النظام السوري يواصل محاصرة ريف دمشق.. و«المجلس الوطني» يعلن أمس «يوم حداد»

الكنيسة الأرثوذكسية تأسف «لازدياد هدر الدماء»

بشار الأسد يصافح أحد جنوده المصابين خلال زيارته لمستشفى في دمشق أمس (أ.ف.ب عن سانا)
TT

بعد أيام من القصف الوحشي، الذي استخدمت خلاله الدبابات والأسلحة الثقيلة لاستهداف الأحياء المدنية الآمنة، وتوسيع النظام السوري رقعة استهدافه لتطال مناطق واسعة في حمص وحماه وريف دمشق، راح ضحيته مئات القتلى والجرحى مع تصاعد وتيرة العنف مؤخرا بشكل ملحوظ في سوريا، واصل النظام السوري، لليوم الرابع على التوالي، أمس، حصاره لريف دمشق، وتحديدا الغوطة الشرقية، التي شهدت أمس انتشارا أمنيا غير مسبوق وحملة تخريب وتنكيل بالبلدات وأهلها.

وأعلن المجلس الوطني السوري، بالتنسيق مع قوى الحراك الثوري، يوم أمس «يوم حداد وغضب عام على ضحايا المجازر الوحشية لنظام الطغمة الأسدية»، داعيا «المساجد إلى رفع أصوات التكبير والتهليل، والكنائس إلى قرع الأجراس، وإلى رفع الصوت عاليا بهتافات التنديد بالنظام وجرائمه والأطراف التي تؤمن له المساندة والدعم ليواصل عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي يقوم بها». كان أكثر من مائة سوري قد قتلوا أول من أمس، أكثر من نصفهم من المدنيين، بينهم «أطفال ونساء وأفراد أسرتين كاملتين في حمص والرستن»، وفق ما جاء في بيان المجلس الوطني الذي اعتبر أن «النظام السوري صعَّد من جرائمه بحق المدنيين، مستغلا الغطاء الذي توفره له بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وتلكؤ المجتمع الدولي في اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين الحماية اللازمة للسوريين بكل الوسائل المتاحة». وفي موقف لافت إزاء ارتفاع عدد القتلى في صفوف المدنيين، أعربت الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية عن «أسفها لأن تعلو لغة العنف في سوريا على لغة المحبة والأخوة التي طالما كان الإيمان بها من منطلق الأصالة المشرقية الحاملة رسالة المحبة والإخاء والتواصل». وجاء في بيان أصدرته أمس: «نقف مذهولين من قتل الأبرياء وازدياد هدر الدماء، فإن كل قطرة دم تسقط على تراب هذا الوطن الذي إليه ننتمي تؤلمنا وتحزننا»، مذكرة بـ«مقتل أحد آباء كنيستها في حماه، الأب باسيليوس نصار». وشجبت الكنيسة الأرثوذكسية «المساس بالأماكن المقدسة والرموز الدينية كدير صيدنايا، لما لها من حرمة وقداسة في ظل إيمانها وانتماء أبنائها لأوطانهم المختلفة؛ حيث يعملون مع إخوتهم في المواطنة بثقة ورجاء من أجل إحلال السلام والاستقرار»، رافعة «الصلاة إلى الله بحرارة كي يلهم الجميع الصواب والمضي برسالة المحبة والإخاء».

ودعا ناشطون إلى إعلان الغوطة الشرقية «منطقة منكوبة»، مناشدين منظمتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات الدولية ذات الصلة «التوجه إلى المنطقة وإغاثة الأهالي بالغذاء والدواء والمأوى، والضغط على نظام الإجرام لإيقاف جرائمه المستمرة».

ولا يزال أهالي مدينة سقبا (ريف دمشق) يعيشون حصارا خانقا وقصفا عنيفا متواصلا منذ أيام، أدى إلى تدمير المنازل والمحال التجارية. ويعيش الأهالي وسط أجواء من الرعب والقلق في ظل انقطاع الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات منذ أيام. وقال أحد الشهود العيان، بعد أن تمكن أمس من الخروج من المدينة: «خرجنا بجهد كبير بعد أن بقينا هناك لمدة 3 أيام متواصلة تحت القصف العنيف فوق المنازل والدور السكنية المتلاصقة»، مشيرا إلى أن «القذائف تتساقط حولنا في كل دقيقة، ونحن في كل مرة نقول هذه ستصيبنا». ولفت إلى أنه هناك «تهديدا مستمرا لحياتنا منذ 3 أيام، النساء والأطفال بحالة نفسية صعبة جدا، وحالة من القلق والتوتر والرعب تسيطر على الجميع مع هذه المواجهات المستمرة». وذكر شاهد العيان أنه «في أحد المشافي الميدانية لا تزال هناك 30 جثة لبعض أهالي الحي بينهم أطفال، ولم نستطع دفنهم بعد»، مؤكدا «استهداف معظم المحلات التجارية في الشارع العام بالقذائف، وهي مدمرة بالكامل وتمت سرقتها». وفي زملكا، ذكرت «لجان التنسيق» أن قوات النظام اقتحمت المدينة وقصفتها بالدبابات، وقُتل شخصان على الأقل، أحدهما دهس بدبابة عسكرية، في وقت عمل فيه عناصر من الشبيحة على تحطيم المحال التجارية.

أما في إدلب، فقد أفاد ناشطون بوصول رتل من الدبابات والمدرعات إلى مداخل المدينة، على وقع إطلاق رصاص كثيف وقذائف واشتباكات مستمرة. وذكرت لجان التنسيق أن «الجيش السوري الحر» قام بقصف معسكر المسطومة الذي تتمركز فيه قوات جيش النظام وآلياته العسكرية التي يستخدمها في اقتحام مدن وأحياء محافظة إدلب، مشيرة إلى أن 4 جنود قام الأمن بإعدامهم في إدلب. وفي كفرعين، خرجت مظاهرة نادت بإسقاط النظام، تضامنا مع مدينة إدلب وخان شيخون؛ حيث أقدمت قوات النظام على قصف المدينة بالدبابات، تبعتها مواجهات عنيفة مع الجيش الحر.

في موازاة ذلك، حملت لجان التنسيق المحلية على «لجوء النظام السوري مجددا إلى أسلوب تفجير أنابيب النفط في مناطق مختلفة في سوريا ضمن سياسة العقاب الجماعي للمطالبين بالحرية والديمقراطية، وآخرها في حي بابا عمرو في حمص ومحاولة اتهام ما يسميه (التنظيمات المسلحة)، لتدعيم روايته قبيل اجتماع مجلس الأمن الدولي لمناقشة الملف السوري».

وقالت: «إن تفجير أنابيب النفط والغاز هو انتهاك جديد يضاف إلى السلسلة الطويلة من الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري بحق البلاد والمواطنين كعقاب جماعي، من قصف للمناطق المأهولة، وإطلاق النار العشوائي والحصار وقطع المياه والكهرباء والاتصالات والأغذية، والقائمة تطول».

وتواصل نزوح أهالي بلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق أمس وسط أوضاع أمنية متوترة وأوضاع إنسانية سيئة للغاية؛ حيث تجدد القصف على بلدتي عربين وزملكا ليل أول من أمس، وقال سكان نزحوا من زملكا أمس باتجاه العاصمة: إن هناك عددا من المدنيين الذين قتلوا ليل أول من أمس وأمس تم تشييعهم أمس بعد صلاة العصر، وذلك بعدما اقتحمت قوات من الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري مدينة زملكا صباح أمس، وبعد انسحاب «الجيش الحر» من المدينة قامت قوات أمنية بإطلاق النار على المارة، وقتل نحو 7 بينهم بائع ماء شرب، قتل برصاص قناص أدخل صهريج مياه بعد انقطاع الماء 3 أيام عن المدينة، ووصف السكان حال مدينتهم بأنها مدينة منكوبة. وذلك بعد توارد أنباء عن قيام الشبيحة باقتحام المنازل الخالية ونهبها وتخريبها، ونهب المحلات التجارية، وترويع الأهالي، مع انتشار القناصة على الأبنية المرتفعة والمحيطة بمدخل المدينة.

وتعرضت منطقة البساتين في حي بابا عمرو لحملة عسكرية هي الأقوى والأعنف، جرى خلالها قصف عنيف للمنطقة أسفر عن مقتل وجرح العشرات، ولم تتضح بعد الحصيلة الأولية للخسائر هناك.