ريف دمشق يلتهب في وجه النظام

شهد أكبر انشقاقات للجيش النظامي بعد درعا

TT

منذ بداية الأحداث في سوريا منذ أكثر من عشرة أشهر لم تعد محافظة ريف دمشق المحيطة بالعاصمة، والتي تضم غوطة دمشق، الرئة التي تمتص الكثافة السكانية في العاصمة، فالغوطة التي أكل خضرتها توسع عمراني عشوائي مدعوم بغياب التخطيط واستشراء الفساد على مدى عقود، تحولت ببلداتها الكثيرة من سوار أخضر يحيط بدمشق، إلى طوق خانق وقنبلة موقوتة تفجرت بالمظاهرات والاحتجاجية، مع انطلاق شرارة الثورة من درعا جنوب البلاد. ومع استمرار العلميات العسكرية الموسعة للجيش النظامي في ريف دمشق لأكثر من أسبوع، لا سيما وادي بردى والغوطة الشرقية أعلن ناشطون تلك المناطق مناطق منكوبة، حيث نزح الكثير من أهالي الغوطة الشرقية «عربين - حرستا - كفربطنا - حزة جسرين – سقبا – حمورية» باتجاه أحياء دمشق الشرقية من العباسيين إلى القزازين والسادات وصولا للعمارة، وبعض المنازل وصل عدد العائلات فيها إلى خمس عائلات، وبحسب ناشطين فإن ذلك النزوح صار يشكل عبئا في طريقه لأن يغدو كارثة إنسانية غير واضحة في حال استمر عدم تمكنهم من العودة بأسرع وقت، خاصة أن أغلب ما يملكه هؤلاء النازحون تركوه في منازلهم والأرجح أنه قد سُرق، وحسب ما قاله سكان فارون من مدينة كفربطنا المحاصرة، أن الشبيحة قاموا بتكسير المحال التجارية والبيوت وسرقتها، بالترافق مع حملة اعتقالات عشوائية، وناشد السكان العالم لإغاثة أهالي الغوطة الشرقية، حيث يعانون منذ عدة أيام من نقص حاد في «المواد الغذائية والطبية» وكان ناشطون وجهوا نداء ليل أول من أمس لنجدة مدينة سقبا المشهورة بصناعة الموبيليا والمفروشات بعد تعرض محالها ومستودعاتها للنهب من قبل الشبيحة.

ويعيد ناشطون أسباب الهجمة العنيفة للنظام على ريف دمشق لعدة أسباب، أهمها أن أكبر انشقاقات شهدها الجيش النظامي كانت في ريف دمشق بعد درعا، وخطورة ذلك في ريف دمشق لانتشار المقرات والقواعد العسكرية، بالقرب من العاصمة، ومنذ اليوم الأول لخروج مظاهرات في مدينة دوما، التي تعد مركز محافظة ريف دمشق، شكلت دوما وما يحيطها من بلدات الغوطة الشرقية ملاذا للجنود المنشقين، لينضم لهم لاحقا المطلوبون للأجهزة الأمنية، ولكل من اعتبر الثورة خياره الوحيد، وأدى ذلك إلى تشريد عائلات بأكملها، إذ تعرضت أسر الجنود المنشقين، وأيضا الأسر التي يشك بإيوائها منشقين، لمضايقات شديدة من قبل الأمن وحملات مداهمات واعتقالات متكررة مع أعمال انتقامية كتخريب المنازل وتشريد ساكنيها.

هذا عدا محاولات دؤوبة لتفتيت المجتمع من داخله، ودفعه للاقتتال، من خلال إشعال الفتن بين أبناء منطقة وأخرى، وتروي طالبة جامعية من نازحي الجولان تعيش في مخيم الوافدين الذي أقيم على أراضي أهالي دوما، أنه «لأكثر من مرة خلال الأشهر الماضية كان هناك من يأتي من المخبرين ليشيع بأن أهالي دوما قاموا باختطاف فتيات من مخيم النازحين، بهدف دفع النازحين لمهاجمة دوما»، وتتابع الطالبة القول على صفحتها في موقع «فيس بوك» «لولا تدخل العقلاء من الأهالي لدى الجانبين لحصلت مذابح» وذلك بعد إشارتها إلى أن «غالبية السكان في دوما والمخيم من المسلمين السنة ومن الصعب إثارة نعرة طائفية لذا كان هناك استغلال لعداء قديم بين أهالي دوما والنازحين الذين استولوا على أراضيهم وأقاموا عليها منذ ثلاثة عقود حيث بنى النظام على هذه الأرضي مخيما للنازحين» وتقول الطالبة التي تعمل صيفا في مشغل خياطة في مدينة دوما إن النظام «نجح بداية في استمالة الكثير من أبناء المخيم سواء من نازحي الجولان أو من اللاجئين الفلسطينيين، مستغلا أوضاعهم المعيشية السيئة وغذى عداءهم لأهالي دوما، ولكن اليوم ومع استمرار التضييق على جميع المناطق تراجع مؤيدو النظام كثيرا وباتوا واثقين أنه لم يعد قادرا على حمايتهم ولا حتى حماية نفسه»، وذلك مع تصاعد الأزمة، حيث لم يعد بالإمكان استثناء أي منطقة في ريف دمشق من عسف النظام، واستمراره بالحل الأمني وعلى نحو كاسح، وبشكل يؤجج الأزمة، ويرفع رصيد الدم والثأر من النظام، ويؤكد محمد وهو ناشط في مدينة الكسوة أن ما يتداول في الإعلام عما يرتكبه النظام من فظائع لا يشكل أكثر من 10 في المائة مما يجري، ويقول في رسالة وجهها إلى أصدقائه في مجموعة إلكترونية «إن أهالي الكسوة تعرضوا لجرائم وحشية لا يصدقها عقل» وهذا «ما دفع الكثير من المطلوبين للالتحاق بالجيش الحر».

وينتشر الجيش الحر في الجهات الأربع من ريف دمشق، وأعنف المعارك تلك التي جرت في وادي بردى ورنكوس والكسوة ودوما، والأسبوع الماضي في عربين وسقبا وحموريا وحرستا وصولا إلى حتيتة التركمان القريبة من طريق المطار. وما عدا إعلان سيطرة الجيش الحر على مدينة الزبداني لا يمكن الحديث عن سيطرة للجيش الحر على مناطق أو مدن، إذ إن استراتيجيته الدفاعية نشأت من ظروف وأسباب تشكله، إذ تصدى الجنود المنشقون بسلاحهم الخفيف والمتوسط للدفاع عن الأهالي وصد هجمات الجيش النظامي بسلاحه الثقيل، في حالة أقرب لحرب الشوارع، حيث يهاجم الجيش الحر أهدافا محددة أغلبها حواجز للجيش النظامي، خلال الليل، أو اقتحام مقرات أمنية سهلة ورفع علم الاستقلال، في حالة كر وفر، وفي المقابل يستقدم الجيش النظامي مزيدا من التعزيزات نهارا ويقوم بقصف أماكن وجود الجيش الحر، ومع حملات مداهمة للمناطق السكنية التي يشك باختبائهم فيها، وسط عمليات ترويع وترهيب لجميع السكان في المنطقة، كل ذلك جعل من غوطة دمشق منطقة ملتهبة تطبق على عنق النظام في العاصمة. إذ تحيط مناطقها ومدنها وبلداتها بدمشق بشكل دائري ومن كافة الجهات، وبعض بلداتها تتصل بالمدينة جراء التوسع السكني السريع، الذي جعل منها امتدادا لبعض أحيائها، مثل منطقة الدويلعة الشعبية التي تصل بين مدينة جرمانة (جنوب دمشق) وحي باب شرق في المدينة القديمة، وبلدة جوبر المتصلة بحي العباسيين حيث يوجد مقر الأمن الجوي المسؤول عن عمليات ريف دمشق.

ويشار إلى أن محافظة ريف دمشق تتضمن 9 مناطق، 27 ناحية، 28 مدينة، 190 قرية، 82 مزرعة، وتعد مدينة دوما أكبر مدنها، ولها حدود مباشرة من الشرق مع العراق والأردن، ومع لبنان من الغرب والشمال الغربي، فيما تحدها شرقا محافظة حمص، وجنوبا درعا والسويداء، وكانت في السابق تضم المناطق الريفية المحيطة بالعاصمة قبل أن تصبح مع الوقت من أهم المحافظات السورية، بمساحة 18 ألف كم مربع، يعيش فيها نحو مليونين ونصف المليون نسمة. علما أنه ومع مطلع السبعينات تم اعتماد تسمية ريف دمشق كمحافظة مستقلة إداريا عن المدينة. كما تعتبر محافظة ريف دمشق الرئة السياحية والصناعية والزراعية للعاصمة، من حيث تنوع طبيعتها بين السهول والسهوب والجبال العالية والوديان وانتشار المصايف، والمتنزهات، لا سيما في الزبداني ومضايا والديماس والصبورة وغيرها من التي يقصدها السياح صيفا من أنحاء مختلفة، لطقسها اللطيف ولغناها بالفاكهة والخضار التي اشتهرت بها الشام. وأهميتها التاريخية والدينية من حيث وجود المساجد والمزارات والكنائس والأديرة القديمة.

لكنها في العقدين الأخيرين ومع تنامي الهجرة الداخلية إلى العاصمة، باتت محافظة ريف دمشق حاضنة للوافدين من أبناء الريف. واكتسحها توسع السكن العشوائي الشعبي مشكلا حزاما من الفقر يزنر العاصمة لا سيما من جهة الشرق، مثل الدويلعة وحرستا والقدم والقابون والسبينة والست... في المقابل وخلف حزام الفقر كانت هناك هجرة معاكسة من أبناء الطبقة الوسطى الدمشقية الذين لم تعد المدينة تتسع لهم، بسبب تردي الوضع الاقتصادي، إذ استبدلت معظم العائلات الكبيرة بيوتها وسط المدينة بعدة شقق في الريف لحل مشكلة سكن أبنائها في قدسيا ودمر وحرستا.