في عام 1992، حيث التحقت مازيبوكو بمدرسة أنجليكانية داخلية. ولم يكن هناك اهتمام كبير قط بالسياسة بين أفراد أسرتها، حيث قالت إنها أعطت صوتها للمؤتمر الوطني الأفريقي في أيام شبابها لأن هذا هو «ما اعتقدت أن السود كانوا يفعلونه».

بدأت شخصيتها السياسية في الظهور بعد أن انتقلت إلى إنجلترا لدراسة الغناء الكلاسيكي، حيث وقعت في هذه الأثناء هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، مما جعلها تشعر بالانزعاج من الصورة السلبية التي رسمت للمسلمين. وقالت إنها قد اشتمت في هذه الطريقة رائحة العنصرية التي كانت تتسم بها السياسة في جنوب أفريقيا، وإنها بدت كأنها نوع من الحروب الصليبية. وقالت مازيبوكو: «هذا الأمر دفعني للتوقف قليلا، والتفكير في الأشياء التي يمكنني القيام بها مستقبلا لكي أقوم بتسليط قليل من الضوء على ما حدث، إذا جاز لي صياغة الأمر على هذا النحو».

وقد شرعت، في الوقت نفسه، في النظر إلى جنوب أفريقيا من خارجها، وبدأت تغير رأيها في الدور الذي ينبغي للحكومة أن تلعبه في حياة الناس، حيث بدأت في تبني وجهة النظر القائلة إن الحكومة ينبغي أن تمكن الناس من مساعدة أنفسهم، بدلا من اعتقادها السابق، حينما كانت تعيش في بلدتها، بأن الحكومة بحاجة لانتشال الناس من عثرتهم ومساعدتهم على النهوض بأنفسهم.

وهكذا تركت مازيبوكو دراسة الموسيقى لتدرس الصحافة السياسية. وبينما كانت تعكف على إعداد ورقة بحث عن زيلي للحصول على شهادة، اكتشفت مازيبوكو وجود رؤية مشتركة بينها وبين زعيمة الحزب وسياسته، مما جعلها تقوم باستغلال المهمة المكلفة بها وتحويلها إلى وظيفة، كباحثه تابعة لحزب التحالف الديمقراطي. وقد تم تعيينها في عام 2009 متحدثة وطنية باسم الحزب، وتم اختيارها من قبل الحزب لتكون عضوا عنه في البرلمان. وتذكر مازيبوكو، عندما تتحدث عن قيمتها بالنسبة للحزب، سنها قبل حديثها عن عرقها، قائلة إن ذلك يعطيها القدرة على التواصل بطريقة مختلفة عن تلك التي يتبعها الأعضاء المخضرمون في الحزب.

وقد استأجرت مازيبوكو عندما تم ترشيحها لتكون قائدة الحزب في البرلمان استراتيجيا متخصصا في وسائل الإعلام، وقامت بحملة على مستوى الرأي العام، وهي المرة الأولى التي يتم فيها القيام بمثل هذا الأمر من أجل الانتخابات الداخلية للحزب. وقال إيان أولس، وهو عضو في البرلمان ينتمي لحزب التحالف الديمقراطي ويؤيد مازيبوكو: «كان من نتائج ما قامت به مازيبوكو، أن عددا من أعضاء البرلمان وقعوا تحت ضغوط من قبل دوائرهم الانتخابية لدعمها، حيث شاهدنا للمرة الأولى الناخبين في الدوائر الانتخابية وهم يتصلون هاتفيا بأعضاء البرلمان ويقولون لهم: نريد منكم التصويت لصالح مازيبوكو».

لكن السياسة تتراجع لتقف بعيدا، عندما تبدأ مازيبوكو في تبادل الرسائل عبر موقع «تويتر»، حيث تتركز الأسئلة التي تتلقاها حول تفاصيل حياتها الحميمية، مثل نوعية الطعام الذي ستقوم بطهيه على العشاء، أو الطريقة التي تقص بها شعرها. وأجابت مازيبوكو، عندما سألتها إحدى المستخدمات حول ما هو الأفضل، ارتداء باروكة أم تضفير الشعر، قائلة: «الضفائر بالطبع، حتى أتمكن من الاستمتاع بالسير على الشاطئ هذا الصيف»، معنونة رسالتها بعبارة «حلول لمشكلات الفتاة السوداء».

* خدمة «نيويورك تايمز»