بعد عام على انطلاقها.. مظاهرات ساحة التحرير في بغداد تتلاشى بسبب الانقسامات وضغط السلطات

أحد منظميها: الروابط التي كانت تجمعنا في فبراير 2011 لم يعد لها وجود

مجموعة صغيرة من العراقيين تتظاهر في ساحة التحرير ببغداد بحضور عناصر أمن في 20 يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT

باتت مظاهرات العراق، التي كان قيامها في خضم الربيع العربي شكل صدمة للحكومة، ظلا لتلك الاحتجاجات التي بدأت قبل نحو عام، وهي اليوم في طريقها للتلاشي بسبب انقسامات وضغط السلطات التي تتهم أطرافا سياسية بالوقوف وراءها.

ففي 25 فبراير (شباط) 2011 خرج آلاف العراقيين إلى ساحة التحرير وسط بغداد منددين بأداء الحكومة ومطالبين بتحسين الخدمات، ما ولد صدمة لدى حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي. لكن اليوم، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، لم يعد هناك سوى عشرات المتظاهرين كل يوم جمعة منقسمين بين شيوعيين وآخرين مشتتين محاطين بعشرات من رجال الأمن الذين يفرضون سيطرتهم على المكان.

وقال كمال، أحد منظمي المظاهرات الذي اكتفى بذكر اسمه دون لقبه، إن «الروابط التي كانت تجمعنا في فبراير 2011 لم يعد لها وجود». وأكد: «نحن أكثر ضعفا وتفرقا من العام الماضي»، وتابع: «عندما تظاهرنا قبل عام كنا أكثر إخلاصا وأملا. لا أقول كنا على خطأ، لكن كنا غير واقعيين».

وطالب المتظاهرون العراقيون بفرص عمل، وخصوصا تحسين الخدمات وتوفير الماء والكهرباء، حيث ما زالت البلاد تشهد انقطاعات فيهما بعد تسع سنوات على اجتياح العراق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للإطاحة بنظام صدام حسين. وقتل في تلك المظاهرات 15 متظاهرا خلال اشتباكات مع عناصر الأمن.

وكان رد السلطات أن قام رئيس الوزراء نوري المالكي بمنح وزرائه مائة يوم لتحسين أداء وزاراتهم، وبادرت الحكومة بتخصيص وقود لمولدات الطاقة الكهربائية المنتشرة في الأحياء لمواجهة حرارة الصيف، لتعويض نقص الكهرباء. ورغم ذلك تواصلت المظاهرات في يونيو (حزيران) في ساحة التحرير على الرغم من انخفاض أعداد المشاركين فيها، ولكن رافقتها هذه المرة مظاهرات داعمة للحكومة. وقال سامر المسقطي الباحث في منظمة حقوق الإنسان لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن «مظاهرة العاشر من يونيو تمثل نقطة التحول حقا». وأوضح أن «أغلب الذين تحدثنا إليهم بعد ذلك اليوم أدركوا أنه يجب أن يأخذوا (وجود) قوات الأمن على محمل الجد». وأكد أن ذلك اليوم «كان نقطة تحول عبر تدخل السلطات بطريقة أكثر تأثيرا في التعامل مع المتظاهرين، وقد نجحت في ذلك». وأشار المسقطي وكمال، منظم المظاهرات، إلى أن حضور متظاهرين داعمين للحكومة بالتزامن مع الاحتجاجات أدى إلى انخفاض أعداد المحتجين والحد من تأثيرهم.

لكن منظمة «هيومان رايتس ووتش» التي تتخذ من نيويورك مقرا لها انتقدت بشكل حاد الحكومة العراقية في هذا الشأن، في تقرير صدر الأسبوع الماضي. وجاء في التقرير أن «العراق قمع بقسوة خلال عام 2011 حرية التعبير والتجمع عبر الترهيب والضرب واحتجاز الناشطين والمتظاهرين والصحافيين».

ورفضت الحكومة العراقية بشدة هذا التقرير واعتبرته لا يستند إلى الحقائق وأنه أعد استنادا «إلى شهادة جهة واحدة». وقال علي الموسوي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء: «نحن لا ننكر وجود انتهاكات، لكنها فردية ونعمل على وضع حد لها في أقرب وقت»، مؤكدا أن «الحكومة لا تحتاج إلى استعمال العنف ضد المتظاهرين لأنهم لا يمثلون شيئا للحكومة، والمعترضون هم مجموعة من عشرات وبدأت أعدادهم تقل تدريجيا». وشهد يوم الجمعة قبل الماضي مظاهرات لعدد محدود في ساحة التحرير، طالب خلالها عدد كبير من المشاركين بمحاكمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال بتهمة دعم أعمال إرهابية، ما دفعه إلى اللجوء إلى إقليم كردستان الشمالي، بينما طالب آخرون خلال المظاهرة التي رافقتها إجراءات أمنية مشددة بعدم تدخل تركيا في الشؤون الداخلية للبلاد. وطالب عدد آخر الحكومة بتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل للعاطلين. وقال حيدر حمزة (23 عاما)، أحد الناشطين الذي فضل عدم الوجود في مظاهرات ساحة التحرير خلال الأشهر الماضية: «أنا لست متشائما، وأعتقد أنه بإمكان الناس أن يغيروا، وهذا ما حدث في بلدان أخرى في العالم العربي». وتابع: «أنا واثق أنه بإمكانهم أن يختاروا ما يريدون، ولكنهم بحاجة إلى الوقت».